• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كفى رشوة للأفغان

كفى رشوة للأفغان

  فاندا فيلباب براون ـ معهد بروكنجز

 مثلت زيارة حامد كرزاي إلى الولايات المتحدة مؤخرًا فرصة لإصلاح العلاقة المتوترة للغاية بين كابول وواشنطن، كما أنها قدمت فرصة هامة أيضًا لإعادة تعريف كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الأفغان بصورة عامة. وكما أرادت إدارة أوباما أن تغير هيكلة علاقة واشنطن بباكستان بعيدًا عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فإن الولايات المتحدة بحاجة أيضًا إلى أن تبتعد عن العلاقة الخاصة التي تربطها بأفغانستان؛ فإعادة بناء محددات التعاون مع القيادة الأفغانية تعد بداية جديدة ضرورية لواشنطن، حيث إن الكثير من عمليات مكافحة التمرد وجهود التنمية تعتمد على جودة الحكم في أفغانستان والشراكة الدولية مع مسئولي الحكومة الأفغانية.
لذا فإن تجاوزوات الحكومة الأفغانية في كابل وعدم شعبيتها لن يؤدي إلى تقدم الأوضاع في البلاد، كما أن اعتماد الولايات المتحدة في المقابل على الداخل الأفغاني وعلى المسئولين المحليين لن تؤتي ثمارها، حيث إن السياسيين والمسئولين المحليين لا يقلون فسادًا وعجزًا عن رؤسائهم في كابل، هذا بالإضافة غلى أن القضايا الهامة يجب أن يتم التعامل معها على المستوى المركزي في كابل، مثل تخصيص استخدام المياه  بين المحافظات والتنمية المحلية وإصلاح الشرطة ووضع محددات للمفاوضات مع طالبان.
وقد تبنت إدارة أوباما سياسة "الحب الصارم" مع كابل، وذلك بعد أن شعرت بالإحباط من مستوى سوء الحكم في البلاد، ولكن بدلاً من أن تغري تلك السياسة كابل لتحسين وسائل الحكم وقمع الفساد في البلاد، فإن اللقاءات مع المسئولين الأمريكيين لم تؤد سوى إلى إقناع الرئيس كرزاي بأن الولايات المتحدة تحاول أن تقوض من سلطاته. وقد انتهت الانتخابات الرئاسية بصورة فاسدة وخاطئة، كما أنه من المستبعد أن يتم تطهير صفوف الشرطة الأفغانية من الفساد، ولا يزال المسئولون الحكوميون يتصرفون بقسوة وعدم مساءلة، هذا في الوقت الذي يظل فيه كرزاي يلقي فيه باللائمة على الأطراف الأجنبية ووصفهم بأنهم سبب الكثير من مشكلات أفغانستان، بينما يقوم في الوقت ذاته بمغازلة اللاعبين الإقليميين والأصدقاء الجدد، مثل إيران وروسيا، من أجل موازنة الضغط عليه من الناتو.
وفي الأسابيع القليلة الماضية كانت هناك مؤشرات بتحسن في الحكم كابول ، لذا يجب على واشنطن أن تستغل ذلك في أن تضغط على حكومة كرزاي بأنها ترغب في العمل معها بشروط ودية، وفي الوقت ذاته يجب على واشنطن أن تضع بعض الخطوط الحمراء بشأن السلوك الذي لن يكون مسموحًا به بالنسبة لواشنطن، مثل التنازل عن الأراضي لطالبان أثناء جلسات المصالحة القبلية "الجيرجا" القادمة، أو أي حالات فساد فاضح أو تفرقة قبلية.
كما يجب على واشنطن والناتو أيضًا أن يبتعدا عن العلاقة المتأرجحة مع الأفغان، ولكن في المقابل يهدفان إلى علاقة ثابتة تعتمد على المصلحة وعلى المبادئ المشتركة، فعلى سبيل المثال يجب ألا تقدم المساعدات الاقتصادية والتنموية على أنها رشاوى نظير اتخاذ الحكومة إجراءات ضد المتمردين، ولكن لأن النمو الاقتصادي يصب في مصلحة الأفغان في النهاية. وبدلاً من الدخول إلى القرى وحفر بئر بناء على طلب الأفغان ثم بعد ذلك مطالبتهم بمعلومات استخباراتية عن طالبان، يجب على جنود الناتو أن يقدموا مساعدات اقتصادية للمشاريع التي لا يستطيع الأفغان أن ينجزوها بأنفسهم وفقط إذا كان هناك إجماع شعبي بشأن تلك المشروعات.
