ثمة تشابه كبير بين رئيس الوزراء السوري الأسبق محمود الزعبي (1987-2000)، ورئيس
الوزراء عادل سفر المعين في 3 أبريل 2011، فقد تولى محمود الزعبي منصب رئاسة
الحكومة عام 1987 وكان على رأس مهامه: "محاربة الفساد"، وكذلك هو الحال بالنسبة
لعادل سفر الذي أعلن بأن أولويات حكومته الجديدة ستكون: "محاربة الفساد".
أما على الصعيد الشخصي، فقد بدأ محمود الزعبي حياته كمهندس زراعي، وانتسب إلى حزب
البعث عام 1971، ثم تدرج في المناصب الحزبية حتى عين في القيادة القطرية، وأصبح
رئيساً لمجلس الشعب عام 1980، واستمر في هذا المنصب حتى تعيينه رئيساً للحكومة
خلفاً لسابقه عبد الرؤوف الكسم عام 1987.
وعلى النسق نفسه، بدأ عادل سفر الذي بدأ حياته كمهندس زراعي عقب حصوله على إجازة في
العلوم الزراعية من جامعة دمشق عام 1977، وتقلب سفر في المناصب المتعلقة بالشأن
الزراعي؛ فعين وكيلاً لكلية الزراعة (1992-1997)، ثم عميداً لكلية الزراعة بالجامعة
نفسها (1997-2000)، وهو -كالزعبي من قبله- بعثي عريق، تدرج في المناصب الحزبية حتى
شغل منصب أمين فرع جامعة دمشق لحزب البعث (2000-2002)، ثم عين وزيراً للزراعة في
حكومة ناجي العطري عام 2006، واستمر في منصبه هذا حتى تعيينه رئيساً للوزراء في
مطلع أبريل 2011.
تجربة محمود الزعبي في "محاربة الفساد"
تولى محمود الزعبي رئاسة الحكومة في خضم وطأة أزمة اقتصادية خانقة عانى منها القطر
السوري عام 1987، وتمثلت في: خلو الأسواق من السلع الاستهلاكية الأساسية، واختفاء
الأدوية الضرورية من الصيدليات والمستشفيات، وانتشار طوابير الخبز، وتدهور قيمة
الليرة السورية، وارتفاع نسب البطالة مما أدى إلى تنامي مشاعر السخط الشعبي وظهورها
إلى العلن.
ولامتصاص الغضب الشعبي، أقال الرئيس السوري السابق حافظ أسد حكومة عبد الرؤوف الكسم
(1980-1987)، وأعلن حملة ضد الفساد تمثلت في إحالة أربعة من الوزراء للمحاكمة،
وطالت حملات التطهير والمحاكمة مئات الموظفين في إدارة التموين، والشركة العامة
للخضار والفواكه، وشركة الطيران السوري، والمؤسسة العامة للكهرباء.[1]
في هذه الأثناء حرص الرئيس السوري السابق على إبقاء أقاربه ومحسوبيه في منأى عن هذه
الإجراءات؛ فشقيقه رفعت أسد حافظ على منصبه نائباً لرئيس الجمهورية على الرغم من
محاولته الانقلابية الفاشلة ضد أخيه عام 1984، ومن ثم تداول قصص فضائحه وفساده في
الصحافة الغربية.[2]
أما شقيق الرئيس الثاني جميل أسد؛ فقد تعزز نشاطه التجاري من خلال تأسيس مكتب
للاستيراد والتصدير، تديره عصابة: "الشبيحة" بزعامة ابنه الأكبر فواز الذي فرض
إتاوات غير قانونية على جميع المكاتب التجارية باللاذقية وطرطوس، وتورط في عمليات
القتل والاختطاف، دون أن يتعرض له النظام السوري أو يحاول الحد من نشاطه.[3]
كما شملت قائمة الحصانة الرئاسية مجموعة من الضباط الموغلين في أنشطة التهريب
والاستيلاء على الأراضي والتعدي على الممتلكات العامة ومن أبرزهم: اللواء شفيق
فياض، واللواء إبراهيم صافي، واللواء علي حيدر، واللواء علي دوبا، واللواء محمد
الخولي، وحتى وزير الدفاع آنذاك العماد أول مصطفى طلاس الذي أوقف موكبه المهيبب وهو
عائد من لبنان في أكتوبر 1987، وتمت مصادرة كمية ضخمة من السلع المهربة في حوزته.[4]
ونظراً لأن الرئيس السوري لم يكن يرغب في هدم ركني نظامه: الأمني والعسكري؛ فقد قرر
التغاضي عن تجاوزات أشقائه وضباطه، واقتصرت حملته ضد الفساد عام 1987، على مجموعة
من صغار الموظفين المدنيين، وكان الهدف من هذه الحملة تحقيق هدفين رئيسين هما:
1-
محاولة امتصاص السخط الشعبي الناتج عن تردي الأوضاع المعيشية من خلال إجراءات سطحية
لا تمس البنية الاقتصادية أو المؤسسية للفساد المنظم.
