• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 مسارات

مسارات "مباحثات الكويت "حول اليمن

ما تزال الضبابية تسود المشهد السياسي والعسكري في اليمن، ما يعزز فرضية فشل تام لجهود التسوية وايقاف الحرب، حتى اللحظة، وانعدام أي بارقة أمل في الخروج من النفق بالغ العتمة في هذا البلد الفقير، الذي يتآكل الصراع الداخلي الدامي والتجاذبات الخارجية.

واللافت في المسار السياسي للأزمة اليمنية تشتت أطراف الصراع في اتجاهات متباينة بحثاً عن حل غدت معه فرص الالتقاء بعيدة المنال، على الأقل في الأجل القريب، في حين يبدو دور الأمم المتحدة متراخياً إن لم يكن عبثياً وليس بحجم الحدث والمأساة المستمرة في اليمن، والتي يتحمل مجلس الأمن فيها المسؤولية الأخلاقية لعدم تنفيذ قراره رقم 2216 الخاص بالأزمة اليمنية.

وبخلاف جولات التفاوض السابقة، التي لم تحدث تغييراً على الأرض، تأتي مباحثات الكويت في وقت يبدو فيه المشهد السياسي حالياً في اليمن، أكثر عقلانية وأكثر اعتدالاً، ممّا يبعث على الكثير من التفاؤل، خصوصاً بعد توقيع الأطراف في الداخل على وقف إطلاق النار، والشروع في تنفيذ الهدنة إلى حد ما ونشؤ حالة من التقارب والتفاهم التي جرت مؤخراً بين المملكة والحوثيين، وتم بموجبها التوقيع على اتفاق يقضى بوقف عمليات مليشيا (الحوثيين وصالح) على الشريط الحدودي ونزع الألغام وتبادل للأسرى بين الجانبين.

غير أن ذلك لا ينفي وجود عدد من علامات الاستفهام بخصوص مواقف بعض الأطراف المؤثرة في الوضع الحالي في اليمن، التي من المرجح أن تترك تأثيرها على الوضع الحالي والتسوية السياسية المرتقبة في اليمن، تتعلق علامة الاستفهام الأولى بالرئيس المخلوع صالح، فلا أحد يعرف على وجه الدقة حتى الآن ما هو موقفه والقوات الموالية له من مسار المفاوضات الجارية والتسوية السياسية.

أما علامة الاستفهام الثانية فإنها تتعلق بالحوثيين أنفسهم، إذ ليس واضحا البتة ما إذا كانت جماعة عبد الملك الحوثي بأجمعها على قلب رجل واحد فيما يتعلق بالمفاوضات، أم أن هناك انقساماً في أوساط الحوثيين ومكوناتهم وفصائلهم المختلفة، بدا ذلك من خلال بعض التعليقات الصادرة من طهران أن بعض الحوثيين (الموالين لإيران) يميلون إلى التشدد.

 في حين أن طرفاً وبعضاً آخر من الحوثيين يقيم تقريباً في العاصمة الرياض منذ أواخر فبراير الماضي، وشارك في سير المفاوضات التي تمت في ظهران الجنوب مع مسئولين سعوديين تتعلق بإجراءات لبناء الثقة والاتفاق على مقومات لضمان نجاح مفاوضات الكويت.

 ومن غير المستبعد لجوء طهران إلى دعم الجناح المتشدد من الحوثيين بغرض تعطيل أو إفشال المفاوضات، ذلك لأن استمرار الصراع ضد السعودية هو أحد الأهداف الاستراتيجية للمتشددين من أنصار تيار الثورة في إيران ومنهم على وجه الخصوص قيادات الحرس الثوري الإيراني.

أما علامة الاستفهام الثالثة فإنها موجهة إلى الدور الأممي العبثي والمخاتل، فقد برزت في غضون اليومين الماضيين ملامح أزمة حول المرجعيات في المباحثات، إذ أصدر المبعوث الأممي بياناً، تحدث عن أن الحوار يقوم على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي انعقد في الفترة مارس /آذار2013 م وحتى يناير/كانون ال ثاني2014م، دون الإشارة للقرار الأممي 2216.

وغير خافٍ في هذا المقام منذ الوهلة الأولى تمسك طرف الشرعية والحكومة اليمنية بقرار مجلس الأمن 2216 كشرط أساسي لإطلاق أية عملية سياسية في اليمن، وهو القرار الدولي الأهم الذي صدر في الـ 14 من أبريل/ نيسان2015، وتحول فيما بعد إلى شرط حكومي للسلام.

