الـتـمـييـز الـعنـصـري فـي مـنـاهج الـتعـليـم الصـهيـونيــة
يلمس المتتبع لمقررات ومناهج الكتب التعليمية الصهيونية في مختلف المراحل الدراسية (الابتدائية، والإعدادية، والثانوية) بسهولةٍ جوهرَ القيم التربوية والتوجيه الهادف الذي تحاول زرعه تلك المناهج وتجذيره ضمن أُطُر التربية اليهودية والصهيونية التي رسمتها ووضعتها فِرَقٌ متخصصة من الخبراء والتربويين اليهود العاملين في أجهزة التربية والتعليم الإسرائيلية، وهم من المختارين بدقة وعناية.
لقد دأب الصهاينة على تنشئة أجيالهم على الحقد والكراهية ضد الآخر، وهي مشاعر نابعة - أصلاً - من النظرية الاستعلائية البغيضة: «شعب الله المختار»، واعتبـار سـائر الأمـم الأخـرى (أغيـاراً) لا سيما العرب منهم، وخصوصاً الشعب الفلسطيني.
وينشأ تلاميذهم على هذا الاستعلاء في مختلف المراحل التعليمية، ويرسَّخ في أذهانهم جميعاً عدمُ التعامل مع الآخر على قدم المساواة؛ بل يرون الجميع مذلَّلاً في خدمة من اختيروا - حسب زعمهم - لسيادة العالم وقيادته وهم اليهود الذين يسمون أنفسهم «شعب الله المختار».
ويشهد لهذا الحقد والاستعلاء الكتب والمقررات الدراسية التي توزَّع على أبناء الطوائف اليهودية في إسرائيل: كالتوراة المحرَّفة، والتلمود، وشروح الحاخامات عليها، وغيرها من المصادر التي تشكِّل الركيزة الأساسية للتربية الصهيونية بما تتضمنه من أصولٍ للمعتقَد اليهودي، والأحكام والنصوص التاريخية والأخلاقية، وقوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية؛ فهذه كلها تمثِّل المصدر الأول من مصادر التربية الصهيونية والمرتكز الأساسي للعملية التربوية؛ إضافة إلى المراجع الحديثة والأساسية عندهم في العملية التعليمية، وتغذَّى بمؤلفات حديثة وكتب مدرسية مقررة تشرف عليها وزارة المعارف والثقافة الصهيونية، والطوائف اليهودية الدينية بمختلف أطيافها، وغيرها من الحركات الصهيونية الأشد تطرُّفاً؛ تلك التي تقوم على ترسيخ العنصرية والحقد والكراهية[1].
ويتفق الدارسون المهتمون بمتابعة كتبهم ومقرراتهم على أن السمة المشتركة بينها هي: إثارة العواطف، وتشجيع الأنانية المطلقة القائمة على احتقار الغير وإقصائه.
ويبدأ غرس مثل هاته المعتقدات ابتداءً من مراحل التعليم الأُولَى (رياض الأطفال)، وحتى آخر المراحل الدراسية؛ حيث يتخرج الطالب مشحوناً بالتطرف والعصبية والتمييز العنصري، والاستهانة بالآخر وإهدار كرامته.
وكي لا يبقى غذاء العنصرية مقتصراً على من يكمل مسيرته التعليمية؛ فإنهم يبثون الأفكار نفسها في مختلف الكتب والقصص والحكايات؛ لا سيما المهتمة منها بالتاريخ؛ لشحن مختلف الأطياف والطبقات اليهودية بأقصى درجات العدوانية تجاه كلِّ من هو إسلامي.
ومن أبرز التعابير الواردة في مختلف الكتب المدرسية كما ذكر بعض الدارسين والباحثين: «العرب هم قتلة اليهود»، «الطفل اليهودي ينتصر على الخنازير الجبانة».
وإذا كانت ناشئتهم تُغذَّى بهذا التمييز في طفولتهـا؛ فإنهـم لَـمَّا يكبـرون وينخرطون في الجيش، فسرعان ما يتحولون إلى قتلة سفاحين.
ويعتبرون العرب: «أعداء قساة» يريدون قتلهم، ووجهة نظرهم في العرب: «وددت لو أفعل شيئاً، أن أقبض على هذا العربي وببساطة أن أخنقه»[2].