2-
وضع رئيس الجمهورية وضباط الجيش وقادة المؤسسات الأمنية فوق مستوى الأزمة من خلال
الإلقاء بالمسؤولية على صغار الموظفين.
وعلى الرغم من صعوبة المهمة التي أوكلت إليه؛ فقد تولى محمود الزعبي مهام منصبه
بحماس بالغ، فشكل حكومة ضمت أربعة عشر وزيراً مختصاً في الشؤون الاقتصادية، وركز
على ضرورة إحياء القطاع الزراعي بصفته مهندساً زراعياً، وشكل عدة لجان للتحقيق مع
وزارء عبد الرؤوف الكسم.
وبعد ثلاثة عشر سنة من العمل الدؤوب، واجهت سوريا عام 2000 نفس الظروف التي عانت
منها عام 1987؛ إذ تدهورت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لانخفاض أسعار النفط في السوق
العالمية من جهة، وتأثير الجفاف على الإنتاج الزراعي في نهاية التسعينيات من القرن
المنصرم من جهة أخرى، مما أدى إلى تناقص الإنتاج الزراعي، وانقطاع الكهرباء، وتناقص
كمية مياه الشرب مما دفع بالحكومة لاستحداث برنامج تقنين تنقطع بموجبه المياه مدة
13 ساعة في اليوم عن سكان مدينة دمشق وضواحيها، وفي هذه الأثناء ارتفعت نسبة
البطالة إلى 30 بالمائة، وانتشرت مظاهر السخط الشعبي مرة أخرى.
وللخروج من هذه الأزمة لجأ النظام السوري إلى حيلته القديمة؛ فأقال رئيس الجمهورية
حكومة الزعبي في شهر مارس 2000، وأحال رئيس الوزراء، ونائبه للشؤون الاقتصادية،
ووزير الإعلام، ووزير النقل مع مجموعة من الموظفين إلى القضاء بتهمة: "الفساد"،
واتهم محمود الزعبي بارتكاب: "ممارسات وسلوكيات، وسوء ائتمان تتعارض مع قيم الحزب،
وأخلاقياته ومبادئه، وتشكل خرقاً للقانون، وتسبب أضراراً فادحة بسمعة الحزب والدولة
والاقتصاد الوطني".
وفي 21 مايو 2000 بث الإعلام السوري خبر انتحار محمود الزعبي برصاصة في الرأس.[5]
وعلى الرغم من شدة الحملة ضد الفساد، وسماح النظام بتغطية الصحف لتفاصيل محاكمات
صغار الموظفين، إلا أنها لم تتعرض لأي مسؤول أمني أو عسكري، بل أحيل جميع الضباط
المعارضين لتولي بشار الحكم إلى التقاعد بكل هدوء، وحافظوا على ممتلكاتهم
ومميزاتهم، ومن أبرزهم: العماد علي حيدر، واللواء علي دوبا، واللواء علي صالح،
واللواء محمد الخولي، واللواء محمد نصيف، وغيرهم من أقطاب المؤسستين: الأمنية
والعسكرية.
