تم تشكيل حكومة الهند الجديدة على أنقاض حُكم المسلمين، وبعد حوالي مئة سنة تم انسحاب الإنجليز من درّة التاج البريطاني، ولكن بعد تقسيمها إلى عدة دول؛ منها: نيبال وباكستان المقسمة لشرقية وغربية، بينهما دولة الهندوس الجديدة التي وجدت الرعاية من الغرب والشرق، و
من التغيرات الكبيرة على مستوى العالم: اندلاع الصراع الشامل بين الغرب الذي تقوده
أمريكا مكرهةً، وبين مجموعة من الكيانات الراغبة في التخلُّص من السيطرة المطلقة
للغرب، وعلى رأس هذه الكيانات: روسيا التي دخلت في صراع وجودي، ومن ورائها مجموعة
من الدول التي يمكن تشبيهها بالضباع التي تتمنَّى فوز روسيا، ولكنّها في المقابل لا
تمانع من المشاركة في تمزيق الطرف المهزوم.
ومن أبرز هذه الدول: الصين والهند، وكذلك تركيا التي تحاول الحصول على أقصى المكاسب
من الطرفين، ومثلها كثير من الأنظمة التي هي في طَوْر الخروج من الفلك الغربي الذي
أخذت قوة جاذبيته بالضعف، بل ولنقل: إن العدّ العكسي لبقاء بعض الكيانات الغربية
الكبيرة قد بدأ.
تُعدّ بريطانيا حاليًا مثالًا حيًّا للدولة التي تعيش آخر أيامها، ولذا فمن المهم
إبراز أهم ملامح تاريخ الدولة التي كانت يومًا ما تُسمَّى
«مملكة
بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس»،
والتي بدأت من اتحاد مملكتي إنجلترا (بريطانيا) ومملكة اسكتلندا، وإعلان معاهدة
الاتحاد عام 1706م، وتلاه إعلان قيام بريطانيا العظمى عام 1707م المُشكَّلة من
مملكة إنجلترا التي تتبعها ويلز وإيرلندا ومملكة اسكتلندا، وتم تشكيل مملكة واحدة
تشمل كامل جزيرة بريطانيا وجزرها التابعة لها.
ومن هنا بدأ التمدُّد الاستعماري للدولة الجديدة على حساب الإسبان في أوروبا، واشتد
التنافس الشرس على النفوذ العالمي مع فرنسا، وبعد تمرُّد إيرلندا واسكتلندا بسبب
السيطرة الإنجليزية على الدولة؛ تم تغيير الاسم عام 1801م إلى المملكة المتحدة
لبريطانيا العظمى وإيرلندا.
وكانت الثورة الصناعية عاملًا مهمًّا في تمدُّد عالمي جديد في القرن التاسع عشر
لبريطانيا بإتمام مشروع السيطرة على الهند الذي تم بتدرج على يد شركة الهند الشرقية
التي تسللت إلى الهند بسلاح الاقتصاد يُؤازره السياسة والقوة العسكرية، وتم تشكيل
حكومة الهند الجديدة على أنقاض حُكم المسلمين، وبعد حوالي مئة سنة تم انسحاب
الإنجليز من درّة التاج البريطاني، ولكن بعد تقسيمها إلى عدة دول؛ منها: نيبال
وباكستان المقسمة لشرقية وغربية، بينهما دولة الهندوس الجديدة التي وجدت الرعاية من
الغرب والشرق، وتقف الآن تترقب دخولها نادي الكبار الجديد.
نعم! لقد قامت بريطانيا بتقسيم الهند، ولكنَّ الزمان دار على المملكة المتحدة؛ فكما
كان التوسع والازدهار عامل توحيد؛ فإن التاريخ الدموي بين المكونات المختلفة يُضاف
إليه اختلاف ديني وإحساس بالتفرقة والتسلط الإنجليزي قد أدى إلى انفصال إيرلندا منذ
حوالي مئة سنة، ويؤدي حاليًا إلى تنامي روح الاستقلال لدى الاسكوتلنديين الذين
احتفظوا ببرلمان خاص بهم، وبكنيستهم وبنظامهم التعليمي المنفصل.
والذي يحصل حاليًا أمر في غاية الغرابة؛ فقد تم بصورة غير متوقعة، ولكنها مدروسة،
تمهيد الطريق بل لِنَقُل إيصال شخص هندوسي هندي الأصل لرئاسة الوزراء في بريطانيا
عن طريق إسقاط رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي بدأ باستقالة وزير المالية سوناك،
وبسرعة تم إسقاط خليفته التي لم تَبقَ في الحكم إلا 44 يومًا؛ في سابقة تاريخية؛
فقد أُجبرت على الاستقالة، وفي انتخاب رئيس جديد لحزب المحافظين تم فوز سوناك
بالتزكية بعد انسحاب وزيرة الدفاع البريطانية السابقة بيني موردونت من السباق قبل
دقائق من الموعد النهائي للترشح.
وبالطبع كثُر الحديث عن قمة النقاء الديمقراطي الذي سَمح لسياسي من أصل هندي أن
يُقسم على كتابه الهندوسي المقدَّس رئيسًا للوزراء، وهو ما لا يمكن قبوله إلا إذا
قبلنا أن حقبة أوباما في أمريكا تمثل نهاية التفرقة والعنصرية في أمريكا!
المهم هو: ما هو المطلوب حقيقةً من سوناك؟ هل فقط الحديث عن قُدراته الفذَّة في
الاقتصاد؟ أم الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة؟ ولماذا هندوسي؟ وهل سيكون للهند دور
في صراع بريطانيا من أجل البقاء؟
ومما يؤكد هذا البعد هو الرد السريع من الحزب الوطني الاسكتلندي الطامح للانفصال؛
فقد أعلنت رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن استقالتها بصورة مفاجئة بعد ثمانية أعوام في
الحكم، وتم إعلان فوز حمزة يوسف المسلم الباكستاني الأصل في اقتراع الحزب الوطني
الاسكتلندي، وبالتالي نُصِّب رئيسًا لوزراء اسكتلندا لخوض معركة استقلال طويلة
وصعبة، وهكذا انسحب البيض من الواجهة، وقدّموا أدواتهم؛ ولذا فالأيام حُبْلى،
والصراع في بداياته من أجل العودة لما قبل 1707م؛ فثلاثمئة سنة أكثر من كافية لدولة
قامت على الدهاء السياسي والقوة الغاشمة.