• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الفلسطينيون بعد تشكيل الحكومة الصهيونية

الفلسطينيون بعد تشكيل الحكومة الصهيونية

 

وأخيراً تم تشكيل الحكومة الصهيونية الثالثة والثلاثين للعام 2013، وستوضع ملفات دسمة ثقيلة العيار على أجندتها، لكن الصراع الدائر مع الفلسطينيين يبدو الأكثر سخونة في ظل انسداد أفق التسوية بصورة غير مسبوقة، حيث شهدت برامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة تقارباً ملحوظاً في المواقف من قضايا الساعة المطروحة، رغم ما طرح من شعارات متباينة كان لا بد منها لغرض «التمايز» المطلوب بنظر الناخبين.

محاورة «حماس»:

لم يعد سراً أن التعامل مع المستجد الفلسطيني الأكثر سخونة على الساحة الإسرائيلية، شكل القاسم المشترك الأكبر بين الأحزاب المتنافسة سابقاً، والفائزة لاحقاً، وبرز ذلك في دعايتها الانتخابية، لا سيما حزب «الليكود» الذي أخذ يزايد على غريمه الخاسر «كاديما»، واتهمه بالتساهل مع حماس، وبعد أن قُدّر لليمين تشكيل الحكومة، فإنه رفض فكرة «ترويض» حماس، ودفعها نحو الاعتدال.

وعبّر عن ذلك بصورة واضحة أحد رموز الليكود، رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية السابق ووزير المالية الحالي «يوفال شتاينيتس»، بقوله: حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية، وهي كباقي الحركات الإسلامية قد تتغير تكتيكياً وبصورة مؤقتة، لكنها لن تتخلى أبداً عن الأيديولوجية الكامنة في صلب جوهرها، لذلك لا يجوز لإسرائيل القبول بدولة حماس مسلحة بجانبها؛ لأنها ستكون في تحالف وثيق مع أعدائها خارج الحدود، حتى إن أظهرت زعامتها مرونة براغماتية في الطريق لهدفها النهائي المتمثل بتدمير إسرائيل.

ولعل الموقف الأكثر وضوحاً لحزب الليكود في التعامل مع حماس عبّر عنه «بنيامين نتنياهو» زعيمه الفائز بأقل مما كان يتوقع وفقاً للنتائج المعلنة، حين رأى أن صعود الحركة يشكل خطراً على الدولة، ففي غزة يتمثل الخطر بصعود «دويلة مسلحة» بقيادتها، وفي الضفة يتمثل الخطر بانهيار السلطة الفلسطينية وإقامة دولة أخرى لحماس أكبر تتبنى نموذج غزة وتهدد القدس وتل أبيب.

في المقابل، فإن ما يطرحه اليمين، الفائز مجتمعاً بـ 61 صوتاً مقابل 59 للوسط واليسار؛ يختلف عما يتبناه حزب العمل تحديداً، الذي لم يعر انتباهاً كثيراً لاختلاف القيادة الفلسطينية، سواء كانت بزعامة فتح أو حماس، رغم تفضيله للأولى؛ لاعتقاده أن إسرائيل أعلنت شروطها للحوار مع أي زعامة فلسطينية، وهي: وقف العنف، تجريد المنظمات من سلاحها، الالتزام بالتعهدات والاتفاقيات الموقعة، الاعتراف بإسرائيل، وحذف البنود الداعية لإبادة إسرائيل الواردة في ميثاق حماس.

وأبدى الحزب عبر دعاية رئيسته الفائزة «شيلي يحيموفيتش»، مرونة ملحوظة بإمكانية محاورة حماس، مع التزام الأخيرة بالشروط السابقة، وإذا ما أعلنت الأخيرة التزاماً بذلك، يؤكد الحزب المرشح للدخول في ائتلاف حكومي متوقع، أنه لن يبقى من سبب يمنع اعتبار الحركة أهلاً للحوار في إطار مفاوضات تجرى في المستقبل.

ورغم أن حزب «الليكود - بيتنا»، صاحب النصيب الأكبر من مقاعد الكنيست، يعتقد جازماً بعد أن خاض حرب غزة الأخيرة ضد حماس أن إسرائيل كسبت معركة لكنها خسرت حرباً في صراعها الدائر مع الفلسطينيين؛ لكن عسكريين وأمنيين بارزين دخلوا اللعبة الانتخابية على مختلف القوائم الحزبية، ومن أبرزهم: «موشيه يعلون، عمرام ميتسناع، يعكوف بيري، وعمير بيرتس»... وغيرهم؛ أثبتوا هذه الحقيقة العملياتية عبر عقد مقارنة بين حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين والحرب الأمريكية ضد تنظيمات القاعدة على النحو التالي:

1 - تكتيكياً: جاءت إنجازات إسرائيل في مجالات الاستخبارات والدِقة والحدِّ من الخسائر، أفضل من الولايات المتحدة وبريطانيا في أفغانستان، ونجحت في الوصول لصورة استخبارات جيدة إزاء حماس، بما فيها اغتيال وتصفية قياداتها السياسية والعسكرية، وآخرهم أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، وهو ما مُني فيه الأمريكيون بالفشل ضد القاعدة، باستثناء «ابن لادن».