وفي الفترة نفسها سربت الصحافة الغربية خبر إطلاق ماهر بن حافظ أسد النار على صهره
آصف شوكت، وإصابته في بطنه، حيث عولج في إحدى مستشفيات فرنسا، وبدلاً من معاقبته
على هذه الجريمة النكراء؛ كوفئ ماهر أسد بترقيته إلى رتبة رائد وتعيينه عضواً في
اللجنة المركزية لحزب البعث.[6]
ظروف تولي عادل سفر رئاسة الحكومة في أبريل 2011
يدرك عادل سفر مآل رؤساء الحكومات السورية التي أعقبت حكومة محمود الزعبي؛ ففي شهر
مارس 2000 تولى محمد مصطفى ميرو حكومة جديدة مهمتها: "محاربة الفساد"، ثم عزل في
سبتمبر 2003، بعد أن وصف الإعلام حكومته بأنها: "حكومة الفشل الذريع"، وخلفه محمد
ناجي العطري الذي غادر مكتبه في 28 مارس 2011 بصمت، في ظل أسوأ حركة اضطرابات شعبية
تشهدها البلاد نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية، وتفشي البطالة، وتضخم قيمة العملة،
وغياب الحريات العامة.
ولامتصاص مشاعر السخط الشعبي شنت الصحافة الرسمية حملة ضد حكومة العطري؛ فاتهمتها
بالفشل في تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوفير فرص العمل، وتجلى ذلك الهجوم في نشر
تصريحات رجل الأعمال السوري بهاء الدين حسن الذي أكد أن: "الحكومة قصّرت إلى حدّ
كبير في محاربة الفساد"، وعزا السيد حسن أن الفساد: "استشرى فينا وبات داخل كل
مؤسسة وكل منزل"، مضيفاً أن: "سوريا باتت مشهورة في ظاهرة الفساد الذي وصل إلى كل
مناحي الحياة الاقتصادية".
وتعليقاً على الأوضاع الاقتصادية في ظل حكومة العطري قال السيد حسن: "سكرّت
معاملنا، وخسرت صناعتنا الوطنية، ولم تعد قادرة على المنافسة، وتراجعت صناعة الغزل
والنسيج، وأغلقت المصانع الصغيرة، ونحن الآن لا نصدر إلى الصين بليرة واحدة بينما
نستورد منها بنحو ثلاث مليارات دولار".
وكانت مجلة اقتصادية سورية قد كشفت في شهر فبراير 2011 أن الأداء الحكومي لم يرقى
إلى مستوى التعامل مع زيادة نسبة الفقر، حيث بلغت نسبة الفقر في سوريا 11.2
بالمائة، وأظهرت الأرقام أن أكثر من مليوني مواطن سوري يندرجون في قائمة الفقراء
المدقعين أو الذين يعيشون تحت خط الفقر.
وفي ظل التدهور الاقتصادي غير المسبوق، وتزايد وتيرة الاحتجاجات الشعبية توجهت
الأنظار نحو الحكومة الجديدة التي ستخرج البلاد من أكبر أزمة تواجهها منذ تولي بشار
الحكم عام 2000، ومن أبرز المهمات التي يتعين تحقيقها: زيادة فرص العمل، ورفع
المستوى المعيشي للمواطنين، وتحسين قطاعات البنى التحتية بغية النهوض بمستوى
الاقتصاد الوطني، ودفع عملية التنمية المستدامة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية
والاجتماعية، وتحقيق توقعات أفضل للمواطنين، والنهوض بالاقتصاد الوطني.