وغير هاته العبارات كثير من عبارات السخرية والاستهزاء، «واستعراض سريع لمضامين كتب مباحث العلوم الإنسانية، ومن بينها كتب المطالعة المقررة رسمياً للطلبة من الصف الأول حتى الصف الثامن (قراءات إسرائيل)، (وقراءات إسرائيل الحديثة) يبينِّ لنا كم هي محشوة بعبارات التحقير، والأوصاف غير الإنسانية المتوحشة؛ فالكتب والمراجع التي تُقرُّها وزارة المعارف والثقافة الصهيونية لتكون مراجع بين أيدي المعلمين والمربين، هي أشد عنصرية وأكثر فظاعة مما يستخدمه الطلبة أنفسُهم».
واليهودي يربَّى على شعور الاستعلاء، ومفهوم دونية الغيـر متجـذرٌ لديه، معتقـداً أنه لا يوجد في فلسطين سوى اليهود؛ على اعتبار أن غير اليهودي لا حقوق لـه مطلقاً، وهذا الشعور آخذ في الازدياد والتجذر سنة بعد سنة.
أما التـوجه التـربوي في تبـرير اغتصـاب الأرض وإضفاء الشرعية على الاستيطان بحجة الحفاظ على الأمن؛ فيبدأ غرسه في سنين مبكرة بدءاً من السنة الدراسية الرابعة[3].
وهاته المناهج والعقائد الراسخة في ذهن المواطن الصهيوني يستحيل معها تحقيق ما يروَّج له اليوم من دعاوى السلام؛ ما لم يجرِ نسف هذه المناهج من جذورها، وهو الأمر الذي لا يقبل المناقشة عند ساستهم المشبَعين بهاته الأيديولوجيات، المتمسكين بتعاليم التلمود ونصوص التوراة المحرفة التي يحملونها. وأنى لشيء من ذلك أن يكون وجنودُهم تطبع على قمصانها عبارة: «وُلِدنا لنقتُل»، وعامتهم يرون أنه: «لا يظهر المسيح إلا إذا تم قتل العرب». وهاته مقولة صدَّقها وما زال يصدِّقها الملايين من المتصهينين المغرَّر بهم حتى دينياً.
وإضافة إلى هذا النهج العنصري في مناهجهم، فإنهم يقومون بتشويه حقائق الأشياء وتزييفها وتقديمها مكذوبة مزورة؛ لتستقر في ذهن الناشئة كما يشاء الكبراء. من ذلك ما ورد في بعض مناهجهم أن «التعاليم التي انطلقت من شبه الجزيرة العربية أوجدت وأيقظت قلقاً عميقاً في القلوب، لقد قاد «محمد» [صلى الله عليه وسلم] حرب إبادة لجميع الشعوب والقبائل التي لم تتقبل تعاليمه، فأباد قسماً كبيراً من اليهود في الجزيرة العربية»[4].
ومنه أيضاً: «إن البرابرة ممثلي إحدى التيارات الإسلامية الحاقدة وضعوا اليهود في قرطبة أمام الخيار الصعب: إما الطرد أو الإبادة»[5].
وهكذا يقومون بلَيِّ عنق الحقيقة وتزوير الأحداث والوقائع؛ لبثِّ مزيد من الحقد والكراهية لدى القـارئ الـذي ربما لا يكلِّـف نفسـه عناء البحـث عن صـدق ما يقدَّم له أو كـذبه.
ويصفون في مناهجهم الأمة العربية بأبشع وأرذل الأوصاف؛ فهم يعتبرون في كتبهم «العرب مجرد قبائل رُحَّل يقيمون في الصحراء، يعتمدون في رزقهم على النهب والأشغال الوضيعة».
وهذا أحد منظريهم (آحاد هاعام) يوضح الأسلوب التربوي المدروس اجتماعياً والقادر على احتواء السلبيات التي قد تبرز أثناء التطبيق العملي، بصهر اليهود في بوتقة المسيرة التوراتية واضحةِ الهدف والأسلوب؛ فبادئ ذي بدء «تقام حركة يناط بها إنشاء المستوطنات بناءً على خطة ثابتة، ثم تُبنَى مدارس صهيونية وأماكن علمية لتربية جيل يهودي سليم؛ فيتخرج الشباب وقد تربَّوا على حياة جديدة تمكِّنهم من دخول المعارك ضد العدمية وغير اليهود».
