تيه بني إسرائيل بين الأمس واليوم
منذ أشهر تحاول الأجهزة الحكومية الإسرائيلية الحصول على حق تنظيم واستضافة تل أبيب لمسابقة الأغنية الأوروبية "يورو فيجن" في منتصف مايو الجاري لإثبات هوية الكيان الصهيوني وإنتمائه للجسد الأوروبي لكن في ظل موجة الإشتباكات الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وبين الجيش الصهيوني قد تدفع الحكومة الصهيونية ثمناً إقتصادياً جديداً مقابل غطرستها بفشلها في تنظيم هذا الحدث الكبير بالنسبة للأوروبيين بسبب استمرار إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المستوطنات الصهيونية. تكثر التأويلات والتحليلات حول الأحداث المتجددة في معركة طويلة الأجل بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني فالبعض يعزوا ذلك لمحاولة إفشال صفقة القرن التي من المفترض أنها المُشرّع لوجود إسرائيل أو أنها جولة مؤقتة للضغط على إسرائيل والحصول على بعض الحقوق المسلوبة لسكان القطاع لا سيما وأنها إنطلقت بالتزامن مع وجود وفد من فصائل المقاومة في القاهرة وحاجة الكيان للهدوء مع إقتراب موعد "اليورو فيجن" المقرر في 15 مايو الحالي.
حينما قص القرآن الكريم قصة نبي الله موسى عليه السلام مع اليهود ورفضهم دخول الأرض المقدسة امتثالاً لأوامر الله تعالى بحجة الخوف والجبن، تزامن ذلك مع خطاب متغطرس و وقح مع موسى عليه السلام وربه حينما قالوا له }فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{. في هذه الأيام خطاب هذه السلالة التي حدد القرآن الكريم علاقة المسلمين بها حتى قيام الساعة لا يزال خطاب متغطرس وقح لم يختلف في شيء عن سابقه إلا أنه هذه المرة جاء مسنوداً بمؤازرة ضعاف النفوس وعديمي الإنتماء لدينهم وقيمهم وإنسانيتهم ليس لشيء إلا لإنعدام يقينهم بدين الله وجهلهم بفقه شريعتهم وأمور عقيدتهم.. لكن دورة الزمان ليست واحدة مثلما أكد النص القرآني في سورة آل عمران في قولته تعالى: }وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{. فقد بعث الله تعالى على بني إسرائيل بعد عقود من مخالفتهم لنبي الله موسى عليه السلام بجيل جديد بقيادة نبي الله تعالى يوشع بن نون ألجم غطرستهم وأنزل فيهم حكم الله تعالى ودخل المدينة المقدسة مظفراً بنصر الله تعالى.
بقدر ما تنقل وسائل الإعلام العالمية والعربية الكثير من التفاصيل عن جولات المفاوضات بين الوفود الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية والكيان الصهيوني، إلا أن العقل الجمعي الفلسطيني سواء في أزقة المخيمات أو في دواوين المجالس العامة أو خلال مظاهرات مسيرات العودة لديه قاعدة واحدة مستندة في تحليل نتائج الصراع مع العدو الإسرائيلي إلى سنة التداول القرآنية التي بشرت بزوال بني إسرائيل وإنتهاء ملكهم وإستعادة المسلمين لأقصاهم. رغم وجود الكثير من الألسنة التي تهرف بما لا تعرف وتدعم دولة الاحتلال وهي ظاهرة تعبر عن إضمحلال الوعي العربي والإسلامي وتضخم ظاهرة " الإمعات"، بالإضافة إلى مواقف هنا وهناك تسير على نفس البوصلة إلا أن الواقع في فلسطين يغير ولا يتغير وهذا ما أكد عليه رسولنا عليه الصلاة والسلام بقوله"وحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ". فهي سنة الله في خلقه لا يغلبها منافق ولا فاجر إلى أن يأتي أمر الله سبحانه وتعالى. لا تزال هناك كتلة بشرية ضخمة تقاتل وتؤمن بمشروعية مقاومتها وحقها في الدفاع عن وطنها الذي تم سلبه بشرعية دولية مزورة هي ذاتها التي شرعت تدمير ليبيا وسوريا والعراق وصمتت على جرائم إيران في اليمن. يعتقد البعض أن صفقة القرآن تشريعاً أمريكياً لا يمكن أن يفشل لكن مثل هؤلاء لا يفقهون شيئاً في تاريخ الصراع بين الكيان الصهيوني و الفلسطينيين منذ عقود، فالإعتراف بشرعية الاحتلال وجعله أمراً واقعاً يلزمه أولا وقبل كل شيء إقناع كل مسلم يولي وجهه نحو مكة المكرمة بأن اليهود الذين أعلن عليهم القرآن الكريم الحرب إلى يوم الدين هم اليوم حلفائهم، ثم أن هذا السرطان المزروع في منتصف الجسم العربي يحتاج لتقبله لإجبار الجمهور العربي على نسيان دماء عشرات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا بجرائم الاحتلال الصهيوني في حروبه على سوريا ولبنان ومصر وفلسطين و الأردن، بالإضافة إلى التخلص من الكتلة البشرية الفلسطينية التي يزيد تعدادها عن ستة ملايين عربي مسلم يعيشون داخل جغرافيا الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتبقى غزة أصغر المعارك التي تعجز إسرائيل عن حسمها منذ عقود رغم خوضها ثلاثة حروب فتاكة لحسمها لكن تلك سنة الله في بني إسرائيل فقد جمعهم الله لهلاكهم لا تشييد دولتهم الكبرى كما يحلمون.