التحقيق في فقه هذا الأثر أنه من باب ضرب الأمثال؛ ببيان مثال من أمثلة العام التي يصدق عليها أنها حياة للبشر، بَيْد أنه يُعتَبر السنام في التدبُّر؛ وذلك أن عبادة التدبر لا يمكن أن تقوم ما لم يستشعر المرء عظمة القرآن بمثل هذه الآثار.
أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى قتادة -رحمه الله- في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِـمَا
يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]؛ قال: «هو هذا القرآن، فيه الحياةُ والثِّقَةُ
والنَّجاةُ والعصمةُ في الدنيا والآخرة»[1].
ويُستدل له بقول الله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ
سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16].
وفي أثر علي -رضي الله عنه-: «كتاب الله؛ فيه نبأ مَن قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم
ما بينكم...»[2].
والتحقيق في فقه هذا الأثر أنه من باب ضرب الأمثال؛ ببيان مثال من أمثلة العام
التي يصدق عليها أنها حياة للبشر، بَيْد أنه يُعتَبر السنام في التدبُّر؛ وذلك أن
عبادة التدبر لا يمكن أن تقوم ما لم يستشعر المرء عظمة القرآن بمثل هذه الآثار.
وهذا المعنى وإن كان معلومًا بالضرورة؛ إلا أن التذكير به بين الفينة والأخرى مهم
جدًّا، وذلك لما جُبِلَت عليه النفس البشرية من النسيان، وإنه ليتأكَّد في أزمنتنا
التي كثرت بها فتن الشهوات والشبهات.
والأثر واضح العبارة، بَيِّن المعنى، وعميق الأثر في قلوب المؤمنين؛ إذ يزيدهم
فرحًا بكتاب الله؛ كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
إنه أثرٌ يزيد أهل القرآن تمسكًا به، واستشعارًا لعظيم النعمة التي خصَّهم الله به،
وفيه لغيرهم من الأمة دعوة للالتحاق برَكْب أهل القرآن والانضمام إليهم، وفيه
لَفْتة عامة لعموم المسلمين أن القرآن الكريم حوى أركان الفلاح والنجاح والبركة
والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن أعظم الاستجابة هي الاستجابة لأوامر الله التي في
كتابه، وها نحن في طلائع شهر القرآن فينبغي لنا جميعًا التوجُّه لقلوبنا وقوالبنا
إلى هذا الكتاب العظيم والعيش في رحابه، وتأمل آياته وعظاته؛ جعلنا الله وإياكم من
أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
[1]تفسير الطبري (11/105).
[2] أخرجه الترمذي مرفوعًا، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، رقم
الحديث (2906)، وأخرجه الإمام أحمد، مسند الخلفاء الراشدين، مسند علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه-، رقم (704).