وإضافة إلى تلك التحديات فإن الأحداث التي تمر بها سورية تلقي بظلالها الثقيلة على
الحكومة الجديدة التي يجب أن تتعامل مع احتمالية إلغاء قانون الطوارئ، وإصدار
تشريعات جديدة لقانون حرية الصحافة يتلائم مع متطلبات المرحلة القادمة،
وإصدار قانون للأحزاب، والعمل على تهدئة الأوضاع الأمنية، ومحاربة البيروقراطية
الإدارية
القابعة في المستويات الدنيا في الدولة، والتي ستعمل جاهدة لمحاربة أي إصلاحات يمكن
أن تؤثر على مصالحها.
وفي مواجهة هذه التحديات الكبرى، بدا أداء القصر الجمهوري هزيلاً للغاية، حيث اختزل
رئيس الجمهورية آمال الإصلاح الكبير في تشكيل ثلاث لجان يختص أحدها بإعداد قانون
لمكافحة الإرهاب، واختيار وزير الزراعة عادل سفر ليصبح رئيساً لحكومة حافظ أكثر من
نصف أعضاء الحكومة السابقة فيها على مناصبهم، وغابت الوجوه الاقتصادية بصورة مقلقة
وتضمنت أحد أهم المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية منذ مطلع الثمانينيات وزيراً
للداخلية، مما عزز القناعة في عدم جدية النظام بتبني الإصلاحات التي وعد بها.[7]
هل يتمكن عادل سفر من: "محاربة الفساد"
يؤكد المقربون من وزير الزراعة السابق عادل سفر أنه ضعيف الشخصية، ولا يمتلك القدرة
على الحسم واتخاذ القرار، وهو لا يمثل الشخصية الإصلاحية التي يمكن أن تخرج البلاد
من أزمتها السياسية والاقتصادية الخانقة، بل إن شخصية سفر لا تسمح له بمحاسبة صغار
الموظفين المدنيين فضلاً عن إمكانية التعرض لتجاوزات أقطاب السلطة من أقارب بشار
أسد وأسرته، ومن أبرز الجهات التي لا يمكن لسفر ولا لحكومته الاقتراب منها:
1- شقيق رئيس الجمهورية العميد الركن ماهر بن حافظ أسد،
الذي تشبه شخصيته إلى حد كبير شخصية عمه رفعت الأسد؛ من حيث نزعته الدموية،
والإسراف في الإنفاق، وإحاطة نفسه بالأعوان والحرس، وعشقه لاقتناء السيارات
الفارهة. وقد ربطته المصادر بأعمال التهريب في اللاذقية، وغسيل الأموال لحساب
شخصيات في العراق، واستخدام نفوذه للسيطرة على قطاعات تجارية واسعة في سورية،
ونظراً لما تسبب به ماهر من إحراج لنظام آل أسد في سورية؛ فقد كتب باتريك سيل
قائلاً: "إن الرئيس بشار أسد يواجه الآن موقفاً شبيهاً بموقف والده الرئيس الراحل
حافظ أسد مع شقيقه رفعت أسد عام 1984، والتي انتهت بانحياز قادة القوى المسلحة،
وبالأخص منها القوات الخاصة بقيادة اللواء علي حيدر إلى جانب الرئيس حافظ لخلع
شقيقه ونفيه إلى موسكو"، ودعى باتريك سيل بشاراً إلى اغتنام هذه الفرصة للتخلص من
شقيقه والشروع في مشروع إصلاحي شامل.[8]
2- ابن خالة رئيس الجمهورية العميد عاطف نجيب،
الذي عرف بسوء تعامله مع زملائه ومرؤوسيه، كما ارتبط اسمه بالكثير من قضايا الفساد
المالي والأخلاقي، فاتهم بالاستيلاء على أموال بعض التجار، وممارسة التهريب من خلال
شركته التي أسسها "للاستيراد والتصدير"، مستفيداً من خدمات شقيقه النقيب عمار نجيب
أثناء توليه منصب رئيس مفرزة الدبوسية بالأمن العسكري، ويتمتع نجيب بعلاقة وثيقة مع
بشار أسد الذي
نقله إلى فرع الأمن السياسي في دمشق برتبة عقيد،
ثم رقاه إلى رتبة عميد وعينه مديراً لفرع الأمن السياسي في درعا. وكان إقدام عاطف
على اعتقال بعض النساء والأطفال من أبناء درعا وتعذيبهم، هو السبب الرئيس في اتساع
حركة الاحتجاجات، ويتهمه أهل المدينة وضواحيها بإطلاق الرصاص الحي على أبنائهم مما
أدى إلى مقتل أكثر من مائتي شخص، وإصابة المئات.