ولا يكتفون بغرس دفائن الحقد نحو الشعوب فحسب؛ بل حتى نبينا صلى الله عليه وسلم لم يسلم من لمزهم وهمزهم؛ ومما هو وارد في مقرراتهم: «أن محمداً [صلى الله عليه وسلم] كان يأمل أن ينضم إليه اليهود (يهود المدينة) ولم يرَ أي تناقض بين أقواله وبين معتقدات اليهود». وأن اليهود كانوا يسخرون من محمد [صلى الله عليه وسلم] بسبب قلة معرفته بالتوراة»[6].
ويبثون هذا الحقد فيهم تجاه كل شخصية مسلمة؛ لها مناقب تاريخية؛ فيقلبون الحقائق ويزورونها لبثِّ الضغينة تجاههم، ومما هو وارد في كتبهم في معرض التهجم على الخلفاء المسلمين كـ (هارون الرشيد) - مثلاً - قولهم: «إن الخليفة العباسي (هارون الرشيد) كان يمضي يومه في شرب الخمر وإقامة الحفلات»، كما عززوا أكاذيبهم بصور نُشرَت في الكتاب، منها صورة لامرأتين تقومان بالرقص وتلوِّحان بزجاجات الخمر في قصر الخليفة العباسي في «سامِراء» شمال بغداد.
وفي مقابل هذا التشويه للشخصيات الإسلامية يلمِّعون أسماء السفاحين منهم الأكثر قتلاً وعدواناً، ويصورونهم أبطالاً؛ خاصة بعد أن لمعت أسماء بعض القادة العسكريين، وأصبحوا في نظر الناشئة اليهود نماذج بطولية وأنماطاً يحتذى بها، على طريق تحقيق أسمى الأهداف الصهيونية وأكثرها إغراءً وإشباعاً للطموح الصهيوني المتجذر في أذهان أبناء هذا الجيل والأجيال الآتية.
ومن هذه النماذج برزت أسماء: إسحاق رابين، وإيهود باراك، وأرئيل شارون، وغيرهم من رواد القتل وسفك الدماء.
وكافؤوا التلميذ كاهانا السفاح «باروخ غولدشتاين» بإقامة نصب تذكاري لـه؛ لأنه قتل تسعة وعشرين مواطناً مسلماً في الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994م؛ ليُظهروه لزملائه بصورة البطل الشجاع.
ومجمَل الأهداف التي يتوخَّونها في تعليمهم، هي: ضرورة تحقيق أحلام الشعب اليهودي وذكرياته، وانعكاس الماضي اليهودي على النظام التعليمي الذي هم بصدده، ومن خلال ذلك يعتقدون أنه يمكن للتعليم اليهودي أن يجيب على السؤال التالي: «كيف يمكننا نحن اليهود الذين خَبِرنا إخفاقات المشـاريع والأيديولوجيـات المثالية، أن نمنع شعبنا من الغرق في سخريات تخنق الروح الإنسانية، وتسخر من الإيمان بإمكانية إحداث تغيير إيجابي؟».
لأن اليهود في الكيان الصهيوني وفي سائر مؤسسات الحركة الصهيونية واليهودية العالمية يسيرون على مبادئ الاستعلاء والعنصرية والفوقية تجاه الغير ويصفونهم «بالوثنيين والكفرة والبهائم والأنجاس، مهما يكن الإله الذي يعبدونه»، وأما اليهود - وَفْقاً لما جاء في التوراة والتلمود المحرَّفين - «فهم أبناء اللـه وأحبـاؤه» ولا بد من الإقـرار بمبدأ النهب والسلب، تحت اسم العودة إلى الأرض الموعودة، وتطبيقاً للشعار الصهيوني: «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
[1] ينظر:تعليم العرب في إسرائيل، صالح عبد الله، بيروت:مركز الأبحاث الفلسطيني 1973م، ص: 25.
[2] الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية، د.رشاد الشامي، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1986م، ص: 70.
[3] ينظر:التوجيه الفني التربوي، أحمد علي الفنيش، محمد مصطفى زيدان، الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، 1979م، ص:55.
[4] كتاب:(اليهودية بين المسيحية والإسلام)الصادر عام 1973م عن مركز المناهج الدراسية، وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، القدس، للصف السابع الابتدائي، ص: 29.
[5] المصدر السابق، ص44.
[6] العرب والإسلام،وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، غلومر ولستروس يافه، ص:74.