2 - استراتيجياً: خسرت القاعدة قواعدها في أفغانستان، وفقدت قدرتها على التجنيد وتعبئة وتدريب آلاف الشبان، وتعرضت ركيزتها السياسية المتمثلة بنظام طالبان للإزالة، فيما أقامت حماس في قطاع غزة قواعد تدريب علنية تدرب فيها آلاف المتطوعين، وصناعة صواريخ وتطوير أسلحة بصورة شبه علنية، وتعززت مكانتها السياسية نتيجة حربها الأخيرة، وظهورها كـ «منتصرة» أمام إسرائيل.

مستقبل المفاوضات:

على الصعيد السياسي مع السلطة الفلسطينية، فإن غياب حزب «كاديما» الخاسر الأكبر في نتائج الانتخابات «المفاجئة»، قد يعني تراجعاً لفكرة استنساخ تجربة الانفصال الأحادي الجانب من قطاع غزة في الضفة الغربية، أو بعض أجزائها على الأقل، بعد ترديد مرشحه الأبرز «شاؤول موفاز» في دعايته الانتخابية أن المهمة المركزية أمام الحكومة القادمة تكمن في تحديد خطوط حدود آمنة ودفاعية توفر الأمن لمواطنيها.

ومع ذلك، فإن ما أعلنه «نتنياهو» في الآونة الأخيرة من عزمه الانسحاب داخل حدود الضفة الغربية من طرف واحد، ودون اتفاق مع السلطة، لفرض وقائع على الأرض ترسم حدود الدولة الفلسطينية القادمة؛ قد يصطدم بعقبة ائتلافه المتوقع، لا سيما إن كان يمينياً صرفاً، حيث يعتبر الضفة جزءاً من إسرائيل، واعتباره أن هذه الخطوة - إن تمت - سترسخ اعتقاد الفلسطينيين بأنها هروب إسرائيلي حتمي تحت ضربات القوى المسلحة!

ومع انسداد أفق المفاوضات بصورة مطبقة، فقد احتلت فرضية اندلاع انتفاضة ثالثة حيزاً كبيراً في برامج الأحزاب والدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وأخذت تزايد على بعضها في اتهامها الحكومات المتعاقبة بالفشل الذريع في وقف مدّ انتفاضة الأقصى، والتراجع المريع في إجراءاتها الأمنية ضد المسلحين.

ولذلك؛ يعتقد زعماء اليمين الإسرائيلي الفائزون أن مواجهة الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حماس، تأتي ضمن محاربة مكثفة يومية ومتطورة ومتقدمة، وكما أسماها «موفاز»، وزير الدفاع الأسبق، فإنها «سباق ماراثوني طويل وليس عَدواً لمسافات قصيرة». وقد تخطت إسرائيل العوائق التي وضعت في طريقها ممن يتربصون بها، وباتت من الدول المتصدرة للكفاح العالمي ضد تلك الجماعات، للدرجة التي دفعت «نتنياهو» مثلاً لأن يبارك العملية الفرنسية الأخيرة في مالي باعتبارها امتداداً لمحاربته حماس في الأراضي الفلسطينية!

وهنا تتزايد الاتهامات الموجهة للحكومات المتعاقبة برئاسة «أولمرت ونتنياهو» في إخفاقهما عن الرد على المقاومة الفلسطينية، لا سيما الصواريخ المتساقطة على المستوطنات المجاورة لقطاع غزة، والإشارة إلى أن خطأهما تمثل بأنهما لم تقوما، بموازاة بناء الجدار الأمني حول غزة عام 1994، ببناء جدار مشابه في الضفة.. فهل يكون هذا على رأس المشاريع المتوقعة في الحكومة القادمة؟

أخيراً.. فإن بقاء حماس مسيطرة على قطاع غزة، واشتداد قوتها أكثر فأكثر عسكرياً وسياسياً وإقليمياً، مقابل التراجع المتواصل للسلطة الفلسطينية، مالياً وسياسياً؛ قد يجعل الأحزاب الإسرائيلية في حالة تغيير متوقع لمواقفها المعلنة منها، إن بقي الحال على ما هو عليه، ومرهوناً بطبيعة الائتلاف المتوقع تشكيله الأسابيع القادمة.. لننتظر ونرى.

 

:: مجلة البيان العدد 310 جمادى الآخرة 1434هـ، إبريل - مايو 2013م.

 

أعلى