البيان/سبوتنك: في تطور يعكس تصدع النفوذ الفرنسي التقليدي في إفريقيا، وجد رئيس مدغشقر أندري راجولينا نفسه مضطرًا للفرار إلى "مكان آمن"، وسط احتجاجات شعبية عارمة وأزمة سياسية متصاعدة، قد تفتح الباب أمام نهاية حقبة من الهيمنة الفرنسية غير المعلنة في الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي.
وبحسب تقارير إعلامية فرنسية، غادر راجولينا البلاد يوم الأحد على متن طائرة عسكرية فرنسية، بعد تنسيق مباشر مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في محاولة لإنقاذ "انتقال سلمي للسلطة" وتفادي الانزلاق نحو الفوضى. وجرى نقل راجولينا أولًا إلى جزيرة سانت ماري، ثم إلى جزيرة لا ريونيون الفرنسية، على أن تكون دبي محطة لجوئه المحتملة.
هذه المشاهد تذكر بسيناريوهات مشابهة في دول إفريقية أخرى كانت تدور تقليديًا في فلك باريس، مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والتي شهدت انقلابات عسكرية أطاحت بأنظمة حليفة لفرنسا، وأسست لواقع جديد أقل تبعية وأكثر تقلبًا.
ورغم التأكيد الفرنسي الرسمي بعدم وجود نية للتدخل العسكري في مدغشقر، إلا أن مجرد استخدام طائرة فرنسية لإجلاء الرئيس يعيد إلى الواجهة الجدل حول استمرار فرنسا في لعب دور "الوصي السياسي" على مستعمراتها السابقة، حتى بعد مرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال.
اللافت أن تحركات راجولينا جاءت بعد تصاعد احتجاجات شبابية تقودها حركة "جيل زد"، رفعت مطالب معيشية تتعلق بنقص المياه والكهرباء، قبل أن تتحول سريعًا إلى انتفاضة سياسية واسعة النطاق، دفعت بوحدات من الجيش، وعلى رأسها "كابسات"، إلى الانشقاق وإعلان تولي القيادة الميدانية للقوات المسلحة، وتعيين رئيس جديد للأركان دون الرجوع للسلطة المدنية.
ويطرح المشهد في مدغشقر اليوم تساؤلات جدية حول قدرة باريس على الحفاظ على ما تبقى من نفوذها في القارة الإفريقية، في ظل تصاعد الغضب الشعبي من إرث الاستعمار، وتنامي مشاعر العداء للتدخلات الأجنبية، وتزايد حضور قوى دولية بديلة، مثل روسيا والصين، وحتى تركيا، في ملفات الأمن والتنمية.
ربما لم تُحسم فصول الأزمة في مدغشقر بعد، لكن المؤكد أن فرنسا تخسر تدريجيًا آخر أوراقها الإفريقية، الواحدة تلو الأخرى، لصالح واقع إقليمي ودولي يتشكل دون استئذانها.