الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
كلُّ إمبراطورٍ قد بالغ في قسوته وتهوُّره أن أهلك شعبه بأن كمَّم أفواههم؛ كان قد نظر يوماً في مرآته فهام إعجاباً بصورته، ثم لم يرَ فيمن حوله إلا أقزاماً أرجا ما يصبُون إليه أن يكونوا صدى لصوته.
في الخطاب الذي تابعه ملايين البشر، جلس القيصر (بوتين) - كما يحب أن يلقِّبه أتباعه - على مقعده، مستجوباً رئيس مخابراته سيرغي ناريشكين عن موقفه من الاعتراف باستقلال بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك، زايد الرجل في إجابته فأجاب بأنه يؤيد انضمامها لروسيا وهو ما لم يعجب القصير، فأعاد السؤال مُعلِماً إيَّاه أن إجابته لم تكن موضعاً لسؤاله. بدا الرجل متلعثماً مرتجفاً يحاول أن يحورَ جواباً حتى لا يلقى غضب زعيمه.
كان هذا مشهداً مجتزأً من اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي، عُرض على شاشات محطات التلفزة الروسية، رسالته: أن روسيا صار لها قيصراً سيعيد لها مجدها، وأول قواعد قوَّته التي حرص القيصر على إظهارها أن يخشاه أتباعه قبل أعدائه، أن يهابَه حتى من أتى بهم لمشورته.
أعِدِ الْمشهد غرباً ستجد رئيساً واقفاً، وشعبه يسأله اليومَ، وغداً يحاسبه. لا يُقِرُّ قراراً إلا بعد دعمٍ من معاونيه، وموافقة شعبه عليه.
بين الفردانية والمؤسساتية ترشدنا العبرة من ذلك أن المنتصرين على شعبوهم مهزومون وإن طال بهم المقام. وأن الشعوب المقهورة تُهْزَم مرتين مرة بيد نفسها، ومرة بيد أعدائها.