بعد ثلاثة قرون صدر قانون عام 1885م يخفف من عقوبة الإعدام، فيعاقب هؤلاء الشواذ بالسجن فقط. كانت المجتمعات الغربية حتى تلك الحقبة أدنى إلى فطرتها فكانت تنعت أصحاب تلك الفعلة بالمصطلحات المهينة ويشار إلى مقترفيها برموز الانحطاط والدونية
لم يكن المسلمون يوماً في تيه كما هم اليوم؛ فما من قضية كان يُظَن أنها من
مسلَّمات الدين وقواعده من الممكن أن تكون موضع خلاف أو ينشطر الناس حولها على
رأيين مؤيدٍ ومعارض كما يُرى ذلك اليوم.
في جيل سابق (كبار الآباء والأجداد): ما كان يُتَخيَّل أن يختلف المسلمون حول تلك
القضايا. والأمر لم يكن نتيجة فُشوِّ العلم الشرعي أو المعارف الدينية. بقدر ما كان
صادراً عن الفطر السلمية مع وجود مساحة كبيرة بين المنكر النظري الذي يقرؤون عنه في
الكتب ولم يروه، وبين انتشاره ومعاينته في الواقع العملي. فالمسلمون يقرؤون عن
فاحشة قوم لوط في القرآن، ولم يكن يُتصوَّر أن تكون في الواقع العملي إلا فيما ندر.
وانظر الآن في واقعنا تعرف الفرق، ففشو الأمر وانتشاره بين الناس يوقع الأُلفة
وينزع عنه النفرة والكراهية.
يحملنا ذلك على أن نتحدث عن الشذوذ الذي غدا يُفرَض على الناس فرضاً، فيُشهَّر بمن
لم يعلن عن دعمه وتأييده لهذا الفعل الشائن، ولربما حوكم وضُيِّق عليه في رزقه، وها
هي قصة اللاعب السنغالي المسلم (إدريسا غاي) تطل برأسها تنبينا الخبر، وأكثر تعليق
اقترن بقصة ذلك اللاعب المسلم هو قوله تعالى في سورة النمل: {أَخْرِجُوا آلَ
لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:
56].
إذ باتت القرية قريتهم والتطهر صار فعلاً مستهجناً وصار أصحابه متهمين يستوجب
صنيعهم الطردَ والتشريدَ. وهي إسقاطات تشابكت وتشابهت مع واقعنا إلى حدٍّ كبير.
فتاريخ الشذوذ في العالم الغربي يرشدنا إلى مستقبل تلك الانتكاسة في صراعها مع أهل
الفطرة والإيمان. ففي البداية كان الإعدام لكلِّ من ارتكب تلك الجريمة القذرة، ففي
عهد الملك هنري الثامن صدر قانون في بريطانيا يحظر العلاقة الجنسية بين الذكور عام
1533م، ويعاقب مرتكبها بالإعدام. لم يُطبََّق هذا القانون في بريطانيا فحسب بل في
معظم الأراضي الأوروبية، بل كان يطبَّق في أنحاء الإمبراطورية البريطانية بالكامل.
بعد ثلاثة قرون صدر قانون عام 1885م يخفف من عقوبة الإعدام، فيعاقب هؤلاء الشواذ
بالسجن فقط. كانت المجتمعات الغربية حتى تلك الحقبة أدنى إلى فطرتها فكانت تنعت
أصحاب تلك الفعلة بالمصطلحات المهينة ويشار إلى مقترفيها برموز الانحطاط والدونية.
وبعد ما يقارب مائة عام من صبر الشواذ على معصيتهم وتفسُّخ المجتمعات الغربية
وانحلالها؛ صدر عام 1967م قانون يلغي عقوبة الشذوذ.
ثم صارت القوانين تجرِّم وتعاقب كلَّ من تعدَّى بالازدراء والاستهجان على شخص شاذٍّ
أو متحوِّل جنيساً.
ثم رويداً رويداً صار الأطفال يدرسون في المدارس سير دعاة الشذوذ والتحول الجنسي
على أنهم أبطال دافعوا عن حريتهم حتى تم الاعتراف بهم. بل تستضيفهم المدراس وتقدمهم
لطلابها ليتعرفوا على هؤلاء عن قرب بوصفهم شخصيات مجتمعية ناجحة.
كانت الخطـوة الأخيرة أن صـار الجميع مطـالَباً بدعهم والثناء على أفعالهم، وإلا
صار امتناعه مجرَّماً يستحق العقاب.
ولكن الجديد في القضية أن أصبح الشاذ هو القاعدة، فصير اليوم إلى التكافؤ في
المصطلحات، فهؤلاء مثليون والآخرون هم الغيريون... فكل مَن اتبع الفطرة الإنسانية
السوية صار يُطلَق عليه (غيريي) بل انتحلوا دراسات كما فعلوا من قَبْل بقولهم: إن
الشذوذ راجع إلى حتمية جينية، فصاروا ينبشون في التاريخ ليقولوا: الغيرية ليست
الطبيعة ولا الفطرة وأنها محدثة.
في علم الدراسات المستقبلية فإن مد الخط على استقامةٍ يوصلك إلى أحد السيناريوهات
المحتملة. فإن استمر هذا الانحدار؛ فالأولى بالمسلمين الآن ومن تبعهم من العقلاء أن
يسعوا إلى تكوين الجمعيات التي تدافع عن حقوقهم وحريتهم في أن يبقوا على فطرتهم وأن
تُسَنَّ القوانين التي تحميهم من التنمر والازدراء، وأقترح أن تسمى (جمعية الحفاظ
على حقوق الغيريين).
إنه لتيه كبير أن يأتي يوم تضطرب فيه المفاهيم عند البشر ويتبعهم جمع من المسلمين
فلا يدرون مَن يتبعون.