ما وراء الغرام الصيني الياباني الصهيوني؟
تدل كل المؤشرات والمعطيات على اتساع وتعاظم العلاقات الاقتصادية بين الكيان الصهيوني وكلٍّ من اليابان والصين.
ويعد هذا التحول نتاج الإستراتيجية التي اتبعها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، القائمة على التوجه شرقا بسبب خضوع بعض الدول الأوربية أحياناً للضغوط التي تمارسها حركة "المقاطعة الدولية"(BDS)، واضطرارها لإصدار قرارات تقلص منسوب التبادل التجاري مع تل أبيب.
وقد احتفى الكيان الصهيوني مؤخراً بتحول اليابان إلى رابع أهم الأسواق العالمية التي تستقبل المنتوجات الصهيونية، وذلك حسب معطيات صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة الصهيونية، نشرتها صحيفة "ميكور ريشون" الصهيونية.
وحسب هذه المعطيات، فقد ارتفع التبادل التجاري بين طوكيو وتل أبيب في الأشهر السبع الأولى من العام الجاري من 1.1 مليار دولار إلى 1.4 مليار دولار، وهو ما جعل اليابان رابع أكبر سوق أمام المنتوجات الإسرائيلية.
ويتضح أن محرك العلاقات الاقتصادية بين طوكيو وتل أبيب يقوم على معادلة بسيطة، مفادها: ابتكارات صهيونية لليابان مقابل أسواق يابانية للكيان الصهيوني.
فقد عَزَا خبراء في تل أبيب تعاظم مستوى العلاقات الاقتصادية بين طوكيو وتل أبيب إلى رغبة صهيونية بالبحث عن أسواق جديدة في آسيا، رداً على استجابة الاتحاد الأوروبي وبعض الحكومات الأوروبية الغربية للضغوط التي تمارسها حركة المقاطعة الدولية واتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية على تل أبيب، من ضمنها "تمييز" منتوجات المستوطنات اليهودية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإجراءات أخرى.
وحسب الخبراء، فإن اليابانيين أبدوا رغبة جامحة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الكيان الصهيوني لـ" إعجابهم بمستوى الابتكارات "الذي حققته تل أبيب في مجال التقنيات المتقدمة وأنماط التوظيف الصناعي للفضاء الإلكتروني.
من ناحيتة أخرى قال الخبير الاقتصادي الصهيوني أساف رونال :إن استجابة بعض الحكومات الغربية للضغوط التي تمارسها حركة المقاطعة الدولية على الحكومات الأوروبية ونجاحها في دفع هذه الحكومات لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الكيان الصهيوني، دفع نتنياهو لأن يضع على رأس أولويات حكومته العمل على تعزيز العلاقات مع آسيا وعلى وجه الخصوص اليابان والصين والهند لتأمين فتح مزيد من الأسواق أمام المنتوجات الصهيونية.
وفي تحقيقٍ نشرته صحيفة "هآرتس" مؤخراً، نوَّه رونال إلى أن ما دفع نتنياهو للتركيز على آسيا وعلى وجه الخصوص (اليابان والصين) حقيقة أن الدول الآسيوية - وبخلاف دول أوروبا الغربية - لا تربط علاقاتها الاقتصادية بتل أبيب بطابع السلوك الصهيوني تجاه الفلسطينيين ودرجة التزامهم بحل الصراع معهم.
وأوضح رونال أن نتنياهو عبر عن "يأسه" من مستقبل العلاقات الاقتصادية مع أوروبا بالقول: إن "موجة من الأسلَمة واللاسامية ومعاداة اللاسامية تعصف بأوروبا، وهو ما يفرض على تل أبيب البحث عن شركاء آخرين.
وحسب رونال، فإن رغبة نتنياهو في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع اليابان قابلتها رغبة لا تقل قوة من رئيس الوزراء الياباني شيزونو آبا، الذي زار تل أبيب العام الماضي رداً على زيارة نتنياهو لطوكيو عام 2014.
ونقل رونال عن مسؤولين ورجال أعمال يابانيين قولهم :إن طوكيو تبدي اهتماماً كبيراً بالإفادة من "التطور الذي حققته تل أبيب في المجال التقني"، وهو ما حدا بآبا للتوقيع على اتفاق للتعاون في مجال البحث العلمي خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب.
