الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.. وبعد:
فمما هو معروف يقينًا عند المؤمنين بالله عمومًا أن الله تعالى خالق الخلق ومدبر الأمر، لكن في كثير من الأحيان لا تجد من أعمال بعض الناس ما يؤيد هذا الإيمان النظري؛ فتراهم في كل ما يخططون ويدبرون كأنهم المتصرفون في هذا الكون لا يشركهم في تدبيره أحد، فلا يرجعون إلى الله ولا يعتمدون عليه، على خلاف الصادقين في إيمانهم فتجدهم يديرون ويخططون وهم يوقنون أن ما شاؤوه من تدبير وتخطيط قد لا يصل إلى النتيجة المرجوة ليقينهم أن مشيئتهم من وراء مشيئة الله؛ {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]، فالكون جميعًا بأحيائه وجماداته خاضع لأمر الله ومسخر بمشيئته؛ ومن ثم فالمؤمن حقًا لا يكون عنده يأس نظرًا لإخفاقه في تحقيق ما يريد لعلمه أنه غير متفرد بالتدبير فيكرر محاولاته وهو على أمل أن ينجح مسعاه ويبدأ في تصحيح مساره الإيماني الذي كان سببًا في إخفاقه؛ فيكون بسبب الصدق في إيمانه من الفائزين؛ {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، فصاحب هذه الصفات هو الصادق في إيمانه ومن ثم فهو الفائز، وأما صاحب الإيمان الشكلي الذي لا حقيقة له فلتصوره أن كل الأمور مرجعها إليه فإن اليأس يتطرق إلى نفسه عند إخفاقه لأول مرة، ويفقد الثقة في قدراته لأنه قد أتى بكل ما يمكنه من تدبير وتخطيط ولم يتحقق له شيء ومن ثم يقعد عن العمل، فيكون بسبب الإيمان الصوري الذي لا حقيقة له من الخاسرين. وفي دفع الناس لبعضهم: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251] لا يفوز إلا صاحب الإيمان الحق الذي تكون عنده المشيئة الإلهية في المقدمة؛ فيعمل ما يعمل يرجو من الله النصر ويدعوه وهو مطمئن النفس مرتاح القلب، يعلم ويوقن أن النصر من عند الله، وأن الله يؤيد من ينصر دينه ولا يخذله حتى وإن تكاثر عليه العدا؛ فيجد ويجتهد حتى يحقق الله له النصر؛ {وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ} [الأنفال: 10].