حرمة المسجد الأقصى
المسجد الأقصى له مكانته كبيت من بيوت الله في الأرض، ولا يزيد عنه في الفضل إلا بيت الله الحرام في مكة الذي ترتبط به عبادة من أجل العبادات، وهي الحج إلى بيت الله الحرام الذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة؛ فيجب المحافظة على طهارته ونظافته وإدامة الصلاة فيه، ولا يصلح أن يكون المسجد الأقصى تحت إدارة وسلطان غير إسلامي، ومن ثم لا يصلح أن يكون تحت إدارة اليهود أو غيرهم من غير المسلمين، ولا يجوز إقرارهم على التغلب عليه ومنعهم المسلمين من الصلاة فيه أو التحكم في من يصلي فيه ومن لا يصلي.
واحتلال الأقصى يستوجب الجهاد وإعلان النفير العام لاستنقاذه وتحريره من قبضة يهود، والجهاد لا يمكن أن يتحقق بمجرد الأماني والرغبات، بل هو في حاجة إلى عدة وعتاد واستعداد وإمكانات وأسلحة وقدرة على استخدامها، سواء قدرة تقنية أو قدرة نابعة من تحرير الإرادة الإسلامية والعربية من أية قيود أو ضغوط تعوق الدول عن ممارسة حقها في الدفاع عن مقدساتها والسعي في تحرير بلدانها، وهذا يستوجب أن تكون الجيوش الإسلامية والعربية على أهبة الاستعداد: عدة وعتاداً وتسليحاً وتدريباً وجاهزية؛ ينتظرون نداء حي على الجهاد، لكن حي على الجهاد يكون نداءً فارغاً ولن يكون نداءً فاعلاً له قدرة حقيقة إذا لم تكن هناك قدرة على إنتاج السلاح المتطور المناسب للعصر، ما يعني امتلاك التقنية المناسبة لصناعة السلاح، وهذا أقل واجب نقدمه للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وقد وردت أحاديث في المسجد الأقصى تبين مكانته وفضله توجب على المسلمين بذل أقصى ما يمكن بذله للحفاظ عليه وإبقائه على وضع من النقاء والصفاء اللائق به؛ فمن ذلك: ما أخرجه البخاري بسنده حدثنا إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: سمعت أبا ذر، رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول، قال المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت كم كان بينهما؟ قال أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه"[1]، وأخرج أيضاً بسنده عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه" وقد نوه القرآن به في قوله تعالى في سورة الإسراء: "سبحان الذي أسرى بعبد ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"، وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: «من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، أو «وجبت له الجنة». شك عبد الله أيتهما قال. قال أبو داود يرحم الله وكيعاً أحرم من بيت المقدس يعنى إلى مكة[2].
وفي سنن النسائي عن أبي إدريس الخولاني عن ابن الديلمي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثة، سأل الله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وأخرج ابن ماجه عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مئة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة"[3]. وأخرج ابن حبان في صحيحه أن سليمان بن داود سأل الله تبارك وتعالى ثلاثاً فأعطاه اثنتين وأرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة، وسأله الثالثة وهي من أتى هذا البيت يريد بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه أن يخرج منه كيوم ولدته أمه" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأرجو أن يكون قد أعطاه الثالث"[4] وهو حديث صحيح، وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام وإلى المسجد الأقصى، وإلى مسجدي هذا"[5] قال الشيخ الألباني: صحيح، والمسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها كما جاء في الحديث. والأحاديث في ذلك كثيرة.
أبعد كل هذا نصبر على تغلب اليهود عليه والتحكم فيه يمنعون من الصلاة فيه من أرادوا ويسمحون لمن أرادوا؟ بطن الأرض خير لنا من ظاهرها إذا قبلنا بهذا الوضع وأقررناه! اللهم قيض للأقصى عبداً صالحاً من عبادك الذين يخشونك ويخافون عذابك يحرره من دنس اليهود ورجسهم اللهم آمين.
[1] أخرجه البخاري رقم 3366
[2] سنن أبي داوود رقم1743
[3] أخرجه ابن ماجه في سننه رقم 1403
[4] صحيح ابن حبان 4/512
[5] ابن ماجه رقم 1410