الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
يُعدُّ التعليمُ أحدَ أهم ركائز أيِّ أمة، والمعبِّرَ الحقيقيَّ عن ثقافتها، وواحداً من صناع مستقبلها الكبار، وفيه دليل على مدى استقلالية البلاد والأمم؛ ولذا حرص المحتلون على صياغة مناهج التعليم، وفرض لغتهم وتاريخهم وعوائدهم فيها، وهو أمرٌ قاومه أهل البلاد المحتلة أشدَّ ما يكون؛ فمنهم من حافظ على هويته، وفيهم مَن ذاب وانسلخ.
وإنَّ عملية تغييرِ المناهج الدراسية، أو تطويرِها، أو تحسينِها، أو تبديلِها، سُنةٌ متَّبعة، وضرورة يحكُمها أكثرُ من اعتبار، ويقودها التوجُّه السائد بالقوة المادية أو المعنوية أو بكليهما، وقد لا يُحدِث هذا التغيير الأثرَ المطلوبَ (السلبيَّ أو الإيجابيَّ) لأكثر من سبب، وجدير بالمعنيين معرفةُ الأسباب كي تنجحَ الخطط السائرة على الطريق المستقيم؛ لأن العِثار شبه الأكيد مصير غيرها ونصيبه الأوفر حظاً.
فإذا كان منطلق المناهج مخالفاً لحضارة البلد وثقافة أهله، فمن المرجَّح أنه لن يُحدِثَ النتيجة المرجوَّة، وسوف تنشغل أطراف عديدة بالفعل والفعل المضاد، وهو ما يجعل المآل إلى صورة شوهاء لا يُستدَل منها على طبيعة المنهج، أو طريقة تنفيذه، ولا تظهر ثماره أو أشواكه في العموم، وتؤول إلى حال تشبه الخنثى المشكِل، فليس هو بأنثى، ولا ذكر!
كما أن المناهج المحدَّثة إذا طُبقَت في ثقافة هشة تسودها علل مسلكيَّةٌ مثل الكسل، والتواكل، وغياب الجدية، والملل السريع، والميل إلى الدَّعة واللهو، وتفضيل السكون والجمود، وغيرها من أمثالها، فمن الطبيعي ألَّا ينجم عن هذه المناهج المحسَّنة ما يُراد منها أو يُتوقع على إثرها.
أيضاً يُنظَر إلى طرائق التفكير على أنها حاسمة في توجيه محتوى المناهج وكيفية التعامل معها، وما سينغرس في أذهان الطلبة من جرائها، ويكاد أن يكون هذا العامل مع العامل السابق هما رُكنا التأثير الأعظم لأيِّ معلومة ولأيِّ منهج، وتبقى كيفية الإخراج والعرض والكم من المسائل الفنية القابلة للاجتهاد والإبداع.
لأجل ذلك فالعناية بالأمرين معاً (وهما ترسيخ أركان الثقافة النظرية والعملية، وتجويد عمليات التفكير) كفيل باستثمار حسنات المناهج والارتقاء بأثرها، وأيضاً قمين بالتغلب على أيِّ خللٍ كمِّيٍّ أو كيفيٍّ فيها، وهي مسؤولية مشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية، التي تريد الخير والإصلاح، وتسعى إليهما؛ فالتعليم كيفٌ يسبق الكمَّ بمراحلَ، وهو من أسباب تحقيق التنمية والنهوض والقوة.