 في المقابل يتمسك الانقلابيين حلف الحوثيين وصالح بمطلب وقف إطلاق النار، قبل أية محادثات، ويعتبرون ما دون ذلك، قابلاً للتفاوض، وينطلقون من هذا الشرط، بوصفهم الطرف المستهدف من العمليات الجوية للتحالف، غير أن خصومهم في الداخل يتهمونهم بعدم الجدية بالسلام، والسعي إلى تحييد التحالف من خلال المحادثات، مع الإبقاء على الحرب الداخلية.

ويبدو أن نقطة الخلاف الرئيسة في محادثات الكويت مردها حول الاتفاق على التسوية والعملية السياسية، كون الانقلابيين (صالح والحوثيين) يرون الاتفاق عليها أولاً، يعقب ذلك تنفيذ بقية النقاط الخمس وماتضمنه القرار الدولي، فيما التحالف العربي وفريق الشرعية يرون التنفيذ أولاً للقرار الأممي ثم المضي في العملية السياسية، نظراً لانعدام الثقة في سلوك الانقلابيين المتمرد على أي اتفاق.

على أن عملية المفاوضات وخريطة المكونات والأطراف المشاركة في الكويت لم تتضح بعد، وليس من الواضح حتى كتابة هذه السطور كيف سيشارك صالح أو ممثلون عنه وحزبه المؤتمر الشعبي العام في المفاوضات، لكن من المرجح أن تلقي المملكة بكل ثقلها من أجل إبعاد صالح عن التسوية وعن أي دور له في مستقبل اليمن، في مقابل تقديم إغراءات إلى الحوثيين وقيادات في حزب المؤتمر الشعبي اليمني المنشقين عن علي صالح.

وفي هذا السياق يبدو أن عدم ذهاب وفد ممثلي الانقلاب إلى مفاوضات الكويت في موعدها ناتج عن تهميش المملكة للرئيس السابق صالح ومضيها في استبعاده من المعادلة السياسية والمباحثات، علاوة على أن حلف الميليشيا لا يقوم بذلك من تلقاء نفسه إطلاقاً، فهو بالتأكيد يتلقى دعماً من القوى الدولية الكبرى ولديه مشاوراته الخاصة مع طهران.

وقد بدا مفهوماً أن ثمة لاعب خارجي مؤثر في موقف الحوثيين وضوءً أخضر دولي جعلها تعزف أول الأمر عن الحضور للمفاوضات في موعد انعقادها في الكويت ودفعها مؤخراً إلى الإعلان بالمشاركة مع التحفظ، وجعلها تتعامل بروح اللامبالاة بعد الإجراءات والتحضيرات لعقد جولة المشاورات، والتي كانت مهدت لها المملكة بتفاهمات مع مليشيا الحوثيين على أراضيها.

والأرجح أن واشنطن هي مصدر الإسناد الكبير لهذه الملهاة، كونها في واقع الأمر ترغب في توجيه صفعة للقوة التي تقف خلف الإطاحة بترتيباتها " الخفية " والمستترة قبل التغييرات الرئاسية الأخيرة، بهدف تمرير مخططها الذي كانت بدأته بتفاهمات مع بعض دول المنطقة، قبل أن يصدر الرئيس هادي قراراته الهامة بإقالة نائبه السابق خالد بحاح.

ولاغرابة فقد خرجت يومها الولايات المتحدة الأمريكية عن لياقتها الدبلوماسية، عبر تصريحات لوزير خارجيتها جون كيري مطلع الشهر الجاري، عبَّر فيها عن حنق بلاده حيال تلك القرارات، التي قوضت كل "الترتيبات" التي كانت تجريها أمريكا من تحت الطاولة بلمح البصر وكأن شيئاً لم يكن، لتغدو معها تصريحات كيري عبارة عن بيان نعي متقدم للمباحثات.

على أن خلاصة ما انطوت عليه تصريحات كيري هو التأكيد على وجود ترتيبات أمريكية، رفقة دول وأطراف إقليمية، تزعم دعمها لليمن، وفي واقع الأمر كانوا جميعاً يخططون لإعادة الالتفاف على اليمنيين وحقهم في بناء دولة، وتسليمهم لعصابة الميليشيا الطائفية مجدداً، ما يعني استمرار نهج واشنطن في دعم ومساندة الانقلاب في اليمن، بل وتشجيعه عملياً مع الاحتفاظ قدر الإمكان بلهجة دبلوماسية غير صريحة.

