ماذا وراء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؟
"المشروع لم ينل إعجاب واشنطن يومًا، ولن يعجبها في المستقبل أيضا"
هذه تصريحات محمد طلحة مدير مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو يتحدث عن الموقف الأمريكي من هذا المشروع.
والسؤال الآن لماذا تعادي أمريكا هذا المشروع؟
هل هي أسباب اقتصادية فقط، أم أن هناك تأثيرات جيوسياسية على المكانة الاستراتيجية الأمريكية في العالم؟
الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني مشروع اقتصادي ضخم، يهدف إلى إنشاء طريق بري يشتمل على شبكة طرق، وسكك حديدية، وخطوط أنابيب للنفط والغاز لمسافة ثلاثة آلاف كيلومتر يربط بين مدينة كاشغر الصينية وميناء غوادر الباكستاني، لنقل البضائع والنفط والغاز.. وهو واحد من المشروعات الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق التي هي في الأصل طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
وتبلغ تكلفته الاجمالية ما يناهز خمسين مليار دولار ارتفع بعد ذلك وفق وكالة الأناضول إلى 64 مليار دولار.
ويهدف المشروع إلى أن يوفر للصين أقل تكلفة نقل إلى إفريقيا والشرق الأوسط، فيما سيعود على باكستان بمليارات الدولارات لتوفيرها تسهيلات العبور لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
اقترح الممر للمرة الأولى رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ أثناء زيارته لباكستان في مايو عام 2013، بهدف تعزيز التواصل والتنمية المشتركة بين البلدين.
في العام 2014، وقعت الصين وباكستان اتفاقية مشروع الممر الاقتصادي المشترك بين البلدين.
في ديسمبر عام 2017، أُعلنت خطة الممرّ الاقتصادي الصيني- الباكستاني الطويلة المدى (2017-2030)، التي وافقت عليها حكومتا الصين وباكستان. الخطة تربط مبادرة "الحزام والطريق" مع "رؤية باكستان 2025"، وتحدد المجالات الرئيسية للتعاون الثنائي، بما في ذلك الاتصالات والطاقة والتجارة والحدائق الصناعية والزراعة وتخفيف حدة الفقر وتحسين معيشة الشعب والأعمال المصرفية.
في نوفمبر 2018 استقبل رئيس الوزراء الصيني نظيره الباكستاني عمران خان، الذي صرح بعدها، "في العام 2013 كان الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني مجرّد فكرة. أما الآن فهو واقع".
وصرح محمد طلحة مدير المشروع من الجانب الباكستاني، أنه سيتم بناء 29 مدينة صناعية على مسار الممر الاقتصادي، ما من شأنه تأمين فرص عمل كثيرة، وبالتالي تحقيق تنمية اقتصادية وزيادة مستوى الرفاهية بالبلاد.
في يناير عام 2019 عقد اجتماع داخلي في باكستان أشار فيه رئيس وزراء باكستان عمران خان، إلى أن مشروعات الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني المكتملة كانت في صالح باكستان، وستتيح للشعب الباكستاني فرصا كبيرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأعرب عمران خان عن أمله بالإسراع في بناء الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، وأصدر تعليمات بإنشاء لجنة استشارية لأعمال الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني لتزويد الحكومة بتوصيات سياسية لتشجيع بناء المجمع الصناعي في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
في التاسع عشر من مارس عام 2019، عقد في بكين الاجتماع الأول فيما أطلق عليه آلية التشاور المشترك للأحزاب السياسية في إطار الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، حيث أشار سونغ تاو، رئيس دائرة الاتصال الدولي باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إلى أن هناك ما يقرب من 22 مشروعا قيد الإنشاء، وقد تم إنشاء بعضها، باستثمارات إجمالية قدرها 19 مليار دولار أمريكي. وبفضل ذلك تم توفير أكثر من سبعين ألف وظيفة للسكان المحليين في باكستان، وتعزيز نمو الاقتصاد الباكستاني إلى حد كبير."
ويبدو أن الجيش الباكستاني يدعم أيضا المشروع، حيث يمثل الجيش العنصر الثابت في الاستراتيجيات الباكستانية، واللاعب الأساسي من وراء الستار، بينما تتعاقب الحكومات وتتغير عن طريق الانتخابات، حيث زار قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بكين في نوفمبر الماضي، والتقى بالرئيس الصيني ليطمئنها على استمرار المشروع بعد فوز عمران خان بمنصب رئاسة الوزراء...
وتسعى باكستان توسيع التعاون في الممر الاستراتيجي ليكون ثلاثيا بدلا من كونه ثنائيا بضم المملكة السعودية لهذا المشروع الاستراتيجي وقد زار وفد من رجال الأعمال والمستثمرين وأعضاء الغرف التجارية والصناعية السعودية في يناير الماضي ميناء غوادر الباكستاني بحسب صحيفة الشرق الأوسط، الذي يُعتبَر النقطة المحورية لمشروع الممر الاقتصادي الباكستاني واطّلع الوفد خلال الزيارة على الإمكانات والفرص الاستثمارية المتوفرة في الميناء، والمناطق التابعة له، فضلاً عن فرص الاستثمار المتاحة في المناطق الاقتصادية الخاصة الملحقة بمشروع الممر الاقتصادي. وأوضح السفير السعودي لدى باكستان نواف المالكي، أن السعودية حريصة على الاستثمار في مشروع الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني، وسيتم الإعلان قريباً عن الاستثمارات السعودية في ميناء غوادر، منوهاً بأن الاستثمار السعودي سيُسهِم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في باكستان.
