الانتخابات الفلسطينية بين الإعلان والتطبيق
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً أمام منصة الأمم المتحدة عن الدعوة لإجراء انتخابات شاملة فور عودته إلى الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي انتظره الفلسطينيون كثيراً أملاً بإنهاء حقبة الانقسام البغيض، وتجديد الشرعيات التي تآكلت بمرور الزمن.
لكن التساؤل المهم: لماذا الآن؟ وهل حقاً يرغب الرئيس عباس بالشروع في تنفيذ ذلك الاستحقاق أم أن هناك ضغوطات مورست عليه كي يعلن عن الدعوة لإجراء تلك الانتخابات؟ أيضاً هل ستحل الانتخابات مشاكل الفلسطينيين، تحديداً في قطاع غزة؟
المتتبع للمشهد الفلسطيني جيداً، يدرك أن هناك ضغوطات كبيرة مورست من طرف الاتحاد الأوروبي لإلزام الرئيس عباس بتطبيق الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، وذلك لإعادة دعم القطاع الحكومي، حيث تم تجميد جزء كبير من تمويل تلك المؤسسات لحين انتخاب أجسام جديدة وهو ما دفع عباس أن يعلن من على منصة الأمم المتحدة دعوته للانتخابات في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس.
علماً أن دعوة الغرب لعباس بتنفيذ الانتخابات، ليست حباً في تحقيق الوحدة الفلسطينية أو إعادة الحقوق السليبة لأهل فلسطين، وإنما حرجاً من شعوبها التي تطالبهم بالديمقراطية. ولأن الغرب يدرك تماماً أن عباس لديه ما يؤهله للاستمرار بصورة أو أخرى.
الدعوة للانتخابات جاءت من طرف عباس أيضاً لملأ الفراغ الناجم عن حل المحكمة الدستورية، التي شكلها الرئيس عباس بشكل غير شرعي، في تجاوز للسلطة القضائية كجزأ من التغول على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الوطن. حيث أن تلك المحكمة أمهلت الرئيس عباس مدة ستة أشهر لإجراء انتخابات تشريعية جديدة تبدأ من 12/12/2018 وتنتهي يوم 11/06/2019، الأمر الذي دفعه للإعلان مؤخراً عن الانتخابات المزمع عقدها في فبراير من العام المقبل.
الرئيس محمود عباس لا يمكن له أن يسمح بتحقيق الوحدة الفلسطينية لاعتبارات كثيرة، أهمها رغبته بالتخلص من قطاع غزة، لأنه يمثل قلب لمشروع المقاومة الذي تقوده غزة بكافة فصائلها العاملة في الميدان، والذي يتنافى مع سياسة عباس الورقية، حيث أنه أعرب أكثر من مرة وفي أكثر من موقف من أنه لن يسمح بالمقاومة المسلحة، وإنما المقاومة الشعبية فقط.
والمؤسف في هذه القضية، أن الرئيس عباس لم يحرك ساكناً تجاه المسيرات الشعبية التي انطلقت من غزة قبل عام ونصف على حدود الوطن الشرقية والشمالية، بل كانت أجهزته تقوم بملاحقة واعتقال كل من يحاول الخروج بمظاهرات سلمية عند تخوم المستوطنات المحاذية للضفة الغربية أو من يدعو لذلك، بالإضافة إلى عدم رعايته للمصابين الفلسطينيين الذين يسقطون بفعل همجية الاحتلال الصهيوني. وليس ذلك فقط، بل توقف الرئيس عباس عن منح الأسرى والمصابين رواتبهم وحقوقهم المشروعة، حتى صار الأسير والمصاب متسولاً، وهو ما يوضح مدى رضا العالم الظالم عن عباس.
وبالعودة مجدداً إلى الانتخابات الفلسطينية، فإن الرئيس عباس يمتلك عدة خطط لإفشال تلك الانتخابات ظهر بعضها بالمرسوم الذي أصدره لرئيس لجنة الانتخابات المركزية السيد حنا ناصر، فقد أصدر مرسوماً عليه الكثير من الأخذ والرد، فعباس لا يرغب أن ينازعه أحد، فهو يمتلك شرعية الغاب الدولية، ويحارب كل من يخالفه، ويحقق رغبة العالم بالإبقاء على حالة التدهور السياسي الفلسطيني، وتعطيل العمل الدبلوماسي من إظهار عدوان الاحتلال وتغوله.
كان يظن الرئيس عباس أن حماس ستظل متعنتة بمطالبها من تحقيق الانتخابات الوطنية والرئاسية والتشريعية في وقت واحد، فيعلن للعالم من أن غزة ترفض، لذا يقوم بانتخابات في الضفة وحدها، بالإضافة إلى فرض مزيد من العقوبات على قطاع غزة، إلا أن الأخيرة صدمته بموافقتها أن تكون الانتخابات بشكل متسلسل، تبدأ بالتشريعية ثم الرئاسية وتنتهي بالمجلس الوطني الذي يسيطر عليه الرئيس وحركة فتح بالإضافة عجائز من أحزاب صغيرة لا تشكل شيء أمام حركات الإسلام السياسي.
المؤسف أن مرسوم الرئيس عمل على تغييب المجلس الوطني، وهو يتنافى مع ادعاء الرئيس برغبته بانتخابات شاملة، وكأنه بذلك يدفع حماس لرفض الانتخابات كي يستمر عباس في لعبة تهميش قطاع غزة لصالح الاحتلال الذي سيكون له دور لاحق بإفشال الانتخابات حال موافقة حركة حماس على انتخابات التشريعي والرئاسة، حيث سيمنع الاحتلال الانتخابات عن مدينة القدس، وهو أمر لن تقبل به حماس والأحزاب الأخرى، مما سيعطل تلك الانتخابات.
حتى في حال تحقيق الانتخابات التشريعية، فإن الانتخابات الرئاسية بيد عباس، وقد يتراجع عنها حال عودة حماس إلى البرلمان، فهو يعول على ضعف شعبيتها وخسرانها لحاضنتها الشعبية في قطاع غزة نتيجة الحصار والفقر بالإضافة إلى ضعف إدارتها للقطاع. فهو سيقلب الطاولة على رأس الجميع، وسيتعامل العالم مع عباس الذي ينفذ المصالح الغربية ويرضي الاحتلال بضبطه للأمن بشكل كبير في الضفة الغربية.
أمر آخر لا بد من الحديث فيه، أن الانتخابات ستجري استناداً للقانون الأساس على أساس التمثيل النسبي الكامل، وهو ما لم يتفق عليه الفلسطينيون، كذلك فإن هناك العديد من البنود الفضفاضة التي يمكن للرئيس عباس من التلاعب فيها لإفشال تلك الانتخابات.
نقطة أخيرة يجب التأكيد عليها، هي أن الانتخابات الفلسطينية حال تحققت في الضفة والقطاع والقدس لن تحل مشاكل عميقة نشأت بفعل الانقسام خصوصاً لدى سكان قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، بل ربما تصبح تلك الانتخابات وبالاً على القضية، لأنها ستعود بالفلسطينيين إلى نقطة الصفر، وقد يصبح الانقسام انفصالاً جذرياً، لتبدأ مرحلة جديدة من دولنة قطاع غزة بموافقة دولية مع تطهير القطاع من سلاح المقاومة.