• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الشخصية العربية في الرواية العبرية

تُعدُّ النزعة اليهودية الدينية شريان حياة بالنسبة للأدب العبري؛ فكـافة الكُتَّاب اليهـود على مُختلـف ثقافاتهم يستقون من المعتقدات الدينية قدْر ما يستطيعون لتشويه الإنسان العربي الذي يُنعَت بأبشع الألفاظ وأكثر العبارات فظاعة عندهم


يُقال إن الأدب مرآة الشعوب، فهو تعبيـر صـادق عـن أفكـار الأدبـاء ومشـاعـرهـم وتفـاعلهـم مـع الأحـداث ورؤيتهم للآخرين؛ فهل فكرنا يوماً كيف يصور اليهودي شخصيتنا في روايته الأدبية؟ أم أن مصالح بعضنا مع الاحتلال أسمى وأهم من كل الاعتبارات الأخرى؟

إذا كنت لا تعلم كيف يرانا اليهودي فدعني أخبرْك أن نظرته السلبية العنصرية لنا تتراوح بين التناقض والانعزال الديني والمجتمعي وَفْقَ مُعتقَد ديني يرتكز على العُزلَة واليقين الظني أن (اليهود شعب الله المُختار)، فتلك الصورة النمطية للعربي - الذي لا يفهم إلا في الرعي وتربية الجمال - حُفرَت في أذهان كافة الأدباء والكُتَّـاب اليهـود وباتت من الـمُسلَّمات داخـل المجتمع الصهيوني، ولا أجد دلالة على ذلك أكثر من تغريدة فيها كثير من البساطة التي ترتقي إلى مستوى السذاجة لمسؤول عربي متسائلاً فيها عن إمكانية تطبيق فكرة الدولة الواحدة التي تجمع اليهودي مع الفلسطيني تحت سقف واحد يحكمهم رئيس مُنتخَب «اليوم نتنياهو وغداً البرغوثي»، وسرعان ما يأتي الرد من كاتب صهيـوني قائلاً: «نحن دولة ديمقـراطية ولا يجوز أن يكون مسؤولها أو رئيسها عربياً، لأن العرب لا يجيدون إلا حُكْم الأغنام والماشية»!

صورة العربي البدوي الذي لا يعرف التطور والبناء لا تستند إلى واقع قائم؛ إنما تُستمَد من تلافيف العقل الصهيوني الذي يُجمِع كُتَّابه على ذلك، بل يرى العـربيَّ في أدنى المستويات الاجتماعية وأشدِّها بدائية وتخلُّفاً وبُعْداً عن مقومات ومستلزمات نشوء مجتمع بشري مستقر، فاختلاف الأدباء لا يُغيِّر تلك الصورة النمطية للإنسان العربي؛ فإذا كان اليهودي الشرقي لا يرى في العربي إلا إنساناً سلبيّاً لا يستطيع البناء، فإن أولئك الكُتَّاب اليهود القادمين من الخارج يظنون أن العربي مضطهِد (بكسر الهاء) يكمل دور الأغيار في الخارج، فالصورة الثانية لا تختلف مع الأولى لأن الإنسان السلبي الذي لا يستطيع فعل شيء إيجابي لنفسه وللآخرين لا يختلـف كثيراً عن المتطرف الذي يُجَسَّد في روايات يهود الخارج، وهاتان الصورتان تلتقيان مع تلك الصورة الدينية التي تُطرح في الأدب اليهودي ذي النزعة الدينية.

تُعدُّ النزعة اليهودية الدينية شريان حياة بالنسبة للأدب العبري؛ فكـافة الكُتَّاب اليهـود على مُختلـف ثقافاتهم يستقون من المعتقدات الدينية قدْر ما يستطيعون لتشويه الإنسان العربي الذي يُنعَت بأبشع الألفاظ وأكثر العبارات فظاعة عندهم؛ ففي سفر أرميا 3 :2 تأتي عبارة: «ارفعي طرفك إلى الروابي وانظري هل من مكان لم تغتصبي فيه؟ جلست لهم كالعربي في الصحراء ودنست الأرض بزناك وفجورك»، فالعربي الذي يأتي بصورة الفاجر الزاني هو العربي القاتل اللص نفسه الذي يظهر في سفر أخبار الأيام الثاني 21: 16-17: «وأهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشيين، فصعدوا إلى يهودا واقتحموها وسلبوا كل الممتلكات».