3- أسرة آل مخلوف (عائلة أنيسة مخلوف والدة بشار)،
التي تقدر ثروة بعض أفرادها بأكثر من ثلاث مليارات دولار، وتستحوذ على قطاع ضخم من
الاقتصاد السوري، وتتهم بممارسة الاحتكار، والاستفادة من التسهيلات التي تحصل عليها
نتيجة نفوذها في القصر الجمهوري، ومن أهم أعضائها: محمد مخلوف في قطاع النفط، وحافظ
مخلوف في قطاع الأمن، ورامي وإيهاب في قطاعات: الاتصالات، والإنشاءات، والطيران،
والسياحة، والمصرف العقاري، والتجارة الحرة المعفاة من الضرائب في المطارات.
4- ضباط المؤسستين؛ العسكرية والأمنية
وعلى رأسهم: صهر الرئيس، نائب رئيس الأركان العماد آصف شوكت، الذي يرتبط اسمه
بالكثير من التجاوزات المالية، وحيث إن مهمة عادل سفر تتضمن: "تعزيز الوحدة
الوطنية"، فإنه سيواجه مأزقاً كبيراً في التحقيق مع عناصر المخابرات العسكرية
ورئيسها اللواء عبد الفتاح قدسية بتهمة قتل نحو مائتي مواطن من سكان مدينة درعا،
ومدير المخابرات الجوية اللواء جميل حسن، ومدير المخابرات العامة اللواء علي مملوك
الذي تورط أفراد جهازه في جرائم القتل والتعذيب والتعدي على جثث القتلى بشكل علني
في شوارع درعا وغيرها من المحافظات.
5- عصابة "الشبيحة":
وهي مجموعة خارجة عن القانون، تستقطب أشخاصاً يتميزون بالبنية الضخمة والتدريب
القتالي وتنشط في الساحل السوري، ويقودها أفراد من آل أسد من أبرزهم: منذر أسد،
وهلال أسد، وأمير أسد، وحافظ أسد (الصغير)، وعلي أسد، وشخص يسمى: "شيخ الجبل"،
وسومر أسد، وسوار أسد، ويشمل نشاطها: تهريب مختلف البضائع كالدخان، والمخدرات،
والكحول، والخمور، والأسلحة، والسيارات المهربة والمسروقة، وقطع الغيار، والأجهزة
المنزلية، والسجاد. وهم لا يتوانون عن قتل أي أحد يعارضهم، ولهم نقاط تفتيش خاصة
بهم داخل مدينة اللاذقية وخاصة في حي الزراعة حيث يوجد منزل فواز الأسد وشيخ الجبل.
وقد برز منهم في الآونة الأخيرة: نمير بن بديع أسد، الذي ارتبط اسمه بعملية السطو
المسلح على فندق سميراميس بدمشق عام 2004، وظهرت صورته في عملية اقتحام شركة الهرم
للحوالات بدمشق في فبراير 2005، كما هاجمت عصابته سيارة شرطة عسكرية و"حررت" سجيناً
من أفراد العصابة عند جسر حرستا في شهر مايو من العام نفسه، ولا يزال نمير ينشط في
الساحل السوري، حيث ربط أهل اللاذقية وطروطوس جرائم القتل الأخيرة بعصابته التي
يعرف أهل الساحل أفرادها كجباة للضرائب وحرساً لموكب "الزعيم" نمير.
