نص شعري
أرِقْتُ لبرقٍ واهنِ الومضِ قد غبرْ
يكاد لنأيٍ أن يشح به البصر
شجاني، وصحبي قد أناخوا رِكابَهم
وأثقلهم طِيبُ الرقادِ لدى السَحَر
تلألأ من نحو العقيقِ فليتني
أُخايِلُه بالجِزْع سابَقَهُ المطر
فبِتُّ رقيبًا، أسقي الخد أدمعي
تُكابدُ عينيَّ السهاد مع السهر
حنانَيكِ
«سلمى»
قد أقمت بمهجتي
لكِ اليومَ قصرًا مُشّمَخِرًّا ومُستَقَر
إذا هاجني لمعُ البروق وغيثُها
تمنيت إلا في بلادك ينهمر
سوى بارقٍ نحو المدينة لمْعُهُ
فذاك الذي يمحو خيالَك والصّوَر
ويفجؤني توقٌ هنالك مُبرحٌ
إلى بقعةٍ يثوي بها سيد البشر
فإن كان في عُرفِ الهوى بِتُّ مُذنبًا
فما أنا من ذا الذنبِ يا «سَلمَ» مُعتذِر
وبينا أنا والشوقُ يُلهِب أضلعي
وأذكر ما جاءت به الكُتْبُ والسِّيَر
تمنيتُ لو أن الزمان يُطيعني
وفيه إلى الماضي نوافذ للسفر
فما راعني إلا نداءٌ سمعتُه
فأُلقِيتُ أرضًا والعروقُ بها خَدَر
ألا قم فهذي آلةُ الزمن التي
تمنّيتَها فاركب وأنت على حذر
سنطوي لك الماضي سريعًا وقبل أن
يباغتك الإصباحُ والنور ينتشر
فيا لك من هولٍ تزلل إثره
فؤاديَ واهتزت نواحيه واقشعر
ويا لك من شوقٍ تملَّكني وقد
يُقاد أسيرُ الشوقِ طوعًا إلى الخطر
فبينا أنا رهن التردد راغبًا، وحينًا
لخوفٍ يوشك القلبُ ينشطر
وإذْ بي على أطمٍ بظاهِر حَرَّةٍ
عليه يهوديٌّ لشأنٍ له ظهر
يُحدِّقُ في الأُفْقِ البعيدِ، وإذ به
يُخيلُ بياضًا في السراب له ظهر
تحسستُ ما حولي ونفسي لعلَّني
أُكذِّب ما أَلقى من الروع والفِكَر
فأشغلني عن ذاك مني نداؤه
بصوتٍ شديدٍ يُسمِعُ الصمَّ قد هدر
«لقد
جاءكم يا معشر العُرْب جَدُّكم
فدونَك يا أزديُّ ما كنت تنتظر؟»
وإذ بي أرى الأنصارَ من كل منْسَلٍ
كسَيْلِ سراةٍ يَمَّم البحرَ منحدر
تَرى كلَّ قِرمٍ ثارَ شاكٍ سلاحَه
وقد ماجت الدنيا بتكبير مَن حضر
أهذا رسول الله؟ بل ذاك، إنه
لهذا الذي تحت الظلال لدى الشجر
فما إن وعَيتُ الأمر حتى رأيتُني
وإنَّ بني عمرو بنِ عوف لَتشْتجِر
هنا الزادُ والمأوى؛ فحيَّ على القِرَى
يحيطون بالقصواء والكلُّ يبتدر
سلامٌ على دارٍ بها المسجدُ الذي
أُقيم على التقوى وليس على الضرر
وإذ مشهدٌ من بَعدِ ذاك أُريتُه
رسولُ الهدى نحو المدينة قد نفر
تضَوَّع مِسكًا بطنُ بُطحان إذ مشى
وفاح الشذى بالجِزْع إذ ركْبُهُ عَبر
فيا ليت ذاك الدربَ من أعظُمي له
ترابٌ، ومن أشلاءِ جسمي له مَدَر