لم يكتفِ الأدب اليهودي الديني بهذا بل تذهب الرواية العبرية إلى تحديد وقت للحضارة العربية وزوالها، ويصل الأمر إلى حدِّ محاولة الإيحاء للقارئ بأن اليهـود يقفون وراء الحضارة العربية، فادعاءات رئيس وزراء دولة الاحتلال (بيغن) في سبعينيات القرن الماضي التي أكد خلالها على أن اليهود كانوا قد شاركوا في بناء أهرامات الجيزة في مصر! لم تكن مجرد كلمات عابرة لأنها تكررت في كثير من الأدبيات العبرية، وكذلك الإعلام العبري؛ فقد خصصت صحيفة (جيروزاليم بوست) الصهيونية تقريراً خاصاً في شهر أبريل من عام 2020م ناقشت فيه دور اليهود في بناء الأهرامات وأكدت تلك الأكذوبة التاريخية المكررة في الأدب العبري، التي تدَّعي أن الفراعنة كانوا قد استخدموا اليهود عبيداً وأجبروهم بالسياط والتعذيب على بناء الأهرامات، ذلك التقرير لم يكـن مجـرد رؤية أو معتقدات صحفية، بل خلاصات لخبراء وكُتَّاب وسياسيين يهوداً لهم باع طويل في العمل الأدبي والسياسي.

مع ظهور الحركة الصهيونية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تبدلت قليلاً أهداف الرواية اليهودية، فأخذت طابعاً صهيونياً، وباتت الغاية مـن العربي السلبي المتطرف الذي يظهر في الرواية العبرية تهدف لخدمة الحركة الصهيونية التي طالما سعت إلى اختراق المنطقة العربية لخلق واقعٍ جديد يكون فيه اليهودي سيداً على العرب العبيد، فإذا ألقيتَ نظرة على المناهج التعليمية والكثير من الروايات الأدبية العبرية الحديثة؛ لا تجد سوى احتقارٍ للعرب ومحاولات للتقليل من شأنهم، فقد انشغلت الروايات الأدبية العبرية بين عامي (1948 - 1967م) بتصـوير العـربي في أبشع الصور واعتبرته كابوساً مزعجاً تسيطر عليه نزعات الشر والعدوان، ويهدد كيان الاحتلال وحضارته، كما استمد مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل تصوراته لمستقبل المنطقة ومستقبل العرب من وَهْم الاعتقاد بأن دور العرب في التاريخ لا يزيد عن استبدال سيد أعجمي بسيد أجنبي، وأن السيد الجديد لا بد أن يكون المستعمر الصهيوني الذي أفرزته الحركة الاستعمارية إبَّان القرن التاسعَ عشرَ. فالتسامح مع العربي أو الحديث عن حقوق مواطنة له بات شيئاً من المحرمات، وهذا يُعيدنا إلى ردِّ الكاتب اليهودي على المسؤول العربي في بداية المقال.

تظهر غايات الحركة الصهيونية بشكل أكثر وضوحاً في كتابات الكاتب اليهـودي (عجنـون) الذي يصـور العربي عقبةً ومصدرَ إزعاج حتى بالنسبة للواعظ الذي يعظ الناس، لأنه يقول ما لا يفعل، واعتبر العربي لصّاً وقاسياً حتى بالنسبة للقمح الذي يطحنه، فرغم حصوله (أي العربي) على أجرة مرتفعة فإنه لن ينتج عن هذا الطحن سوى قليل من الدقيق، ويترك (عجنـون) للقارئ أن يستنتج أن العربي لصٌّ، يحمل نظرة معادية لليهود، لأنه حجر عثرة في طريق الاستيطان اليهودي، وهي رؤية صهيـونية بامتياز، لا تتسامح مع العربي أو حتى تُفكر في إعطائه مجالاً للحوار معه.

