لم
تكن (إسرائيل) و(إيران) معزولتين عن بعضهم البعض بسبب البعد الجغرافي، أو نبرة
العداء المزورة التي يطلقها من حين لأخر أتباع النظام الإيراني الحاكم، فمن
التاريخ شواهد عديدة تثبت شيئاً واحدا ألا وهو أن (إسرائيل) كيان عنصري متطرف ينظر
للبشرية بدونية ويتعايش مع أمثاله بسهولة، وما يظهر حاليا من تناقضات في المواقف
بين الطرفين ما هو إلا ستار لعلاقات وطيدة امتدت وتطورت على مدار تاريخ طويل، فلما
لا يكون تحالفا غادرا يهيمن ويسيطر على كل ما يحيط به، ويتبادل رواده الأدوار في
المنطقة العربية لكي يتمكنوا من تسهيل مهمات بعضهم البعض..
فبداية
التعارف بين الإيرانيين واليهود تعود إلى ألفين وسبعمائة وخمسين عامًا، وما يؤكد
قدم هذه الرابطة هو وجود بعض الشواهد التاريخية واللغوية والدينية الموجودة في
أسفار عزرا، نحميا، استر، ودانيال وتواريخ الأيام. كذلك ما ورد حول المخلص أو
المنقذ لليهود والتصريح باسمه على لسان الرب في كتاب النبي عزرا (الباب الأول
والثاني) بأنه كورش ملك إيران العادل، ومع فتح بابل على يديه وتحريره بني إسرائيل
من قبضة ملوكها ودخول اليهود أرض إيران، تأثر اليهود بالإيرانيين وقبلوا بعض
معتقداتهم، كالاعتقاد باليوم الآخر وظهور المهدي في آخر الزمان.
فأرض
إيران بالنسبة لهم هي أرض كورش مخلصهم، وعليها ضريح استر ومردخاي، وفيها توفي
النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، هي دولة شوشندخت الزوجة اليهودية الوفية للملك
يزدجرد الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق سيدنا يوسف عليه السلام، لذا يكن
يهود العالم وافر التبجيل لهذه الأرض. ومنذ فتح بابل على يد الملك كورش، وتوجه
العديد من اليهود إلى إيران، ترفض تلك الطائفة دعوة العودة إلى فلسطين، وفاق حبهم
لإيران حبهم لأورشليم، ورغم قيام حكومة إسرائيل الصهيونية، التي عملت على تشجيع
يهود إيران على الهجرة إليها، إلا أنهم رفضوا ترك إيران، وكان عدد اليهود الذين
انتقلوا من الدول الأوروبية إلى إسرائيل يفوق بكثير عدد اليهود الذين انتقلوا من
إيران إلى فلسطين.
أطماع مشتركة
تتمحور
أهداف (إيران) و(إسرائيل) حول عدائية العالم الإسلامي والمنطقة العربية والسيطرة
على ثرواتها وفي سبيل هذا الهدف حاولا استغلال نفوذهما وقوتهما للسيطرة على الأمة
وإثارة المشاكل والنعرات الطائفية، وتجنيد ونشر خلايا عملاء تعمل لصالح الأجهزة
الأمنية التابعة لكلتا البلدين، ولكن (إسرائيل) كانت في بعض الأحيان تسخر (إيران)
لخدمة أهدافها، وتركز على تقسيم العالم العربي كلا على حدا وعلى سبيل المثال، فإن
(إسرائيل) وبحسب ما يذكره علماء السياسة ركزت على تقويض قوة مصر كونها أكبر دولة
عربية ويمكن أن تمثل خطرا علىها بصفتها تمتلك حدود وجيش قوي، وسعت إلى تدمير مصر
داخليا من خلال الفوضى الأمنية والفتنة الطائفية، بالإضافة إلى سعيها لفصل وعزل
مصر عن العالم الإسلامي والعربي من خلال اتفاقات كام ديفيد التي جعلت من مصر دولة منبوذة
عند بعض العرب بسبب تواطئها مع (إسرائيل) في عدد من القضايا، وهذا يأتي جزء من كل
يشمل عمل منظومة مخابراتية (إسرائيلية) أصبح لها خيوط في دول إسلامية كثيرة تقوم بإثارة
الفتن واختلاق النزاعات، حتى لا تمنح العرب والمسلمين الفرصة للتنبه للخطر الحقيقي
وكل ذلك بهدف تحقيق ثلاث أهداف صهيونية وهي :
-
تجميع اليهود وإقامة دولة ووطن لهم في فلسطين، وقد نجحوا في ذلك بتعاون مع القوى الاستعمارية
الصليبية الحاقدة.
