الجنس.. أكبر أزمات الكنيسة الكاثوليكية منذ الإصلاح
بدأت الفضائح الجنسية المكتشفة في الفترة الزمنية الأخيرة تزيد من تعميق الإنقسامات داخل الكنيسة. بسبب التقارير الأخيرة التي كشفت آلاف الفضائح الجنسية تعاني الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا وتشيلي والولايات المتحدة وأستراليا من أكبر أزماتها منذ 500 عام.
فقد وثق أحد التقارير تعرض ألف طفل لتحرش جنسي من قبل 300 كاهن في الولايات المتحدة على مدى سبعة عقود. الموجة الأخيرة من سلسلة فضائح الفساد لم تكن مؤلمة للكنيسة بسبب اكتشافها في ظل استمرار مثل هذه الفضائح بل لأنها تمس مسؤولين كنسيين على مستوى عالى يقومون بالتستر على مثل هذه الفضائح. استقال الكاردينال ثيودور ماكاريك، رئيس أساقفة واشنطن السابق، من كلية الكرادلة في يوليو الماضي بعد إتهامه بالإعتداء على قاصرين كان يشرف عليهما. كانت فضيحة ماكاريك مثيرة للغرابة لكونه هو من تولى الدفاع عن الكنيسة حينما اتهمت بفضائح مشابهة عام 2002. في أواخر أغسطس الماضي نشر رئيس الأساقفة كارلو ماريا فيغانو، وهو دبلوماسي بابوي سابق، رسالة قال فيها إن بابا الكاثوليك يقوم بالتستر على هذه الفضائح منذ سنوات. تنقسم الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة بين الأجنحة المحافظة و التقدمية ويدعم الكاثوليك الجدد رسالة فيغانو ويطالبون بإستقالة البابا الذي يعتقد أنه يميل إلى تأييد المثلية الجنسية من خلال ضعف ردود فعله إزاء الفضائح الجنسية لأعضاء الكنيسة.
تقول مجلة فورين آفير إن ما تمر به الكنيسة الكاثوليكية يشبه إلى حد كبير حركة الإصلاح البروتستانتي التي نشأت في القرن السادس عشر بسبب فضائح كنسية أبرزها صكوك الغفران وشراء رجال الدين المناصب العليا بالمال وتمخض عنها خروج هوية جديدة للكنيسة عرفت المسيحية البروتستانتية المنتشرة في أوروبا.
يتم متابعة أزمة الفضائح الجنسية منذ أكثر من 50 عاماً بواسطة مكتب البابا الذي يرفض إجراء أي تغييرات على (الكوريا الرومانية) التي تغير هيكلها قليلاً منذ عام 1588م، وهي تمثل الجهاز الإداري والتنفيذي الذي يدير شؤون الكنيسة الكاثوليكية حول العالم. وبحسب المجلة فإن الكوريا تعاني من تضخم في الفساد ونقص في التمويل وإنعدام المحاسبة ومتابعة الكنائس المحلية ونقص في عدد الموظفين، إذ يقدر عدد العاملين فيها 5000 أسقف حول العالم. في زمن الإصلاح البروتستاتني كانت الخلافات بين المسيحيين تتمركز حول دور " الكتاب المقدس" في حياة المسيحيين، أم اليوم فإن الصراع متواصل بين الكاثوليكيين حول تعاليم الكنيسة حول الجنس. يعتقد تيار واسع من المسيحيين أن الكنيسة ترفض إحداث إصلاحات تتعلق بالزواج والجنس وهذا الأمر يؤكد على أن الكنيسة ترفض محاربة المثلية الجنسية.
الإنقسامات داخل الكنيسة الكاثوليكية تنعكس غالباً على الحالة الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة، فحيث يميل الكاثوليك المحافظون إلى أي تشريع يمنع تجريم الإجهاض يعارض التقدميون ذلك، وبينما يؤيد المحافظون حق الجميع في حمل السلاح دون قيد يرفض التقدميون ذلك. ومثلما تسبب الإصلاح في الإنهيار الديني للإمبراطورية الرومانية المقدسة في عهد شارل الخامس فإن التأثيرات الجيوسياسية سيكون لها أبعادها على الكنيسة الكاثوليكية، فلقد قام البابا فرنسيس بتحويل أنظار البابوية عن الغرب إلى آسيا في سبتمبر الماضي حينما زار الصين وحصل على إتفاق تاريخي بالإعتراف بالكنيسة الكاثوليكية غير الرسمية الموجودة هناك. لقد فسر بعض الضالعين في علم اللاهوت المسيحي تلك الخطوة بفقدان الكنيسة الكاثوليكية لقدرها على أن تكون روح الغرب.
تقول فورين آفير في تفسيرها لتبعات الإنهيار والإنقساد داخل الكنيسة الكاثوليكية بأن أقرب الإحتمالات حدوثاً هو أن تسير على نفس الدرب الذي سارت فيه الكنيسة الأرثوذكسية وهو أن يصبح للكنيسة الكاثوليكية هويات وطنية وقومية. في الوقت الراهن سيبقى الكاثوليك يتبعون بصفة رسمية الفاتيكان بسلسلة هرمية طويلة من الأساقفة وفي نفس الوقت ستظهر جماعات كاثوليكية تقليدية جديدة لها رعاياها ومناهجها الخاصة، لذلك سيكون من المفارقات العجيبة أن تنجح الكنيسية في تضميد جرحها في الصين بينما تتعمق جروحها في الغرب.