استهداف القدرة الصناعية للمقاومة الفلسطينية
عمدت قوات الاحتلال الصهيوني بعد ثلاثة حروب على قطاع غزة إلى محاولة تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية من خلال استخدام سياسة جز العشب (Grass Roots)، التي تقوم على تدمير قدرات المقاومة بين الفينة والأخرى، كي لا تتعاظم تلك القوة ويصعب السيطرة عليها لاحقاً، لذا فإنها عمدت إلى افتعال كثير من المناوشات لضرب قدرة المقاومة الصناعية.
وحيث أن قطاع غزة منطقة جغرافية صغيرة، مكتظة سكانياً، لا تتجاوز الـ365 كيلو متر مربع، محاصرة من جهات أربع، ما بين احتلال وبحر، فإن المقاومة تحاول تطوير قدراتها الصاروخية في أماكن سكانية عادية، فالحدود المتاخمة للاحتلال يسهل قصفها أو اجتياحها، لذلك فإنها تعمل في الليل أو تحت الأرض كي تحافظ على سريتها وديمومتها، ثم بعد ذلك لا يبقى مكان للاحتفاظ بتلك الصواريخ سوى باطن الأرض.
والمؤسف أن إسرائيل من خلال عملائها العرب والمحليين ووسائل التكنولوجيا المتطورة لدى هؤلاء العملاء، بالإضافة إلى التنصت على الأجهزة المحمولة لأفراد الفصائل الفلسطينية أو تتبع الانترنت أو إسقاط بعض رجالات المقاومة نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وصلت إلى بعض الأماكن التي يتم فيها تخزين الصواريخ والكورنيت وقذائف الهاون وغيرها. ورغم ذلك، فدولة الاحتلال لا تستطيع أن تخوض حرباً لأنها لا تجد المبرر الذي يمكن أن يمنحها غطاء شرعياً لتنفيذ هجماتها ضد الفلسطينيين ورجالات المقاومة، لذا فإنها عمدت في الآونة الأخيرة إلى دفع البعض لإطلاق صواريخ من خلال جماعات وهمية، تتبع في نهاية المطاف للاحتلال وأجنداته، لما سيكون ذلك من نتائج مبررة بالرد على تلك الصواريخ، وعليه، تقوم طائرات الاحتلال بقصف مواقع إستراتيجية للمقاومة، بحجة الرد على إطلاق الصواريخ من غزة.
المقاومة تتألم بصمت، لكنها لا تعلن عن ذلك، وهي تحاول من خلال قوات الضبط الميداني التابعة للمقاومة منع إطلاق صواريخ سيكون لها التأثير السلبي الكبير على تزايد قوة المقاومة. ولعل هذا ما يدفع بالقول إن قوات الاحتلال الصهيوني باتت اليوم تخشى التصعيد بشكل كبير ضد المقاومة، وإنما قصف بعض الأماكن وليس القادة أو بيوتهم.
ورغم ذلك، يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية تتعلم كل لحظة الأساليب والطرق والوسائل التي يمكن لها أن تطور من قدراتها القتالية في مواجهة بطش المحتل الغاشم. فما تم اكتشافه خلال عدوان 2014 من قدرات قتالية جديدة لم تكن في الحسبان، أذهل صانع قادة المقاومة السياسي قبل أن يذهل العدو نفسه، فمن البندقية القناصة (غول) إلى طائرة (أبابيل) المفخخة، إلى طائرات أخرى ربما يتم الإعلان عنها في الوقت الذي ستقرره المقاومة نفسها، بالإضافة إلى الصواريخ المنوعة والتي تتطور كل يوم، وتحاول المقاومة تجربتها بإطلاق تلك الصواريخ تجاه البحر، وهو ما جعل الاحتلال بعد إطلاق كل صلية صواريخ إلى متابعة مكان الصاروخ وقوته التدميرية، وهو ما يؤكد القول إن صواريخ المقاومة باتت تصل كل أجزاء الوطن، حيث لم يعد هناك أحد في مأمن، لكن ذلك لا يعني خوض الحرب في ظل الفقر والحصار الذي تقوده دولة الاحتلال بالإضافة إلى أحلافها في المنطقة.
ورغم حالة الفقر، إلا أن الشارع الفلسطيني يقف احتراماً للمقاومة التي تعمل في ظل الحصار على إنشاء منظومة عسكرية قوية، وقوة صناعية عسكرية من أجل حماية الكيان الفلسطيني، بخلاف الأنظمة العربية التي جعلت من جنودها أدوات لمشاريع استثمارية خاصة بالقادة لتلك الدول. وهو ما يدفع بمحاولة كثيرين الزج بالمقاومة في أتون حروب داخلية يتم صناعتها من أجل انشغال الأخيرة بقضايا هامشية عن الأساس الذي نشأت من أجله.
استهداف القدرة الصناعية للمقاومة الفلسطينية، ليس وليد اللحظة، بل تم منذ تأسيس القوى العسكرية، وهو مستمر إلى مالا نهاية، لحين تدجين قادة المقاومة، الأمر الذي يصعب تحقيقه. لكن جميع رجالات المخابرات في المنطقة العربية وغيرها يحاولون تدمير قدرة المقاومة لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل ما يطرح من صفقة مخزية يقودها أرعن مجنون في الولايات المتحدة الأمريكية.
المقاومة الفلسطينية لن تتوقف عن تطوير قدراتها، ومهما بلغ بها الأمر من قهر وجوع، فإنها تعرف أن البوصلة هي القدس، لذا التجهيز والعتاد فرض لا يمكن التنازل عنه، وكي يكون هناك قوة ردع وكي للوعي الصهيوني، خصوصاً في ظل تغول الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة وفي المنطقة العربية أيضاً.
ربما، تألمت المقاومة إلا أن قوتها تتطور، وترتقي، خصوصاً في ظل العولمة، وانتشار الأفكار والمعلومات، حيث أنها لم تعد حكراً على أحد، وقوة العقل الفلسطيني وصلابته، بالإضافة إلى العزيمة الكبيرة والقوية بعد التوكل على الله من أجل تحرير كامل تراب فلسطين.