-
توسيع (إسرائيل) لتصبح (إسرائيل الكبرى) لتشمل الأراضي الواقعة بين النيل والفرات وتشمل
المدينة المنورة وخيبر.
-
المملكة اليهودية العالمية، حيث يخضع العالم لسيطرة اليهود وتكون أورشليم عاصمة المملكة
العالمية التي يحكمها ملك يهودي، وهذا مذكور في برتوكولات حكماء بني صهيون.
وقامت
(إسرائيل) منذ نشأتها على العنف والمنظومة الأمنية وتنظيم الشعب في إطار مليشيات
مسلحة، وفي هذا الصدد يقول بن جوريون أحد مؤسسي (إسرائيل) : ( إن إسرائيل لا يمكن أن
تبقى إلا بقوة السلاح ).
وكنفي
لإمكانية حصول السلام، فإن موقع الشرطة الإسرائيلية نشر دعوة تحريضية ضد العرب
ودعا بشكل صريح لقتل العرب قبل أيام بالإضافة إلى تصريحات الحاخام عوفادية يوسف
التي تعتبر العرب ثعابين يجب قتلها، وعندما زار مناحم بيجن القاهرة بعد توقيع اتفاقية
كام ديفيد، وقف أمام أهرامات الجيزة وقال : ( هؤلاء أجدادنا بناة الأهرام )، وكذلك
سرقت
ثم
قامت( إسرائيل ) بسرقة آثاراً مصرية وآثاراً
عراقية، وأقامت لها معرضا في النمسا، بعد أن
تم الإعداد له على مدى عامين، وشارك في دعم المعرض (58) هيئة نمساوية، وافتتح (بنيامين
نتنياهو) المعرض وسط دعاية إعلامية مكثفة ، وكان عنوان معرض الآثار المسروقة هو
:" آثار أرض التوراة ".
في
هذا الموجز أوضحنا ما تصبو إليه (إسرائيل)
ولكن التشابه الكبير في أهداف الطرف الثاني وهو (إيران) يوضح بما لا يدع للشك
بصدقية كل ما نشر في الإعلام حول إمكانية وجود تحالف بين الطرفين لخدمة أهدافهما..
، وبعيدا عن الأقوال التي تشير إلى أن مؤسس المذهب الشيعي كان عبدالله بن سبأ يهوديا
ثم أسلم، ولكن في عالمنا اليوم هناك ما يكفي من الدلالات التي تؤكد أن المصالح متوافقة
بين الكيانين، بدأ بكراهية العرب والاستيطان في أرضيهم سواء كان ذلك من خلال احتلال
فلسطين والجولان وأجزاء من جنوب لبنان بالنسبة لــ (إسرائيل) أو احتلال الأحواز العربية
وجزر الإمارات من قبل إيران، أما عن الأهداف، فإيران تريد دولة فارسية تمتد على مسار
الخليج العربي..ويؤكد ما نقوله تقرير روسي نشر في وسائل الإعلام أثناء الحرب التي شنتها
السعودية على الحوثيين بأن أهداف النظام القائم
في طهران هو إقامة "إمبراطورية ذات نزعة مذهبية تمتد من إيران عبر العراق ونحو
سورية ولبنان"، وحسب تقديراته فإن إيران "تهيمن الآن عمليا من خلال حلفائها
على جنوب العراق".