ولعلها فيما يبدو أنها كانت المرحلة الثانية من اللُعبة الدولية التي حبكت قصة الفوضى في اليمن، كما هي عليها الآن بدءاً من يوم 21 سبتمبر 2014 م بصورة مكشوفة، وإن كانت سبقت هذا التاريخ في حقيقة الأمر بصورة متخفية، شاركت بصناعتها أطراف داخلية متعددة ودول عربية مولَّت بالمال والسلاح، مسنودة بتواطؤ دول كبرى.

المسارات المتوقعة:

عطفاً على ما سبق يبدو من الصعوبة بمكان التنبؤ بسيناريوهات محددة للمباحثات السياسية التي انعقدت قبيل البارحة في ثرى الكويت، في ظل خرق الهدنة وهدير أصوات المدافع واحتدام القتال في أكثر من جبهة من جبهات الصراع الداخلي، إلا أنه ومن خلال متابعة جلسات المباحثات واستقراء دفقة التصريحات الأخيرة المتبادلة بشأن جولة المباحثات والوضع القائم الآن على الأرض، يمكن رسم مسارات ممكنة الحدوث وقريبة من الواقع.

المسار الأول:

النجاح الشكلي والنظري للمباحثات؛ بحيث تنجز الأطراف مع المبعوث الأممي ولد الشيخ عريضة تفاهم واتفاق على بعض الرؤى والحلول المطروحة والمعلنة، لتنفيذ النقاط الخمس التي وردت نصاً في القرار الأممي 2216، في ضوء المرجعيات الثلاث للحل السياسي في اليمن، المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي. 

وذلك من خلال السيناريوهات المحتملة والحلول المطروحة، في إطار المرجعيات الثلاث:

•        سيناريو عودة الشرعية.

•        سيناريو الاتفاق على حكومة وحدة وطنية.

•        سيناريو المحاصصة والتقاسم.

وبالنظر إلى سيناريوهات المسار الأول المتوقع نجاح المباحثات، نجد السيناريو الأول:(عودة الشرعية) هو السقف المرتفع للشرعية ومقتضاه استسلام معسكر الانقلابيين (صالح والحوثيين) وهذا السيناريو بحد ذاته يعد انتصاراً للشرعية، إذ أن مفاده يقضي بعودة السيطرة العسكرية الكاملة والشاملة على مؤسسات وأجهزة الدولة.

 يفترض هذا السيناريو تنفيذ الانقلابيين (صالح والحوثيين) للنقاط الخمس، التي وردت في القرار الأممي 2216، والتي تتمثل في الانسحاب من المدن وتسليم السلاح للدولة وعودة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، يعقب ذلك الشروع في عملية الانتقال السياسي وفق مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية.

غير أن احتمالات تحقق هذا السيناريو فيما يبدو ضعيفة جداً في ظل تراخي المجتمع الدولي ودول الإقليم عن تنفيذه وتماهيهم مع الانقلابيين بصورة وأخرى، عدا حالة الرفض والتعنت الكبير من قبل الانقلابيين وعدم اعترافهم بالشرعية، وما تمثله السيطرة المستقبلية للشرعية التي لن تتحقق لهم بدون انتصار على الأرض.

فيما السيناريو الثاني: (التوافق على حكومة وحدة وطنية) ويعتبر السقف الأنسب الذي يسعى له ويحاوله الانقلابيون (صالح والحوثيون)، ومقتضى هذا السيناريو معناه تنازل الشرعية عن القرار الأممي 2216 وكل مكتسبات الحرب والعودة الى اتفاق السلم والشراكة الذي تم توقيعه على وقع سقوط العاصمة في 21 سبتمبر 2014م.

السيناريو يفترض ويتوقع عودة حكومة خالد بحاح وإلغاء كل تعيينات الرئيس هادي واقالة نائب الرئيس علي محسن الأحمر وحكومة أحمد عبيد بن دغر وتسليم سلطات الرئيس هادي للحكومة وعودتها صنعاء تحت حماية الوحدات العسكرية التابعة للانقلابيين (صالح والحوثيين).

وهذا السيناريو في الحقيقة هو ما كانت قد رتبت له الإدارة الأمريكية وحالت دونه قرارات الرئيس هادي الأخيرة، ومن المتوقع طرحه في المباحثات الجارية كون هذا السيناريو يحقق مصالح وأجندات الدول الكبرى، ويشكل من حيث هو انتصاراً مظفراً للإنقلابيين (صالح والحوثيين) باعتبار أي سلطة في واقع الأمر سوف تكون تحت سيطرتهم عسكرياً.