كما لا يجب علينا أن نتوقع الحصول على معلومات استخباراتية في المقابل ـ على الأقل ليس على الفور ـ؛ فالثقة تستغرق وقتًا لبنائها، وطالبان ماهرة في الترويع، كما أن التعامل مع المساعدات كتوجه طويل الأمد وليس مجرد رشوة مؤقتة سوف يكون بالطبع من الصعب للغاية في تلك البيئة التي يغلب عليها طابع التمرد حيث تتعرض الأرواح للمخاطر، والنفعية السياسية في أوجها، كما يسود الإحباط وانعدام الثقة، بالإضافة إلى أن ساعة الانسحاب تدق وتقترب من الموعد النهائي.
لذا فإن التعامل في تلك العلاقة على أنها علاقة رشوى فسوف يكون محكومًا عليها بالفشل. فكثيرًا ما تشير الأطراف الدولية إلى القول المأثور بأنه لن يمكن شراء الأفغان، ولكن يمكن تأجير أحدهم. ولكن المشكلة كانت جوهر هذا المثل: وهو أن ولاءات الأفغان دائمًا ما كانت متغيرة، وكثيرًا ما يكون توافقهم في أدنى مستوياته، لذا يتم تسيير السياسات في الحد الأدنى لها.  لذا فإن المزايدون الآخرون في الصفقة عادة ما يفوقوننا، سواء كانوا سماسرة مشكلات، طالبان، أو القوى الإقليمية. وكثيرًا ما يرى الأفغان الأجانب على أنهم فقط جهات يبتزون منها الأموال.
وبالتالي، فعلى سبيل المثال، يجب علينا ألا ندفع مقابل الوقوف ضد المسلحين، فبذلك إما أن العداء المحلي ضد طالبان سوف يفرز دفاعًا عن النفس (بوجود العديد من الأسلحة الخفيفة التي يمكن الاعتماد عليها)، أو أن أموالنا لن تؤدي سوى إلى جهود فاترة لن تسفر سوى عن تدهور الأوضاع لتصبح سلوكيات تفريقية أو سلوكيات افتراس تجاه رفقائهم الأفغان. وبالمثل لا يجب علينا أن نمطر الأفغان بمساعدات فقط بسبب أنهم الآن وقعوا معنا، ولكن لأننا نعتقد أن هدف الحكومة الأفغانية والوجود الدولي هو تحسين حياة السكان المحليين. فلا يجب علينا أن نبني مصالحة حول الرشاوى، بما في ذلك المعاملة التفضيلية بتوفير وظائف، إلى رجال طالبان الذين تم تسريحهم من الخدمة فقط لأنهم غير لائقين.  وكما هو الحال في أي مكان من العالم ـ مثل كولومبيا أو نيجريا ـ مثل عمليات التسريح تلك الناتجة بسبب نقص الأموال ليست مصالحة فاعلة، ومن المحتمل أن تخفت فقط بمجرد أن تنتهي الرشاوى والوظائف. لذا لا يجب علينا أن ندفع للقرى من أجل أن تقف أمام مجلس الشورى المحلي، يجب عليهم أن يفعلوا ذلك لأنهم يمتلكون أرواحهم، حتى في الوقت الذي نقدم لهم فيه مساعدات.
وفي النهاية، فإن إلغاء نظام الرشاوى غير المجدي هذا يتطلب تغيير الآفاق الزمنية للأفغان، فطالما أنهم يرون أن المستقبل كئيب وأن النظام الحالي سوف يتدهور عندما تبدأ الولايات المتحدة في سحب قواتها في يوليو 2011، فسوف يلتصقون بالقوى قصيرة الأمد في المنطقة ويعظمون أرباحهم. فكلما استطاعنا أن نضيق من مفوهم أهدافنا في أفغانستان، على سبيل المثال القضاء على القاعدة، كلما كان من الأصعب علينا أن نغير الآفاق الزمنية للأفغان. وسوف نكون في تلك الحالة غارقين بصورة غير فاعلة في محاولات أن نؤجر الأفغان على المدى الطويل.

أعلى