وتحاول
إيران فرض نفوذها على العالم الإسلامي وقيادته من خلال التغلغل في أعماقها وفقا لعدة
محاور، أولها استغلال حركات المقاومة المسلحة المناهضة لـــ(إسرائيل) و أمريكا وتقديم الدعم لها وتدريب
عناصرها لكسب ولائاتهم، وكذلك من خلال إرسال رجال مخابراتها لتأسيس شبكات وخلايا نائمة
يمكن إيقاظها وقت الحاجة إليها، وتأسيس مؤسسات تجارية من خلال الجاليات الإيرانية الموجودة
في الخليج.
هناك
عدة عوامل مهمة تسببت في رفض العالم الإسلامي لإيران، وعدم السماح لها بأن تتولى قيادة
هذا العالم وهي الأول أن إيران فارسية وليس عربية، والثاني أن غالبية سكانها من الشيعة
ولا يوجد بها سنة سوى في إقليم عربي يسمى "الأحواز" وتحتله إيران منذ عام
1925 م، وكذلك احتلالها لأرضي عربية سلف الحديث عنها.
و
إثباتا لما ورد فإنه بتاريخ 28-03/2011
نقلت صحيفة (ويك أيند) الدنماركية تصريحات عن مسؤولين في الخارجية الإيرانية قالوا
فيها ،" بأن العرب بدو وهمج الصحراء وحضارتهم طارئة قامت بعد اكتشاف النفط، أما الحضارة الفارسية فهي ممتدة منذ آلاف السنين.
وتابعت
الصحيفة نقلا عنهم ، " إيران تحترم إسرائيل وتتعاطف معها بعكس العرب، وما التصريحات
التي تطلق معادية لإسرائيل سوى لكسب تأييد العالم الإسلامي"..
ونقل
عن نائب وزير الخارجية الإيراني، "أن الهدف من التصريحات المعادية لإسرائيل هو
كسب تأييد الشعوب الإسلامية لتحقيق هدف الثورة الخمينية التي انطلقت عام1979 بالسيطرة
على العالم الإسلامي".
إذا
الهدف الأساسي لإيران في المنقطة العربية هو السيطرة المذهبية على العالم الإسلامي
وتولي قيادته، وكذلك السيطرة على الأماكن الدينية والمقدسة ، والموارد النفطية
والاقتصادية في المنطقة العربية لإعادة أمجاد الأمة الفارسية".
التحالف الغادر..
الكاتب
الغربي "تريتا بارسي" أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون
هوبكينز"، تناول في كتاب متخصص العلاقات
الإيرانية-الإسرائيلية.
ووفق
اعتقاد بارسي فإن العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني – الأمريكي تقوم على
المصالح و التنافس الإقليمي و الجيو-استراتيجي و ليس على الأيديولوجيا و الخطابات
و الشعارات التعبوية الحماسية...الخ.
و
في إطار المشهد الثلاثي لهذه الدول، تعتمد إسرائيل في نظرتها إلى إيران على
"عقيدة الطرف" الذي يكون بعيدا عن المحور، فيما تعتمد إيران على
المحافظة على قوّة الاعتماد على "العصر السابق" أو التاريخ حين كانت
الهيمنة "الطبيعية" لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها.
و
بين هذا و ذاك يأتي دور اللاعب الأمريكي الذي يتلاعب بهذا المشهد و يتم التلاعب به
أيضا خلال مسيرته للوصول إلى أهدافه الخاصّة و المتغيّرة تباعاً.