وإذ بي أرى الغِلمان طُرًّا نشيدُهم
أتانا رسولُ الله في صورة القمر
وإذ بي أرى القصواء عفوًا خِطامُها
يقول: دعوها؛ إنه الله قد أمر
فيا لك من يومٍ أضاء لضوئِه
جميعُ الذي ما بين واقم والوبَر
وينقُلني التطوافُ قُدمًا وإذ بنا
على أُحُدٍ والحربُ في السفحِ تستعر
فلما انجلى عنا الغبارُ بدا لنا
فواجعُ تُدمي قلب مَن أطلق النظر
بنفسي مَن يبكي نشيجًا وقد رأى
شهيدًا له فوق الدكادكِ قد بُقِر
فيا ليتني كنتُ القتيلَ فداءَه
ليسكن وَجْدٌ بالنبي قد استحر
ويا ليتني كنت الفداءَ لوجههِ
وأسنانِهِ إذ نالها الوغدُ بالحجر
ويا ليتني نحو السقوطِ سبقتُهُ
إلى حيث كادَ المشركون له الحُفَر
على أُحُدٍ مني السلامُ، بسفحِهِ
مشاهدُ إيمانٍ بها أصدق الصور
فلما تَقضّى الوقتُ إلا أقلَّه
أُخِذْتُ إلى بين السواري والحُجَر
بمسجدهِ الجمعُ الغفيرُ وجوهُهم
عليها من الخوف المهيمن ما قَتر
يقوم به الفاروقُ يخطُب مُغضبًا
وفي يده اليُسرى حسامٌ له شهَر
وإذ بي أرى الصِّدِّيقَ يُقبِل نحوه
يُسكِّته، حتى إذا ما أبى، جهر
بأن رسول الله مات، وقد تلا
عليهم من الآيات ما فيه مزدجر
فما أن أتم القولَ حتى رأيتُهم
وأولَهم من كان يخطُب قد عُقِر
فذاك أوانُ الهول إن كنتَ واصفًا
وحسبك من هولٍ يخِرُّ له عمر
سلامٌ على الصِّدِّيق طار بفضلها
وذاك لأمرٍ في جوانحه وَقَر
وأظلمت الدنيا وضاق بنا الفضا
وطاشت عقولٌ حين زلزلها الخبر
إلى الله أشكو حينها ما أصابني
من الوجد والأشجان والهمّ والكدر
ولكن أمر الله لا بد نافذٌ
و ما كان مما في الصحائف مُستطَر
وبينا أنا والناسُ ما بين واجمٍ
وآخر مما نابهُ عاد منكسر
وإذ بي وحيدًا في فراشي تبلني
دموعي ومَن حولي من الصَّحْب في الدُثُر
فأيقنتُ أني قد تركتُ زمانهم
ويا ليت أني قد بقيتُ مدى العمر
أُمتّع نفسي بالرسولِ وصَحْبه
و لو كنتُ فيهم ذاهبَ السمع والبصر
سلامٌ على المختار ما هبَّت الصبا
وما أشرقت شمسٌ وما أورق الشجر
سلامٌ خليلَ الله خِيرةَ خلقهِ
ومن أنجبت يومًا ربيعةُ أو مضر
سلامٌ على آل النبي وصحبه
من السابقين الأولين ومن نصر
ألا ليت شعري هل تقرُّ عيونُنا
برؤيتهم متقابلين على سرر
فإن عيونًا لم تنلهم بنظرةٍ، لفيها
وإن صحَّت نواظِرُها عَوَر
فإن كانت الأوطارُ ثَمَّ كثيرةً
فليس لنا من فوق ذلك من وَطَر
سوى رؤيةِ الجبارِ يومَ مَزيدِهِ
ومقعدِ صدقٍ في جنانٍ وفي نهَر