الفجوات الثمانية بين واشنطن وتل أبيب
عاموس يدلين/ "يديعوت أحرونوت"
إن الرسالة التي وقَّعها 83 عضواً في مجلس الشيوخ، أعربوا فيها عن استعدادهم لدعم اتفاقٍ طويلِ الأجلِ ويزيد المساعدات الأمنية الأمريكية للكيان الصهيوني بشكل كبير، تعتبر خطوة هامة، من منطلق كونها تجمع بين الحزبَين الأمريكيين وتعكس الدعمَ الواسعَ للكيان الصهيوني في مجلس الشيوخ. مع ذلك فقد طرحت هذه الرسالة في النقاش العام الفجوات القائمة بين الدولتين في هذه المسألة. من المهم أن نفهم أن الفجوة لا تركز على الحسابات بالأرقام، وإنما على الرؤية الاستراتيجية للتهديدات في الشرق الأوسط، في مفاهيمَ وتقييماتٍ ومواقف البلدين. في ما يلي الفجوات الثمانية الرئيسية:
فجوة في الرؤية الاستراتيجية: حسب مفهوم الحكومة الصهيونية فإن الاتفاق مع إيران مسَّ بأمنها؛ ولذلك من المناسب أن تقوم الولايات المتحدة التي قادت الاتفاق بمساعدتها على مواجهة المخاطر الكامنة فيه. وفي المقابل ترى إدارة أوباما في الاتفاق إنجازاً استراتيجياً سيقلص من التهديد النووي للكيان الصهيوني.
فجوة أيديولوجية: الإدارة الأمريكية ترى في عملية السلام الردَّ الأمثلَ لأمن الكيان الصهيوني، بينما يرى الأخير أن مخاطرَ أمنيةً جوهريةً ستتطور بالذات في أعقاب اتفاق السلام (أوسلو وغزة في الخلفية). كما تشكك الإدارة بهوية القيم والمصالح التي شكلت أساساً للمساعدة السخية للحكومة الصهيونية خلال السنوات السابقة.
فجوة في التوقعات: توقع الكيان الصهيوني زيادة مليار دولار سنوياً إلى المساعدات، بينما تعرض الإدارة زيادة نسبة 20% ليصل حجم المساعدات إلى 3.7 مليار دولار سنوياً. حقيقةً قيام الإدارة بإضافة الزيادة التي أضافها الكونغرس والتي تهدف إلى الاحتماء من الصواريخ وقذائف الهاون، إلى أساس المساعدات، تجعل الزيادة العامة الشاملة صغيرة جداً. الإدارة تطلب من الحكومة الصهيونية التزاماً بألا تطلب زيادةً عينية من الكونغرس، إضافة إلى حجم المساعدات الذي سيُتفق عليه، لكن الحكومة الصهيونية ترى في حقيقة التوجه إلى الكونغرس ليونة يمنع التخلي عنها.
فجوة في فهم القيود المالية الأمريكية: الإدارة تشير إلى تقليص ميزانية البنتاغون والمصاعب في تقديم المساعدات الأمنية لحليفاتها الأخرى (الحكومة الصهيونية تحصل على أكثر من نصف المساعدات الخارجية الأمريكية)، بينما تشير تل أبيب إلى الدعم الاستثنائي لها في الكونغرس والفائدة الأمنية التي سيحققها تعزيز هذا الدعم للولايات المتحدة.
فجوة في تقييم سياسة الإدارة القادمة: إدارة أوباما تشير إلى المصاعب التي ستواجه كلَّ إدارة مستقبلية – سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية – في زيادة حجم المساعدات للكيان الصهيوني، وتشير - مثلاً - إلى تصريحات ترامب الذي قال: "على الدول التي تتلقى مساعداتٍ عسكريةً من الولايات المتحدة، دفع المقابل"، بينما يقدِّر كثير من الصهاينة أن كل إدارة مستقبلية ستغير الموقف السلبي لأوباما بشأن الشرق الأوسط، وستعتبر تدعيم الكيان الصهيوني جزءاً لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية.
فجوة بشأن التركيبة الداخلية للصفقة: منذ إلغاء مشروع طائرة "لافي" في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، سُمح للكيان الصهيوني بتحويل ربع المبلغ الأمريكي من دولار إلى شيكل لغرض الشراء من الصناعات الأمنية الصهيونية التي تعرضت للمس. الإدارة الأمريكية تدعم إلغاء هذا الاتفاق في صفقة المساعدات، حتى وإن كان بشكل تدريجي. والمقصود هنا إلحاق مسٍّ كبيرٍ بالصناعات الأمنية المحلية، وإضافة عبءٍ مالي بمقدار ثلاثة مليارات شيكل على ميزانية الأمن.
فجوة الصلة بالموضوع الفلسطيني وميراث الرئيس: نتنياهو يتخوف من أنه إذا منح أوباما فرصة أخرى لإثبات دعمه غير المساوم لأمن الكيان الصهيوني من خلال الاتفاق، فإن هذا سيسهل على الإدارة العمل على الساحة الفلسطينية أيضاً في قضايا لا يوجد اتفاق عليها مع الكيان الصهيوني.
فجوة الثقة الشخصية: تعاني العلاقات بين نتنياهو وأوباما من عدم الثقة الأساسية التي تطورت مع مرور السنوات، ووصلت إلى قمتها في المواجهة بينهما في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. عدم الثقة هذه تصعب أيضاً قدرة الزعيمين على عقد لقاء قمة يتم خلاله حسم المسائل الرئيسية في المساعدات الأمنية.
في صيف 2015 انتهجت الحكومة الصهيونية سياسة المعارضة للإدارة الأمريكية، وأدارت كتفاً باردة للمقترحات الأمريكية بتوفير رد أمني شاملٍ للمخاطر الناجمة عن الاتفاق مع إيران. رفض مناقشة موضوع التعويض للكيان الصهيوني مع وزير الدفاع الأمريكي، قبل المصادقة على الاتفاق النووي والتصويت عليه، وكذلك الخطاب المستفز في الكونغرس، أضعفا الموقف الصهيوني بشكل كبير.
الحكومة الصهيونية تجد نفسها في نقاشٍ أحاديِّ المعيارِ حول المساعدات، وليس في نقاشٍ شاملٍ حول كل القضايا الهامة لأمنها، وذلك أمام إدارةٍ تعرضت للمس، وباتت متعنتة أكثر في مواقفها. يُنصح باستئناف الاتصالات مع الأمريكيين حول تفاهمات شاملة في القضايا الأمنية، وفي مقدمتها الرد على التهديد الإيراني طويل المدى، والحفاظ على التفوق الصهيوني. رفع مكانة الكيان الصهيوني في قضايا الصلاحيات التكنولوجية والاستخبارية، والتوصل إلى اتفاق أمني يزيد المساعدة للكيان الصهيوني بشكل حقيقي وليس رمزياً، لن يمس بالصناعات الأمنية وسيحافظ على حق الكيان الصهيوني بطلب زيادة من الإدارة القادمة والكونغرس، إذا تحققت التنبوءات السلبية بشأن تعزز قوة إيران وداعش أو حدوث تحول سلبي آخر في المنطقة.