استناداً
إلى الكتاب، فإنّ إيران الثيوقراطية ليست "خصما لا عقلانيا" للولايات
المتّحدة و (إسرائيل) كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام و أفغانستان
بقيادة الطالبان. فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال
الشعارات و الخطابات الاستهلاكية و ذلك كرافعة سياسية و تموضع ديبلوماسي فقط. فهي
تستخدم التصريحات الاستفزازية و لكنها لا تتصرف بناءاً عليها بأسلوب متهور و أرعن
من شانه أن يزعزع نظامها. و عليه فيمكن توقع تحركات إيران و هي ضمن هذا المنظور
"لا تشكّل "خطراً لا يمكن احتواؤه" عبر الطرق التقليدية
الدبلوماسية.
وبحسب
الكاتب فإن كلتا البلدين تميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتين على
جيرانهم العرب (superior). إذ ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب في الغرب و
الجنوب اقل منهم شأنا من الناحية الثقافية و التاريخية و في مستوى دوني. و يعتبرون
أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضّرهم و تمدّنهم و لولاه لما كان لهم شأن
يذكر.
في
المقابل، يرى الإسرائيليون أنّهم متفوقين على العرب بدليل أنّهم انتصروا عليهم في
حروب كثيرة، و يقول أحد المسؤولين الإسرائيليين في هذا المجال لبارسي "إننا
نعرف ما باستطاعة العرب فعله، و هو ليس بالشيء الكبير" في إشارة إلى استهزائه
بقدرتهم على فعل شي حيال الأمور.
و
يشير الكتاب إلى أننا إذا ما أمعنّا النظر في الوضع الجيو-سياسي الذي تعيشه كل من
إيران و (إسرائيل) ضمن المحيط العربي، سنلاحظ أنهما يلتقيان أيضا حاليا في نظرية
"لا حرب، لا سلام". الإسرائيليون لا يستطيعون إجبار أنفسهم على عقد سلام
دائم مع من يظنون أنهم اقل منهم شأنا و لا يريدون أيضا خوض حروب طالما أنّ الوضع
لصالحهم، لذلك فان نظرية "لا حرب، لا سلام" هي السائدة في المنظور
الإسرائيلي. في المقابل، فقد توصّل الإيرانيون إلى هذا المفهوم من قبل، و اعتبروا
أنّ "العرب يريدون النيل منّا".
الأهم
من هذا كلّه، أنّ الطرفين يعتقدان أنّهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا و سياسيا.
اثنيا، الإسرائيليين محاطين ببحر من العرب و دينيا محاطين بالمسلمين السنّة. أما
بالنسبة لإيران، فالأمر مشابه نسبيا. عرقيا هم محاطين بمجموعة من الأعراق غالبها
عربي خاصة إلى الجنوب و الغرب، و طائفيا محاطين ببحر من المسلمين السنّة. يشير
الكاتب إلى أنّه و حتى ضمن الدائرة الإسلامية، فإن إيران اختارت إن تميّز نفسها عن
محيطها عبر إتّباع التشيّع بدلا من المذهب السني السائد و الغالب.
و
يكشف الكتاب انّ اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين إيران و (اسرائيل) في عواصم أوروبية
اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل
صفقة كبيرة، تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد و كان منها اجتماع "مؤتمر
أثينا" في العام 2003 و الذي بدأ أكاديميا و تحول فيما إلى منبر للتفاوض بين
الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمراً أكاديمياً.
و
يكشف الكتاب من ضمن ما يكشف أيضا من وثائق و معلومات سرية جدا و موثقة فيه، أنّ
المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية
تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما
تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة
تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين.
و
بينما كان الأمريكيون يغزون العراق في نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على
إعداد "اقتراح" جريء و متكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا
لعقد "صفقة كبيرة" مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع
الأمريكي-الإيراني.
ودليلاً
على عمق العلاقة بين الولايات المتحدة فلماذا يوجّه الرئيس الأمريكي أوباما، رسالة
فيديو مسجلة إلى الشعب والنظام الإيراني يوم 20/3/2009 بمناسبة "عيد النيروز"
أو رأس السنة الإيرانية، (وهي الذكرى السادسة لغزو العراق)، يؤكد فيها التزام إدارته
الدبلوماسية، والسعي لإقامة علاقات بنَّاءة بين الولايات المتحدة وإيران والأسرة الدولية؟!.
