لعل من الأخطاء الشائعة أن يجادل الموحِّدُ الملحِد فينخدع بزعمه أنه إنما ينكر وجود الخالق ولا يتبنى معتقدًا في الإله؛ فترى الموحِّد يحشد الأدلة العقلية لإثبات ضرورة وجود الخالق وأن الكون لا يمكن أن يحدث صدفة. لكن الحق أن جل الملاحدة - لا سيما دعاة العلم الطبيعي منهم - هم كما حكى الله عز وجل عن أسلافهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24] .
فإذا كان الدهر أو الطبيعة أو العالم الطبيعي هو الذي أوجد نفسه، فهو رب هؤلاء الملاحدة شاءوا أم أبوا. وهي صورة منمقة لشرك قديم يقول بأن الخالق هو عين المخلوق، ويعرف بـ «وحدة الوجود». ومن صور وحدة الوجود التي يقول بها الملاحدة ما يسمى «وحدة الوجود الطبيعانية/العلمية». ومع أن البعض ينسبها إلى «باروخ سبينوزا» ومن على مذهبه الاتحادي الصارخ، إلا أنه عند التحقيق في مذاهب الطبائعيين الدهريين نجد أن جل من ينكرون وجود الخالق الموصوف بصفاتٍ يُضفون صفات الخالق على الطبيعة التي خلقت نفسَها، وهم بذلك لا يختلفون عن أسلافهم ممن نسبوا الإهلاك إلى الدهر.