هل ينجح عادل سفر في "محاربة الفساد"؟
شن النظام السوري في السابق عدة حملات ضد الفساد، وذلك في الأعوام 1977، و1979،
و1987، و2000، وهو يتوعد اليوم بشن حملة خامسة، إلا أن هذه الحملات قد أودت برؤساء
الحكومات المتعاقبة ووزارئهم، وقصرت دون الوصول إلى المتهمين الرئيسين في تفشي
ظاهرة الفساد.
ولا يتوقع لحكومة يرأسها عادل سفر أن تنجح في تحقيق ما عجزت عنه الحكومات السورية
منذ نحو نصف قرن؛ فالحكم الشمولي يعتمد على الحزب الواحد، والفكر الواحد الذي لا
يقبل بتعدد الآراء، والمرشح الأوحد لرئاسة الجمهورية، والسيطرة الشاملة على جميع
المقدرات الاقتصادية للبلاد، ولا يتأتى ذلك إلا عبر توزيع مصادر الثروة على دائرة
مغلقة من الأقارب والأصدقاء المحيطين بشخص الرئيس.
فأجواء القمع والإرهاب هي مرتع الفساد، ومنشأ الأمراض العامة التي تصيب المجتمع؛
كغياب المسؤولية، وانتشار الرشوة، وغياب آليات المحاسبة، وتفشي المواربة والنفاق.
وقد دأب أقطاب النظام على تعيين رؤساء حكومات مغمورين، وسلبهم جميع صلاحيات الحكم
بهدف المحافظة على ثرواتهم ومكاسبهم، ولا يخرج عادل سفر في هذا الإطار عن سابقيه.
والحقيقة هي أنه لو أراد عادل سفر أن يعيد ترتيب أوراقه لدى الإعلان عن تشكيل
حكومته في 15 أبريل 2011، فإنه سيجد نفسه في موقف مماثل لموقف محمود الزعبي عندما
قرر الانتحار في شهر مارس 2000![9]
ذلك أن سفر قد اعترف في عدة مقابلات رسمية سابقة عن تقصيره في محاربة الفساد وعجزه
عن محاسبة الموظفين في وزارته، ففي مقابلة رسمية في شهر فبراير 2011، أبدى سفر قلقه
من ضعف أداء وزارته، مؤكداً أن سورية: "مازالت تعاني من مشكلة أساسية
هي مشكلة التسويق وتصريف فوائض الإنتاج الزراعي"، وفي أثناء اللقاء اعترف سفر بأن
الوزارة قد أخفقت في تبني سياسة ناجحة لتسويق المنتجات الزراعية، مضيفاً أن سوريا
قد بلغت في فترة توليه وزارة الزراعة: "خط الفقر المائي"!
وتتضمن قائمة الاتهامات الموجهة إلى سفر أثناء توليه وزارة الزراعة (2006-2011):
تراجع إنتاج البلاد من المحاصيل الزراعية، وارتفاع أسعارها في السوق المحلية،
وفقدان ديناميكية التحرك بسبب بطئ الإجراءات والعجز عن التلاؤم مع المتغيرات
المناخية، وعدم إدراك أهمية إعادة النظر في المساحات المروية والمساحات البعل
لمحصول القمح مما أدى إلى تراجعه، ونتج عن ذلك تحول سوريا من بلد مصدر إلى مستورد
للقمح.
ولكن الانتقاد الأكبر الذي وجه إلى عادل سفر هو سوء إدارته، وتغاضيه عن فساد بعض
المديريات، وفشله في مواجهة الفساد في وزارته، وغياب آليات محاسبة الموظفين
المتسيبين.[10]
وتؤكد المصادر أن تفاقم أزمة المياه، وانتشار الفساد والمحسوبية في وزارة الزراعة
إبان عهد سفر قد أديا إلى تشريد مئات الآلاف من المزارعين، وكان هذا العامل أحد
الأسباب التي سببت الاحتجاجات الشعبية في المناطق الريفية بصفة خاصة.