ينتقل الروائي اليهـودي (يهودا بورلا) إلى الجانب الاجتماعي فيرى العربي إنساناً مجرداً من الشعور القومي، وجشعاً، يميل إلى الخيانة من أجل المال، بينما اليهودي مضحٍّ منكر للذات مخلص في أداء واجبه، ويظهر العربي في روايات يهودية أخرى كحيوان جنسي ولا ينظر إلى المرأة إلا نظرة جنسية بهدف الإشباع الجنسي فقط، ويبرر هؤلاء الرواة ذلك بتعدد الزوجات.

ولم تسلم ملامح الإنسان العربي وبنيته الجسدية من الرواية العبرية التي تصوره رجلاً سميناً مترهلاً يتدحرج كرشه أمامه، سحنته داكنة قبيحة المنظر، كانت وما زالت مراتع خصبة للجدري والملاريا والجذام وأمراض أخرى تفرز في ظل التخلف، حتى الصور الفولوكلورية التي يفترض أن تكون صوراً جمالية تظهر في أبشع حالاتها لأن العربي يظهر إنساناً هائماً في الصحراء دونما هدف. ولم نجد في الأدب العبري شخصية عربية تعمل في مجال الطب أو الهندسة أو أستاذاً جامعياً أو أديباً وغيرها، وقد بلغ السخف ببعض الكتاب اليهود إلى درجة تصوير الفلسطينيين على أنهم متحالفون مع اليهود ضد العرب الغزاة!

في سياق آخر وضع الكاتب اليهودي (بلانكفورت) العرب في مرتبة أدنى من درجة الإنسان الذي يفتقد لأي روح قومية، وقدَّمه على أنه موالٍ لدولة الاحتلال، أو غير موالٍ يحمل عوامل فنائه في داخله حسب نظرية التطور والارتقاء، فهو يجيد الجريمة ومهاجمة اليهود، ويظهر العربي إنساناً مهزوماً دائماً في أي صراع مع اليهود. وهنا يتفق (ليزل غورس) مع سابقه، لأنه يعتقد أن العربي مهزوم نتيجة لأمِّيته، ولا يهمه القتال أو الدفاع عن نفسه، ويظن أن العربي لا يفهم إلا في أعمال الفلاحة، لا يُقاتل العربي إلا إذا حُوصر أو وُضع في الزاوية، أما الضباط والرتب الأعلى في الجيوش العربية فمهمتهم إصدار أوامر الهزيمة فقط. 

وتصل المبالغة بهؤلاء الكُتَّاب الصهاينة إلى درجة تصوير العربي بأنه إنسان انهزامي سريع الاستسلام أو انهزامي بالفطرة فهو مستعد دائماً للاستسلام، ولم يسلم العربي من الشيطنة والتقزيم في الرواية العبرية إلا في صورة إيجابية واحدة؛ هي أن العربي الإيجابي هو العربي الموالي للصهيونية. ومع ذلك فإنهم يضعونه في مرتبة ثانوية لا ترتقي إلى درجة الإنسان اليهودي، ولعل أبرز مقـولة تُستخدَم في الكتابات العبرية الحديثة هي: «العربي الجيد هو العربي الميت».

ختاماً: لا يُمكن تجاهل صورة العربي في الأدب اليهودي أو التعامل معها كنصوص أو أفكار غير واقعية بعيدة عن الرؤية الصهيونية الحقيقية للعرب؛ فما ورد في هذا المقال يلخصه حديث وزير الداخلية الصهيوني (أرييه درعي) حينما قال: «إن حكام العرب يصلحون للركوب فقط لأنهم دواب موسى [عليه السلام]، يجب علينا فقط ركوبهم للوصول إلى الوجهة النهائية، وإن المسلمين سيبقون عدواً لليهود ما دام القرآن كتابهم».


أعلى