الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
لو راجعنا مسيرة تغريب المجتمع وجميع مجالاته العامة في جلِّ بلاد المسلمين لوجدنا أن خطوطها العريضة تكاد أن تكون متشابهة، ويتركز ضغطها الشديد على أركان حياة الشعوب المرتبطة بثقافتها وحضارتها مثل المرجعية، والقضاء، والتعليم، والأسرة، والمرأة. ويُستخدَم لإنجاح هذه المسيرة الترهيبُ بالقمع مع الترغيبِ بالمكاسب، وأما القائمون عليه فأصحاب سمات متكررة من نقص النباهة واللطف لا تكاد أن تخفى في الغالب، ووسائلهم متنوعة ما بين خبث كبير وتفاهة ظاهرة.
ويعود أحد أهم أسباب هذا التوافق إلى أن المخطِّط والمنفِّذ اقتبسا من المدرسة ذاتها تقريباً، واعتمدا على المنهج نفسه منذ اُستهدِفت هذه الأمة في إرثها العريق المرتبط بالرسالة المحمدية، واللغة العربية، وتاريخ الإسلام، ومكارم أخلاق العرب، ومؤسسة الأسرة والزواج. وما يزال المشروع التخريبي قائماً، ومخرجاته ظاهرة في شُبَهٍ وأراجيفَ، وأنظمةٍ وقراراتٍ، وهجنةٍ شوهاءَ، وأجيالٍ شبه مفرغة من المحتوى القيمي، فلا هي فازت بانضباط بعض الأمم وإنجازها، ولا بقيت محافظة على أصولها؛ فاللهم إنا نعوذ بك من المنبتِّ وحاله ومصيره.
مع ذلك فحين نتأمل نتائج هذه الجهود الكبيرة المصروفة من الوقت والفكر والمال والوسائل، وتكاتف الأعوان وتدفق الأموال دون حسيب أو رقيب لغاية واحدة؛ سنرى أن مصير أكثرها آل إلى خيبة كاملة أو جزئية، ولو خرج أكابر التغريبيين من قبورهم لتعجبوا من وجود مسلمين صالحين، وحَفَظةٍ للقرآن والسنة، وعربٍ فصحاء، ونساءٍ محجبات، وزواجٍ وأسرٍ وإنجابٍ، فالحمد لله الكبير القدير القوي، الذي جعل أعمالهم هباء منثوراً، وأحال صنيعهم إلى فناء يُعتبَر منه.
إن في الأرض مخطِّطاً يسعى ويصرف ويأمر وينهى، ويحشد أو يحتشد معه جيش من المؤازرين المنتفعـن من إشـاعة السوء والفحشاء أو حاملي الضغينة والحقد على الدين والأمة والمجتمع، وهم - بلا استثناء - لا يرقُبُون في المؤمنين إلّاً ولا ذمة، ولا يألون جهداً في الإضرار بهم وإيذائهم. وأما في السماء ففوقهم وفوق كلِّ شيء ربنا الرحمن الرحيم القادر العليم العزيز، الذي يقول للشيء إذا أراده كن فيكون بلا معقِّب.
ومن لوازم الأمر الإلهي الشرعي والكوني وجود عباد أولي بقية يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويصلحون ولا يفسدون، ويصبرون ويصابرون ويرابطون على الحمى والثغور، وعليهم فرضٌ شرعيٌّ بالمدافعة لا مناص من أدائه؛ فبمثلهم يحفظ الله الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وإنما القبول والتسديد من الله الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله والتدبير جميعه.