هل نحن على أعتاب صفقة تبادل جديدة؟
قبل عدة أيام خرج منسق الأسرى والمفقودين في دولة الكيان الصهيوني يرون بلوم، بتصريح مفاجئ عن تطورات في تنفيذ صفقة تبادل أسرى جديدة مع حركة حماس، مؤكداً أن هناك عوامل إيجابية عملت على إنضاج صفقة تبادل أسرى وصولاً إلى إمكانية تنفيذها كما جرى في صفقة وفاء الأحرار.
هذه التصريحات قوبلت بنفي من طرف قائد حركة حماس بغزة يحيى السنوار، الذي تحدث لعدد من الجهات الإعلامية عن شروط المقاومة المرفوعة للوسطاء، فلا تنازل عنها بأي حال، فقد سبق وأن أخل الصهاينة بشروط الصفقة السابقة الأمر الذي يجب معالجته قبل الشروع بتنفيذ أي خطوة تجاه تنفيذ صفقة تبادل أسرى.
الاحتلال الصهيوني يدرك جيداً أن المقاومة الفلسطينية في غزة لن تتنازل عن شروطها التي فرضتها على الوسطاء، فهناك تجارب عديدة في هذا الجانب خصوصاً بأسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، كما أن أجهزة الأمن الصهيونية الشين بيت والشاباك، عاجزين عن معرفة أي خيط حول الأسرى الموجودين لدى كتائب القسام؛ فرغم كل التكنولوجيا المتطورة والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والعملاء ورغم التعاون الأمني بين الاحتلال وبعض دول الإقليم والطوق إلا أن الاحتلال لم يستطع الحصول على أي معلومة تتعلق بهذا الملف، وما فشل عملية حد السيف إلا واحدة من الأمثلة التي تثبت فشل ترسانة الاحتلال في اختراق منظومة المقاومة، فوحدة الظل التي تشكلت من طرف قيادة كتائب القسام لإدارة ملف الأسرى الصهاينة تعمل بسرية كبيرة، بعيداً عن القيادة السياسية لحركة حماس، وبعيداً عن الأجهزة العسكرية الأخرى وعن السرايا المختلفة لحماس، الأمر الذي يجعل الاحتلال في حالة عجز تام أمام هذا الملف الهام للقيادة السياسية الصهيونية.
تصريحات منسق شؤون الأسرى لم تكن سوى فزاعة لاعتبارات تخص الشأن الصهيوني فقط، حيث جاءت ردا على اتهام والدة الجندي هدار جولدين، والتي اتهمت نتنياهو وحكومته بأنهم يهملون قضية الصهاينة المحتجزين في قطاع غزة، فكيانهم الغاصب لا يأبه إلا بمصالح قادته الفاسدين، الذين يبحثون عن البقاء في السلطة وحشد الأصوات حل جرت انتخابات ثالثة.
تصريحات يرون بلوم جاءت أيضاً من أجل تحريك الماء الراكدة لجلب أي خيط عن الأسرى الصهاينة، فأجهزة أمن دولة الاحتلال ما تزال عاجزة عن معرفة أحوال الأسرى الصحية، حيث سبق وأن حاولت أن تختطف أحد قادة القسام الكبار شرق خانيونس لكنها فشلت في ذلك، بل استطاعت المقاومة قتل قائد تلك الوحدة الصهيونية الخاصة والحصول على أجهزة كبيرة لم يتم الإفصاح عنها، ضمن عملية أطلق عليها حد السيف.
وبالعودة إلى الأسرى الصهاينة، فقد قامت كتائب القسام إبان العدوان الكبير على غزة عام 2014، بأسر الجندي الصهيوني شاؤول آرون بعد عملية نوعية للقسام شرق حي التفاح بغزة، والتي أدت في حينه إلى مقتل أربعة عشر صهيونياً أربكت حسابات قيادة الحرب الصهيونية، فعقيدة تلك القيادة تنادي بتنفيذ سياسة هانيبعل حال أي هجوم من طرف المقاومة الفلسطينية، وحرق الأخضر واليابس كي لا يتم أسر أي جندي، وعلى الجندي الصهيوني ألا يسلم نفسه حتى لو أدى ذلك إلى فناء روحه، الأمر الذي ما يخالف سيكولوجيا المغتصب الصهيوني المتمسك بأي حياة ولو كانت حقيرة ومزرية.
أيضاً تم إبان العداون ذاته أو ما أطلق عليه حرب الواحد والخمسون يوماً، أسر الضابط بلواء قفعاتي اسمه هدار جولدن في مدينة رفح، وهو ما أربك حسابات الاحتلال في حينه فعمدت إلى قتل المئات من سكان المدينة.
لذا فالاحتلال عاجز عن معرفة حالة هذين الأسيرين الصحية، بالإضافة إلى الأسيرين الآخرين الذين دخلا قطاع غزة بالخطأ، وهما الصهيوني منغستو والسيد، مما دفع قيادة الحرب الصهيونية أن تفعل كل أدواتها بالمنطقة للإفراج عن هؤلاء المغتصبون مقابل بعض التحسيات في معيشة السكان، الأمر الذي رفضته قيادة المقاومة.
لقد طالب الاحتلال بشكل دوري من الوسطاء أن تقوم حماس بمنحهم أي معلومة حول صحة الأسرى للمباشرة بإتمام الصفقة، لكن الجهة المخولة في المقاومة بمتابعة ملف الأسرى ترفض ذلك قطعياً، وموقفها الثابت: أطلقوا سراح صفقة وفاء الأحرار الذين قمتم بإعادة اعتقالهم كي نتحدث، بينما يخشى الاحتلال تنفيذ ذلك لاعتبارهم أن المعتقلين الفلسطينيين أيديهم ملطخة بالدماء، وأنه يصعب تحريرهم.
وختاماً، فإن ما يتم إطلاقه من معلومات حول تنفيذ الصفقة هو محض إشاعات تسعى حكومة الاحتلال الصهيوني من خلالها تهدئة الشارع، لكنها ستخنع لإرادة المقاومة عاجلاً أم آجلاً.