ديلما روسيف وعملاء واشنطن
الانزعاج الشديد لدينا نحن في البلدان العربية من المواقف الرسمية المتخاذلة تجاه قضيتنا الأساسية فلسطين وتمدد العدوان الأجنبي إلى بلداننا في سوريا و العراق وليبيا جعلنا نتشبث بالأمل القادم من خارج الحدود، مع بداية الربيع العربي كانت صيحات تحررية قوية تأتينا من أمريكا اللاتينية أبرزها، ما صدر عن "المرأة الحديدية" كما توصف في بلادها، رئيسة البرازيل ديلما روسيف، التي سحبت سفيرها من الكيان الصهيوني عام 2014 رفضاً واستنكاراً للعدوان على قطاع غزة.
روسيف جرى الإطاحة بها في اغسطس الماضي بمؤامرة إنقلابية كما وصفتها شارك فيها رئيس البرلمان إدواردو كونيا، والرئيس البرازيل المؤقت ميشيل تامر، و المثير للإستغراب أن رئيس البرلمان كونيا جرى الإطاحة به عقب الإنقلاب على روسيف، حيث صوت غالبية أعضاء البرلمان على قرار "خسارة النائب إدواردو كونيا تفويضه بسبب سلوك لا يتماشى مع التفويض البرلماني". واتهم الأخير بالحصول على خمسة ملايين دولار في حسابات سرية في سويسرا مجهولة المصدر.
وكان النائب المحافظ (58 عاما) المنتمي إلى الجناح الإنجيلي اليميني في مجلس النواب، متهما بـ"الكذب" على النواب بشأن امتلاكه حسابات مصرفية سرية في الخارج. كونيا باشر في ديسمبر 2015 آلية الإقالة بحق ديلما روسيف، ردا على تصويت نواب حزب العمال اليساري الذي تنتمي إليه الرئيسة السابقة على إحالته إلى لجنة برلمانية للأخلاقيات. ومثل كونيا الجناح المتشدد من حزب "الحركة الديمقراطية البرازيلية" بزعامة الرئيس المؤقت ميشال.
ديلما روسيف التي شاركت في تأسيس الحزب العمالي الديمقراطي ذو الميول اليسارية عرفت بكفاحها المسلح ونضالها السياسي ضد النظام العسكري الذي حكم البرازيل حتى عام 1985، وقد تعرضت للإعتقال والتعذيب بسبب مواقفها المناهضة للحكم العسكري.
تقلدت رسيف مناصب حكومية متعددة من بينها وزارة الطاقة، وفي عام 2005 كلفت بتشكيل الحكومة بعد استقالة عدد كبير من الشخصيات بسبب فضيحة فساد هزت البلاد، كما تولت منصب وزيرة الرئاسة بين 2005 وحتى 2010، وترأست خلال الفترة نفسها المجموعة النفطية البرازيلية العملاقة "بتروبراس".
خاضت ديلما روسيف عام 2010 انتخابات الرئاسة، وفازت بنسبة 58% من الأصوات أمام منافسها جوزي سيرا مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي المعارض، لتتسلم المنصب رسميا في الأول من يناير 2011 وحتى قرار البرلمان الإطاحة بها في اغسطس 2016.
نفت روسيف ما ينسب إليها من "جرائم إدارية"، معتبرة أن ما يجري هو انقلاب على الديمقراطية البرازيلية، وقالت إن المحاكمة تهدف إلى حماية مصالح النخبة الاقتصادية في البلاد.
منذ تسلمها السلطة سعت روسيف إلى إخراج بلادها من الهيمنة الأمريكية ومنح الإقتصاد المحلي الفرصة للإستقلال عن الشركات الأمريكية، حتى أوصلته للمرتبة السابعة عالمياً، كما سعت لتوفير فرص العمل و التعليم لجميع طبقات المجتمع، لكن مواقفها الدولية أثارت الكثير من المشاكل لها، و أبرز تلك المواقف، مواقفهاالمُناصرة للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث اعترفت البرازيل بدولة فلسطين، وكان السفير البرازيلي في الأمم المتحدة معارضًا شرسًا للسياسيات الصهيونية في فلسطين، كما أن البرازيل ماطلت لمدة أربعة أشهر في استقبال رئيس مجلس المستوطنات السابق، داني دايان، كسفير صهيوني في البرازيل، بسبب موقف البرازيل من المستوطنات التي تعتبرها غير شرعية، الأمر الذي جعلها شوكة في حلق الحليفين الأمريكي والصهيوني في أمريكا اللاتينية.
بعد عزل روسيف أدى نائبها اللبناني الأصل ميشال تامر، اليمين الدستورية رئيسًا للبرازيل، حتى إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية جديدة عام 2018، وعلى وقع التصريحات التي أطلقتها روسيف وقالت فيها إن ما جرى إنقلاب مدبر، فإن الشبهات تدور حول تامر كونه عميلاً أمريكياً بإمتياز، و هذا الأمر أكدته تسريبات موقع ويكيليكس حيث كان يزود السفارة الأمريكية في البرازيل بمعلومات عبر برقيات، ويمكن تصنيف محتواها بأنه "حساس وللاستعمال الرسمي فقط". ونشر "ويكيليكس" وثيقتين، إحداها أرسلت من ساو باولو إلى عدة جهات أمريكية، منها القيادة الجنوبية للجيش الأمريكى في ميامي، يناقش فيها ميشال تامر الوضع السياسي في البرازيل خلال فترة الرئيس الأسبق “لولا دا سيلفا”، وفي البرقية التي يعود تاريخها إلى 11 يناير 2006، والمدرجة في خانة "حساس لكن غير مصنف"، ملخص محادثات أجراها تامر مع المسؤولين الأمريكيين عندما كان نائبًا عن حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وقال الموقع إن تامر كان مخبرًا لدى السفارة للاستخبارات الأمريكية. ما جرى لروسيف جرى في عالمنا العربي لكن بطرق أخرى، لأن العالم الغربي يحارب أي ديمقراطية يمكنها إنتاج نظام عادل قد يؤثر على مصالحه، فالهيمنة الإقتصادية و المعادلة الأمنية التي تفرضها واشنطن على العالم تعتبر نظام متكامل لا يسمح العبث فيه..