وتصديقا لذلك أيضا، يقول روجر كوهين الكاتب في الشؤون
الدولية في صحيفة "الإنترناشيونال هيرالد تريبون" في مقاله (إيران واليهود
والبراجماتية):"أعتقد أن البراغماتية الإيرانية، التي تعرف أن قوتها تكمن في التصميم
على بقاء الثورة. لقد أدت البرجماتية الإيرانية إلى التعاون مع إسرائيل في أيام الحرب
الباردة، وأنهت حرب العراق، وتجنبت غزو أفغانستان عام 1998، عندما قُتل دبلوماسيون
إيرانيون هناك؛ وحققت تعاوناً مع أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في قضية أفغانستان.
وتوضّح حركة المد والجزر الليبرالي منذ عام 1979، مدى أهمية وجود اليهود فيها."
التعاون العسكري
في
11 أبريل عام 2006 نشرة صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية خبرا قالت فيه إن وزارة
المواصلات الإيرانية طلبت شحنة مؤلفة من 15 ألف جهاز إنذار من الصناعات
الإسرائيلية، بوساطة من شركة صينية تسوق منتوجات شركة "سونار" التي يقع
مقرها في مدينة رمات هشارون الواقعة شمال (تل ابيب) في وسط (إسرائيل).
وطبقا
للصحيفة فإن الصفقة تمت بين الحكومة الإيرانية والشركة الصينية بعد زيارة مندوب عن
وزارة المواصلات الإيرانية في معرض لأجهزة الإنذار في الصين وأعجب بالمنتج
الإسرائيلي.
وفي
6 ديسمبر من نفس العام ذكرت ت وكالة أنباء نوفوستي الروسية نقلا عن صحيفة
"هأرتس" الاسرائلية بأن هناك مفاوضات مستمرة منذ 20 عاما بين ايران و(اسرائيل)
حول الديون المليونية التي كان قد منحها الشاه (لاسرائيل) .
وطبقا
لما جاء في النبأ إن القضية التي تشمل مئات الملايين من الدولارات تعكف المحكمة
الأوربية العليا على متابعتها سرا ويتم تقسيم القضية إلى ثلاثة ملفات حيث تم
الانتهاء من الملف الاول الذي قبلت عدد من شركات الوقود الاسرائيلية بالتزاماتها
وذكرت (هأرتس) بأنها نقلت هذا النبأ من مصادر سويسرية و إسرائيلية ترفض الكشف عن
هويتها .
وأضافت
الصحيفة الإسرائيلية بأنه كان قد أنشأ الجانبين شركة وقود مشتركة باسم Trans Asiatic Oil تعمل في مجال تصدير النفط إلى (إسرائيل) .
تجدر
الإشارة إلى أنه بالرغم من قطع العلاقات بين البلدين لقد تم تزويد إيران بأسلحة إسرائيلية
أبان الحرب العراقية هو إفراج أرشيف الأمن القومي الأمريكي في 10-11-2006 عن وثائق
جديدة تتعلّق بهذه الفضيحة التي تعرف باسم ايران-كونترا.
لم
يقف التعاون العسكري الإسرائيلي الإيراني عند حد بل وصل إلى ما يشبه الجنون حين
أقدمت إيران على شراء السلاح الفلسطيني المصادر في جنوبي لبنان من المقاومة
الفلسطينية ودفعت قيمته مالا ونفطا فقد ذكرت مجلة ( ميدل ايست ) الشهرية
البريطانية في عدد تشرين الثاني - نوفمبر عام 1982 م أن مباحثات تجري مابين إيران
و (إسرائيل) تقضي بتوريد نفط ايراني إلى (إسرائيل) بأسعار مخفضة في مقابل أن تمد (إسرائيل)
إيران بأسلحة فلسطينية صادرتها في لبنان ..