غير أن احتمالات تحقق هذا السيناريو فيما يبدو ضعيفة جداً ومرفوضة، لأن الشرعية وحلفائها في دول التحالف العربي يعتبرون ذلك هزيمة عسكرية لهم، وكون الحرب التي أعلنها التحالف ضد الانقلابيين نهاية مارس / آذار 2015م لم تكن مجدية وغير مشروعة، وتفضي إليه نتائج هذا السيناريو والحرب في الداخل مستقبل الأمن القومي للخليج عسكرياً وقانونياً.

وبالتالي: تبدو احتمالات تحقق هذا السيناريو ضعيفة جداً وتتساوى في المقابل مع احتمالات تحقق السيناريو الأول.

يلي ذلك، سيناريو المحاصصة والتقاسم، ويعتبر هذا السيناريو السقف الأدنى للانقلابيين والمُضّر بالشرعية، ويقضي بتسليم صنعاء للرئيس هادي وإعلان حكومة جديدة مقابل إلغاء قرارات تعيين نائب الرئيس علي محسن الأحمر ورئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر مقابل تقسيم حماية أمن العاصمة صنعاء بين وحدات عسكرية تابعة للشرعية وأخرى للانقلابيين.

وهذا السيناريو قد يحقق انتصار شكلي ظاهر للتحالف والشرعية في اليمن لكن مؤداه ومعطياته على المدى الطويل يعتبر في حقيقته انتصار ضمني لمعسكر الانقلابيين (صالح والحوثيين)، وقد يفضي حدوث هذا السيناريو في المستقبل القريب إلى عودة الصراع مجدداً، ويمكن الحوثيين وحلفائهم من ابتلاع الدولة في ظل السيطرة المحكمة الآن عليها، وبخاصة إذا تمت الموافقة على دمج ميلشياتهم دون أي تأهيل وقبل هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية.

غير أن فرضيات تحقق هذا السيناريو فيما يبدو غير ممكنة، نظراً لانعدام آلية التوافق على مرحلة الانتقال السياسي بعد، وهو ما يجعل من الحديث عن هذا السيناريو في هذه اللحظة سابق لأوانه وإن بدا متوقعاً.

المسار الثاني:

الفشل الكلي والجزئي للمباحثات، بحيث تفشل الأمم المتحدة والأطراف المتحاورة في الوصول إلى صيغة يتم التوافق بشأنها حول تنفيذ النقاط الخمس، وعدم التوصل في هذا الإطار إلى نقطة اتفاق بشأن إيقاف الحرب وإحياء واستئناف العملية السياسية في اليمن.

وفي هذه الحالة يفرض مسار فشل المباحثات الجزئي والكلي أحد هذه السيناريوهات: 

•        فشل المباحثات وتأجيلها إلى حين مع بقاء الهدنة

•        فشل المباحثات وسقوط الهدنة وعودة الحرب 

 ولكل سيناريو من هذه السيناريوهات المتوقعة لفشل مباحثات الكويت حيثياته ومساقاته، بحيث يفرض مسار فشل مشاورات الكويت سيناريو تأجيل المفاوضات مع احتمال بقاء الهدنة ومحاولة المضي في تثبيت وقف إطلاق النار، ونشوب الاقتتال بين الطرفين وعودة الحرب.

ما يعني عودة الطرفين لتحقيق انتصارات ميدانية على الأرض، وهو سيناريو لا شك يصب في مصلحة الجهة والطرف الأكثر قوة على الأرض وسيعدل الكفة لصالحها، وقد تقود الحرب القادمة إلى مفاوضات استسلام الطرف المنهزم لصالح الطرف الأقوى.

وفي هذه الحالة يتوقع أن تغيّر قوات التحالف العربي على مواقع تجمعات الانقلابيين (صالح والحوثيين) وتقوم بإسناد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من خلال تعزيز جبهة تعز وسط اليمن وفك الحصار عنها والعمل على خروج مليشيات الانقلابيين منها، بالتوازي مع حشد قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على تخوم العاصمة صنعاء أكبر مما هو عليه.

ومن المحتمل في هذا الظرف أن يتم استئناف المباحثات والمشاورات وعقدها في الكويت لمرة أخرى، أونقلها إلى العاصمة الرياض. 

أعلى