ترامب ومنظمة التحرير
لم تكتف الحكومة الامريكية بقيادة ترامب بإعلان انحيازها الواضح للكيان الصهيوني بل اطلق العنان لها في ممارسة تعنتها وغطرستها في المنطقة واستخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار من شأنه أن يدين دولة الكيان الصهيوني في الوقت الذي ينسف فيه كل جهود الحكومات السابقة المتعاقبة وتعهداتها بتحقيق سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والصهاينة في المنطقة وواصلت جهودها الرامية لتقويض القضية الفلسطينية وانهائها من خلال سياساتها العنصرية ابتداء بوعد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الكيان ونقل السفارة الأمريكية اليها مرورا بتقليص حصتها ومساهمتها في دعم الأونروا ووقف دعمها لموازنة السلطة وتقويض دور المنظمة الدولية وصولا الى اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميا في 10 أيلول / سبتمبر إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وأرجعت الخارجية سبب اغلاقها للمكتب عدم اتخاذ السلطة الوطنية خطوات تجاه إطلاق المفاوضات مع الصهاينة وأن المنظمة لم تقم بأعمالها بهدف تحقيق سلام شامل ودائم بين الصهاينة والفلسطينيين وأدانت الخطة الأمريكية للسلام ورفضت العمل مع الحكومة الأمريكية الجديدة على جهود السلام.
وفي أول رد فعل على القرار الأمريكي أدانت المنظمة القرار واصفة هذه الخطوة بالهجمة التصعيدية المدروسة التي سيكون لها عواقب سياسية وخيمة في تخريب النظام الدولي برمته من أجل حماية منظومة الاحتلال الصهيوني وجرائمه.
وعبرت الحكومة الفلسطينية على لسان المتحدث الرسمي باسمها يوسف المحمود في 10 أيلول / سبتمبر عن أسفها إزاء اتخاذ إدارة الرئيس ترامب مثل هذا القرار الذي تعتبره إعلان حرب على جهود إرساء أسس السلام في المنطقة وإعطاء ضوء أخضر للاحتلال في الاستمرار بتنفيذ سياساته الدموية والتهجيرية والاستيطانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه معتبرة أن هذا النهج خاطئا ومعاديا للشعب الفلسطيني وقضيته وأنه لن يخلف سوى مزيدا من التوتر والقلق في كافة أنحاء المنطقة.
وكشف مقربون من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تسريبات نقلتها القناة العاشرة العبرية أنه يخطط لخطاب هجومي في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر الحالي وسيُحمل ترامب المسؤولية عن تدهور الأوضاع في فلسطين والمنطقة وسيتحدث بكلمات غير دبلوماسية عنه بانه يدعم بسياساته التطرف والإرهاب وسيقود لانفجار العنف في وجه دولته ووجه دولة الكيان وسيعلن ربما قطع العلاقات بشكل كامل مع الإدارة الأمريكية.
وفي الإطار أيد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قرار ترامب إغلاق مكتب المنظمة في العاصمة الأمريكية واشنطن ووصف الخطوة بـالقرار الصائب وعبر عن تأييد كيانه لإغلاق مكتب المنظمة وذلك كي يدرك الفلسطينيون أن رفضهم للتفاوض وإحالة كيانه للجهات الدولية لن يفيد عملية السلام.
ويرى الصهاينة أن الخطوة الأمريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير تعني التضييق أكثر فأكثر على ما تبقى من فرص لإحياء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية والعمل بجانب الأمريكان لمحاولة فرض حلول بلغة الأمر الواقع على الفلسطينيين وأن هذه الخطوة تؤكد على الحقائق التالية:
- طبيعة عمل مكتب المنظمة هي رمزية أكثر منها عملية لتمثيل الفلسطينيين لذا فإنّ خطوة إغلاقه أيضاً هي خطوة رمزية لمواصلة الضغوط على السلطة واتخاذ مزيد من القرارات للتنازل عن نتائج أوسلو.
- إدارة ترامب ستسعى لممارسة مزيدا من الضغط على قيادة السلطة بأشكال مختلفة حتى ترضخ وتعلن موقفا صريحا بقبولها الطرح الأمريكي.
- إدارة ترامب منذ وصولها للحكم لم تتقدم بأي إجراءات ايجابية نحو الفلسطينيين ولم تعد تخفي عداءها الواضح لهم وانحيازها التام للصهاينة بلا مواربة.
- دولة الكيان بدعم ترامب المطلق لها تحقق إنجازات ميدانية لا يمكن التراجع عنها بالضغط السياسي أما ما تحققه السلطة والمنظمة من إنجازات يمكن أن تخسره بين لحظة وأخرى نتيجة الهيمنة الأمريكية.
- باتت الجماعات الصهيونية المتطرفة في الولايات المتحدة هي من تحكم وتقرر ولا ترى في الفلسطيني إلا عدوًّا وتمارس هذا الدور بطريقة واضحة ودون خجل أو تبرير.
- من شبه المستحيل أن تكون الأمم المتحدة ومنظمتها المتمثلة بالمحكمة الدولية المنحازة لأمريكا ودولة الكيان عند لجوء السلطة اليها أداة طيعة في يدها أو يد المنظمة في صراعها مع العدو الصهيوني.
رغم الفشل الذريع الذي وصلت إليه مسيرة التسوية السياسية في عهد عباس لا تزال قيادة السلطة والمنظمة تراهن على هذا النهج من خلال تكريس دورها الأمني في مواجهة المقاومة ورفضها إنجاز المصالحة مع حركة حماس وفرضها عقوبات جماعية ضد قطاع غزة تماهيا مع الحصار الصهيوني عليه كما يكرس التوجه الصهيوني المدعوم بقرارات ترامب وحكومته إبقاء الوضع على ما هو عليه في الضفة الغربية وقطاع غزة عبر تعزيز حالة الانقسام وتكريس حالة عدم الاحتلال المباشر والانتقاص من السيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وصولا لتوسيع الحكم الذاتي بما يتماشى مع تغييب العنوان الرسمي للفلسطينيين عبر انهاء منظمة التحرير الفلسطينية.