ولقد
يبدو ذلك طبيعيا وبديهيا فبسبب الحظر الأمريكي الرسمي والظاهري على تصدير الأسلحة لإيران
فإن (إسرائيل) وحدها تظل المصدر الوحيد القادر على تأمين استمرارية الجيش الإيراني
لأنها الدولة الوحيدة التي تملك الأسلحة والمعدات نفسها وبكميات تسمح لها بعقد
صفقات ضخمة مع إيران .
طبيعة
العلاقات بين الطرفين لم تكن خفية على المجتمع الإسرائيلي أو الباحثين في هذا المجال ففي كتاب حلف المصالح المشتركة
، (التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) لتريتا بارزي،
يقول البروفيسور ديفيد مناشري من جامعة تل أبيب، والخبير الأول في الشؤون الإيرانية
في (إسرائيل)، " طوال فترة الثمانينات، لم يقل أحد في (إسرائيل) شيئاً عن وجود
خطر إيراني، لم يتفوه أحد حتى بهذه الكلمة" ففي ذروة الحماسة الإيديولوجية في
إيران، كانت تخشى (إسرائيل) انتصارا عراقيا، واستبعادها وجود خطر إيديلوجي إيراني،والجهود
التي بذلتها (إسرائيل) لاستعادة إيران في إطار المبدأ المحيطي، مهد الطريق أمام قيام
(إسرائيل) بتسليح إيران ، والسعي إلى خفض التوترات بين واشنطن وطهران،والحرب أثبتت
صحة اعتماد (إسرائيل) على المبدأ المحيطي ، واستمر عدد كبير من قيادات (إسرائيل) بالاعتقاد
بان إيران حليف طبيعي(لإسرائيل)، كان وقف صدام الهدف الأكبر أهمية ، و"إذا كان
يعني ذلك تلبية طلبات الأسلحة الذي يريد شرائها الإيرانيون كسبب لمنع حدوث انتصار عراقي
ليكن ذلك" ديفيد كيمشي المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية..
و
يواصل الكتاب .. بعد مرور ثلاثة أيام على دخول القوات العراقية الأرضي الإيرانية، قطع
موشى ديان زيارة خاصة إلى فيينا، وعقد مؤتمر صحفي طالب فيه الولايات المتحدة بمساعدة
إيران"، بعد ذلك بيومين صرح نائب وزير الدفاع الإسرائيلي مورداخاي زيبوري لصحيفة
معاريف بأن إسرائيل ستقدم مساعدات عسكرية لإيران".
وفي
تلك الأيام نقلت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية قالت بأن الجيش الإسرائيلي استعان بصور
فتوغرافية وخرائط إيرانية لتنفيذ الهجوم على المفاعل النووي العراقي". وبعد شهر
من قصف المفاعل النووي العراقي تحطمت طائرة أرجنتينية كانت تنقل أسلحة إسرائيلية متوجهه
إلى إيران بالقرب من الحدود السوفيتية التركية.
و
بحسب مركز بافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل ابيب فإن (إسرائيل) باعت إيران أسلحة
بقيمة 500مليون دولار في الفترة مابين عام 1980-1983، وتم سداد المبلغ من خلال تسليم
شحنات من النفط الإيراني إلى (إسرائيل).
وفي
مايو 1982 أعترف "وزير الدفاع الإسرائيلي" أرئيل شارون خلال حديث صحفي لمحطة
(ان بي سي) بأن (إسرائيل) زودت إيران بالأسلحة لأنها اعتبرت أن صدام خطر على عملية
السلام في الشرق الأوسط" في حينها قال العراقيون إن إيران تخوض حربا إسرائيلية.
الصفقة الكبرى
مع
بداية هذه الألفية و احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وقوات دولية أصبحت إيران
تبحث عن فرصة للتوغل أكثر في تحقيق أطماعها من خلال استغلال حالة الضعف والتفرقة
التي يمر بها العالم الإسلامي والأمة العربية، وطرحت صفقة على الولايات المتحدة
تمهد لمرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين.