من ناحيته قال البرفسور أهود هراري، المتخصص بالشأن الياباني وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية :إن رغبة طوكيو في تعزيز العلاقات مع تل أبيب ترجع بشكل أساس إلى رغبة يابانية أوسع بتعزيز الحضور في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب أن القيادة اليابانية معنية بالإثبات للكيان الصهيوني أن العلاقة معه مهمة بحد ذاتها.
ونقلت "هآرتس" عن هراري قوله: إن اليابانيين يريدون أيضاً الإثبات أنهم ليسوا مجرد "تابعين" للولايات المتحدة، سيما عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الاقتصادية، موضحاً أن رئيس الوزراء الياباني آبا يراهن على تطوير العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب من أجل دفع مخططه الهادف إلى إخراج الاقتصاد الياباني، الذي يعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم، من حالة "المراوحة في المكان التي علق فيها منذ تسعينيات القرن الماضي.
وشدد هراري على أنه، وبخلاف الانطباع السائد، فإن أزمة الاقتصاد الياباني الأساس "تكمن في بطء الابتكار والتطور، سيما عندما يتعلق المجال التقني وعلى وجه الخصوص مجال الأبحاث الطبية"، منوهاً إلى أن اليابان "تتميز" في مجال الشركات الكبرى "غير قادرة على الوفاء بمتطلبات الابتكار وهو ما يدفع اليابانيين للاستثمار في العلاقات مع تل أبيب".
ويذكر أن كلاً من نتنياهو وآبا قد وقعا خلال زيارة الأخير لتل أبيب على جملة من الاتفاقات الاقتصادية التي حسَّنت بشكل غير مسبوق من التبادل التجاري ومهدت لإغراء المزيد من رجال الأعمال اليابانيين بالاستثمار في السوق الصهيونية.
وفي السياق نفسه يواصل الصينيون الانقضاض على سوق الاستثمار في الكيان الصهيوني، حيث كثفوا من وتيرة شرائهم للشركات الرائدة في الاقتصاد الصهيوني.
وقد كُشف النقاب مؤخراً عن قيام شركة "يانغو" الصينية بشراء شركة التأمين الصهيونية "هفنيكس"، التي تنتمي إلى مجموعة "ديلك"، التي يملكها الملياردير الصهيوني إسحاق تشوفا، حيث بلغت قيمة الصفقة 1.95 مليار شيكل (حوالي 800 مليون دولار).
ومما يدلل على حماس الشركة الصينية للاستثمار في الكيان الصهيوني فقد ذكرت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية أن المبلغ الذي دفعته "يانغو" يفوق قيمة أسهم "هفنيكس" في بورصة تل أبيب بـ63 %.
ونوهت الصحيفة إلى أن المستثمرين الصينيين سيطروا حتى الآن على 30 - 40% من قطاع التقنيات المتقدمة في الكيان الصهيوني.
من ناحيته يقول المحامي جدعون فينشطوك، الذي يدير مكتب استشارات قانونية للمستثمرين الأجانب في الكيان الصهيوني: إن إقبال الشركات الصينية على الاستثمار في السوق الصهيوني يأتي على الرغم من حالة التباطؤ في النمو التي يعاني منها الاقتصاد الصيني حالياً.
ونقلت "ذي ماركير" عن فينشطوك قوله: "تحديداً بسبب التباطؤ الاقتصادي داخل الصين تتجه الشركات الصينية للاستثمار في إسرائيل، وهذا يدلل على أن الاقتصاد الصيني لم يتوسع لدرجة تسمح باستيعاب هذه الشركات".
وقد سيطر الصينيون على عدد من الشركات الكبيرة في إسرائيل، حيث اشترت شركات صينية حتى الآن على معظم أسهم شركة "أدما"، المتخصصة بتطوير وإنتاج وتسويق المواد الكيماوية، وشركة المنتوجات الغذائية العملاقة "تنوفا"، وشركة "حيفا للمنتوجات الكيماوية"، بالإضافة إلى عدد كبير من الشركات المتخصصة بالتقنيات المتقدمة.
وقد فاز المستثمرون الصينيون مؤخراً بعقد لبناء ميناء ضخم آخر على شاطئ أسدود، وهو مشروع يعد من المشاريع الإستراتيجية، كما أنهم حصلوا على امتياز إدارة الميناء الجديد في حيفا، إلى جانب فوزهم بعقد حفر نفق لتدشين قطار بين مدينتي كرمئيل وعكا، شمال فلسطين المحتلة.