وبعدها في شهر فبراير الماضي تم تدشين بالفعل أول مشروعات المملكة في هذا المشروع وهي مصفاة نفط بكلفة 10 مليارات دولار، بالقرب من مدينة غوادر. ويعتقد وانغ زيمين خبير المعهد الصيني للاقتصاد والتجارة الخارجية، أن الصين هي التي أنشأت منصة التعاون بين باكستان والمملكة العربية السعودية، ويقول عن ذلك: يتطلب تنفيذ هذا المشروع استثمارات كبيرة، والتمويل من الجهة الصينية محدود، لذلك ظهرت حاجة إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال الدولية.
هناك عدة مكاسب استراتيجية لكل من الصين وباكستان في هذا المشروع الذي يعتبر حلقة وصل بين أربعة مناطق، هي: الصين، جنوب آسيا، آسيا الوسطى، والشرق الأوسط.
بالنسبة للصين: فإن الهدف الاستراتيجي لديها هو الوصول إلى الهيمنة العالمية عبر القوة الناعمة وهي التغلغل الاقتصادي ويجيء الممر الصيني الباكستاني كجزء من مشروع صيني عملاق يحيي طريق الحرير القديم وهو طريق قديم كان يبلغ طوله حوالى 12 ألف كيلو متر، حيث يمتد من المراكز التجارية في شمال الصين وينقسم إلى فرعين، الفرع الشمالي يمر عبر شرق أوروبا والبحر الأسود، وشبه جزيرة القرم وصولاً إلى البندقية، والفرع الجنوبي يمر عبر سوريا وصولاً إلى كل من مصر وشمال أفريقيا، أو عبر العراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وتحاول الصين احياء هذا الطريق منذ عام 2013 بمبادرة "الحزام والطريق"، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية ومشاريع للطاقة. وهي تلك المحاولة التي لاقت تجاوباً ومشاركة واسعة من نحو 65 دولة مطلة على هذا الطريق، ولكن من وافق منها حتى الآن 50 دولة.
وبالطبع سوف ترى الولايات المتحدة التي تتربع على قمة النظام الدولي، أن مبادرة الحزام والطريق الصينية سوف تزعزع هذا التفوق الأمريكي، وتؤكد مجلة ناشيونال إنترست الأميركية على هذه الحقيقة، فتذكر إن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين تمثل حقبة جديدة من المنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين. وتضيف المجلة، أن تمويل الصين لمشاريع التنمية والبنية التحتية يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية وإستراتيجية لبكين على حساب الولايات المتحدة.
بالنسبة لباكستان، فإن المشروع يجعل باكستان قوة فاعلة وأكثر استقرارًا إقليميًا واقتصاديًا كما يعزز من قوتها وأوراقها أمام الهند منافستها التقليدية، والتي تحاول أن تحقق حلمها القديم باستعادة نفوذها وهيمنتها على أرض الهند التاريخية، والتي فضل المسلمون الانفصال بمناطقهم عن الهندوس، كما أن هذا المشروع المغضوب عليه أمريكيا، يعتبر ورقة في مفاوضات طالبان مع امريكا، والتي في حقيقتها هي مفاوضات باكستانية أمريكية حيث باكستان هي الراعي الحقيقي لطالبان.
ولتجسيد أن الممر الاقتصادي هو ورقة في الشد والجذب بين أمريكا وباكستان ففي 2018، علّق البيت الأبيض ملياري دولار من المساعدات العسكرية لباكستان، بينما دعم في الوقت نفسه الهند بشراكات اقتصادية وعسكرية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الهند في أحضان أمريكا الدافئة (التي لا يمكن الاعتماد عليها)، تجد باكستان نفسها مقترنة بحليفها الصيني.
ويتفق العديد من المحللين والسياسيين وضباط الجيش الصينيين والباكستانيين، على أن العلاقة الأمريكية الهندية تسعى جاهدة لتقويض المبادرة والممر ومنها دعم الاضطرابات في منطقة بلوشستان الباكستانية والتي يمر الممر خلالها وذلك عبر تمويل الجماعات الإرهابية المتمركزة في بلوشستان، مثل جيش تحرير بلوشستان.
وفي عام 2016، صرّح نزار بالوش، رئيس جبهة تحرير البلوش المدعومة من المخابرات الهندية، صرّح علنًا بترحيبه بكل مساعدات الهند، ووعد بمزيد من الهجمات على الممر.
ولكن يبدو أن الاصرار الباكستاني الصيني على المضي قدما في هذا المشروع سوف يتجاوز التحديات الاقليمية والدولية التي تحاول عرقلته.