حيث
تمّ إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السريّة إلى واشنطن ، وجاء في عرض الاقتراح الإيراني السرّي مجموعة مثيرة من
التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على "الصفقة
الكبرى" و هو يتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي, سياستها تجاه (إسرائيل),
و محاربة القاعدة. كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة
أمريكية-إيرانية بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاث مواضيع:
"أسلحة الدمار الشامل", "الإرهاب و الأمن الإقليمي",
"التعاون الاقتصادي".
وفقا
للكاتب "تريتا بارسي" فإنّ هذه
الورقة هي مجرّد ملخّص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان قد علم به في العام
2003 عبر وسيط سويسري (تيم غولدمان) نقله إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقّيه
من السفارة السويسرية أواخر نيسان / أوائل أيار من العام 2003.
هذا
و تضمّنت الوثيقة السريّة الإيرانية لعام 2003 و التي مرّت بمراحل عديدة منذ 11
أيلول 2001 .
المفاجأة
الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها (بإسرائيل) كدولة شرعية،لقد سبّب ذلك إحراجا كبيرا لجماعة
المحافظين الجدد و الصقور الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران
لإسرائيل" و "محوها عن الخريطة".
وينقل
"بارسي" في كتابه أنّ الإدارة الأمريكية المتمثلة بنائب الرئيس الأمريكي
ديك تشيني و وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح و
رفضه على اعتبار "أن الإدارة الأمريكية ترفض التحدّث إلى محور الشر". بل
إن هذه الإدارة قامت بتوبيخ الوسيط السويسري الذي قام بنقل الرسالة.
و
يشير الكتاب أيضا إلى أنّ إيران حاولت مرّات عديدة التقرب من الولايات المتّحدة
لكن (إسرائيل) كانت تعطّل هذه المساعي دوما خوفا من أن تكون هذه العلاقة على
حسابها في المنطقة.
و
من المفارقات الذي يذكرها الكاتب أيضا أنّ اللوبي الإسرائيلي في أمريكا كان من
أوائل الذي نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات و
الشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في
السياسة الإيرانية، وكان العرض الإيراني مكون من النقاط التالية:-
1- عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق
الأمن و الاستقرار, إنشاء مؤسسات ديمقراطية, و حكومة غير دينية).
2- عرض إيران
(شفافية كاملة) لتوفير الاطمئنان و التأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل, و
الالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل و دون قيود.
3- عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية
المعارضة والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضدّ المدنيين الإسرائيليين داخل
حدود (إسرائيل) العام 1967.
4- التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى
حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني.
5- قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي
طرحت في قمّة بيروت عام 2002, أو ما يسمى "طرح الدولتين" و التي تنص على
إقامة دولتين و القبول بعلاقات طبيعية و سلام مع (إسرائيل) مقابل انسحاب (إسرائيل)
إلى ما بعد حدود 1967.
أما
بخصوص التهديدات التي يطلقها الإيرانيون
حول سحق (إسرائيل) فإن بعض المحللين ربطها بلعبة تجارية تريد من ورائها إيران رفع
أسعار النفط كونها من كبرى المصدرين للنفط والغاز في العالم، وكذلك فإن أي حرب مقبلة مع إيران فإنها محسومة
سلفاً لصالح (إسرائيل) لذلك القادة الإيرانيين يعلمون ذلك جيدا كون (إسرائيل)
تمتلك من 200 إلى 250 رأس نووي وصواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى عمق إيران
وفي حال تعرضت لضربة، فإنها تمتلك غواصات ألمانية تستطيع إطلاق رؤوس نووية لن
تتوانى في استخدامها في حال تعرضت للضرب من قبل إيران لذلك هي حسمت طبيعة العلاقة
مع (إيران) من خلال معادلة القوة إن لم يكن بمعادلة المصالح في منطقة الشرق
الأوسط.