ونظراً لأن سوريا عانت في السنوات الثلاث الماضية من جفاف أثّر على الإنتاج الزراعي
فقد أطلق السوريون على عادل سفر لقب: "وزير الجفاف"!
ويبدو أن مشكلة "الجفاف" قد أصبحت سمة ملازمة لرئيس الوزارء الجديد، فبالإضافة إلى
اللقب الذي حازه في وزارة الزراعة، يتولى عادل سفر منصب المدير العام للمركز العربي
لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة منذ عام 2002!
وعندما نشر رسم كاريكاتوري يسخر من وزير الزراعة ويربطه بظاهرة الانحباس المطري،
علق سفر: "لتمطر السماء، وليرسموني كما يريدون"![11]
[1]
صحيفة الشرق الأوسط 22/10/1987، مجلة المجلة 11/11/1987، ومجلة
التضامن 21/11/1987.
[2]
نشرت مجلة الإكسبرس الفرنسية عام 1987 تحقيقاً مطولاً حول تورطه
في تجارة المخدرات، وبيع الأسلحة، وضلوعه في عصابات سرقة السيارات من ألمانيا
وإيطاليا وبلجيكا عن طريق شبكة يديرها ابنه فراس. انظر مجلة الإكسبرس الفرنسية في
عددها رقم 1869، الصادر في 7 مايو 1987، وقد حافظ رفعت أسد على منصبه نائباً لرئيس
الجمهورية حتى إقالته عام 1998.
[3]
Middle East Watch (1991), Syria Unmasked, London. p. 94.
[4]
مجلة الطليعة العربية، العدد 235، الصادر في 9 نوفمبر 1987،
وكذلك محمود صادق (1993) حوار حول سوريا، لندن، ص.ص 228-229.
[5]
صحيفة القدس العربي، 18 يوليو 2000.
[6]
صحيفة ليبراسيون الفرنسية، 2 نوفمبر 1999.
[7]
ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة ثلاثين وزيراً، ستة عشر منهم كانوا وزراء في حكومة
العطري، وعلى رأسهم وزير الدفاع علي حبيب، ووزير الخارجية وليد المعلم، ومن أبرز
الوزراء الجدد: اللواء محمد إبراهيم الشعار وزيراً للداخلية وكان في الفترة الماضية
يترأس المنطقة الجنوبية (دمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء) في المخابرات العسكرية،
وتتهمه العديد من المنظمات الحقوقية بالمشاركة في العديد من جرائم القتل، ومن
أبرزها مشاركته في مجزرة سجن صيدنايا (يوليو 2008)، ويقول نشطاء حقوقيون إن الشعار
معروف بـ"تاريخه الدموي" منذ أن كان برتبة نقيب ومسؤولاً عن قسم المداهمة في فرع
اللاذقية بالمخابرات العسكرية، ثم فرع التحقيق في حمص تحت إمرة اللواء غازي كنعان
مطلع الثمانينات، وقد أبعد الفريق الاقتصادي في حكومة محمد ناجي عطري بالكامل، حيث
خرج نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري الذي كان مسؤولاً عن
تنفيذ برنامج التحول نحو ما سمتها الحكومة "سياسة السوق الاجتماعي"، كما خرج وزير
المالية محمد الحسين ووزير الصناعة فؤاد عيسى الجوني، في حين تسلمت لمياء عاصي
وزارة السياحة بدلاً من وزارة الاقتصاد والتجارة.
[8]
صحيفة الحياة، 28 أكتوبر 2005.
[9]
وفق الرواية الرسمية لمقتل رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي.
[10]
زياد غصن، الخبر، 23 فبراير 2011.
[11]
وكالة رويترز، 3 أبريل 2011.