الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
بعد عشرين عاماً من الاحتلال العسكري ومحاولة صنْعِ نظامٍ ومجتمعٍ تابعين للغرب وَفْقَ دستور مفصَّلٍ بمقاسات غربية، تعلن أمريكا عزمها الانسحاب من أفغانستان دون شروط بعد أن حققت أهدافها (كما زعمت).
وتدعي الخشية على أفغانستان من الدخول في دوامة صراع داخلي وعودة (الإرهاب)، وفي سبيل ذلك سرَّبت تقريراً استخباراتياً بأنها تتوقع سقوط الحكومة العميلة بعد ستة أشهر إلى سنة من تاريخ انسحابها، وأنها تخشى تبخُّر إنجازاتها في مجال حقوق المرأة... وهكذا تحاول إغراق العالم في سيل من دموع التماسيح على مستقبل البلد وكيفية استيعاب المتعاملين فيه مع قوات الاحتلال... ولكنْ ما غائب عن التقرير هو جرائم الحرب الممنهجة التي ارتكبتها قوات التحالف وتكرار استهداف حفلات الأعراس وإعدام المدنيين. ففي مثالٍ معبِّر كرَّر وزير دفاع أستراليا اعتذاره وأسفه لقيام قوات بلاده الخاصة بقتل مدنيين أبرياء بقصد تدريب الجنود على ممارسة القتل!
ونحن هنا نسأل: كم من الجرائم التي ارتكبتها القوات الأخرى وخاصة الأمريكية لـمَّا تُكشَف بَعْدُ ولم يُسلَّط عليها ضوء الحقيقة؟
في الواقع نحن أمام فشلٍ أمريكيٍّ ذريعٍ وهزيمةٍ مذِلَّة، يقابلها نجاح منقطع النظير لحركة طالبان تعبِّر عنه مجلة التايم على غلافها قبل تسعة عشر عاماً بصورة أفغاني وتعليق: «الأيام الأخيرة لطالبان»؛ وها نحن نعيش تلك الأيام الأخيرة؛ إلا أنها لأمريكا وليست لطالبان التي قَرُب انتصارها بعد إدارةٍ محترفة للصراع مع أمريكا في أوج قوَّتها واعتماد سياسة الثبات السياسي والعسكري والانضباط الشرعي والتعامل بحكمة مع أطياف الشعب المختلفة، ومنع الانتقام غير المنضبط من المتعاملين مع الاحتلال... وبذلك تم الحفاظ على الحاضنة الشعبية بل تقوية انتمائها مستفيدة من ممارسات قوات الاحتلال وعملائه الوحشية.
إن مهمة طالبان صعبة، نسأل الله أن يسددها لتكون قادرة على إفشال مشروع إدخال أفغانستان في دوامة الصراع الداخلي، كما فعلوا في الصومال وليبيا، ومنع تكرار المشهد الذي حصل في أفغانستان قبل ثلاثة عقود.