• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دارفور ماذا نعرف عنها سوى الحرب؟

دارفور ماذا نعرف عنها سوى الحرب؟


اشتهرت أسماء كثير من المدن والأقاليم على أوسع نطاق من خلال الإعلام، ولكن للأسف لم يكن السبب الرئيس في انتشار أسماء هذه المدن أو الأقاليم، هو العلم أو التجارة أو أنها أماكن للسياحة، والغريب في الأمر أن بلاد المسلمين لها الحظ الأوفر من هذا الانتشار! ومثال على ذلك إقليم كشمير المتنازَع عليه بين الهند وباكستان، ومنها البوسنة والعراق... هذه البلدان نالت الحظ الأوفر من الشهرة على أوسع نطاق، ولكلٍّ منها قصة مليئة بالأحزان؛ فمثلاً: عُرفت الفلوجة بشدة مقاومتها للغزو الأمريكي، وعلى شاكلتها المَوصل والرمادي وبقية مدن العراق، وفي الوقت ذاته الذي كانت فيه الحرب على أشدها في العراق، فُتحت جبهة دارفور واستعرت الحرب فيها، وكانت بذورها النهب المسلح (من أين جاء السلاح؟).

برز إقليم دارفور في وسائل الإعلام بأنه بؤرة حرب مستعرة، بل كانت الآلة الإعلامية الغربية تبالغ كثيراً في تهويل الأمر حتى أصبح الإقليم قضية مسيسة عالمياً، بدخول الأمم المتحدة عن طريق استخبارات غربية، كانت زريعة لتدخل القوى العظمى خشيةً من المد الإسلامي في إفريقيا، وضُيِّق بسببها على السودان برمته.

إلا أن هناك واقعاً مغيباً تماماً عن الناس، دارفور لها تاريخ إسلامي ناصع البياض، وشهدت حِقبُها سلطناتٍ إسلاميةً تعاقبت على حكمها كانت آخرها سلطنة علي دينار، التي امتد أثرها في حينها إلى خارج البلاد، وكان السلطان علي دينار يرسل كسوة الكعبة سنويا (المحمل) وكذلك يقدم المعونة للحجاج متمثلة في الإطعام للإنسان والحيوان، ويعرف هذا من بقي من الحجاج المعمِّرين وأهل المملكة العربية السعودية، وتدليلاً على ذلك كلُّ من أحرم من المدينة المنورة لا بد له أن يمر بأبيار علي، والتي يعتقد الناس أنها تنسب لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، لكن في الحقيقة من حفرها وجعلها وقفاً لله تعالى شاهداً على ذاك العهد، هو السلطان علي دينار أحد سلاطين دارفور رحمه الله (ت 1916م) على يد الإنجليز.

أما دارفور الحاضر عندنا في السودان، فقد عرف فيها الإنسان الدارفوري بـ (الفكي)؛ أي الذي يحفظ القران الكريم، وله من العلوم الشرعية حظ.

أكثر من ثلث سكان الإقليم يحفظون القرآن عن ظهر قلب، غير أن إنسان المنطقة بسيط في معاشه، متسامح مع الآخرين، وهذه صفة تميِّز الدارفوري عن غيره؛ كريم في طبعه، طيب في معشره، نبيل في خلقه، لا يعرف الشر ولا للعداوة باباً.

بارك الله في تلك البقعة، وجمع فيها من الخيرات والثمرات، ما لا يوجد في غيرها من بلاد العالم؛ فهي أرض الزراعة بمختلفة أنواعها بستانية وحقلية، وهي أرض الموارد المتجددة وغير المتجددة، فيها المعادن مثل الذهب والنحاس وفيها النفط، وغيره من الثروات التي لم تُكتشَف بعد مثل اليورانيوم والغاز كما تعتبر دارفور أكبر مخزن جوفي مائي في إفريقيا.

فيها عدد كبير من الثروة الحيوانية التي تتفوق بها على غيرها من مناطق السودان، ملايين الرؤوس من الماشية (الأبل، والأبقار، والضأن، والماعز، والخيل...ٍ).

أما جانب الطبيعة، فهي ساحرة فاتنة، تخلب الألباب، فكلُّها جميلة حيث الخُضرة والغابات والجبال المخضرَّة، كجبل مرة... هذا المعلم البارز الذي يتميز بطبيعة فريدة من نوعها حيث الشلالات والمياه العذبة، وأشجار الفاكهة بأنواعها، هذا الجبل الجميل ألهب قريحة الشعراء فتغنوا به في قصائدهم مدحاً وثناءً.

الخير العميم في تلك المنطقة جلب لها هذا الصراع الذي امتد سنوات طوال، خسرت فيه دارفور كثيراً؛ فُقِد فيه الأب والأم والأطفال وشُرد بسببه شيخ القرآن وانطفأت فيه نار (التقابة). كانت مؤامرات الغرب تحاك ليل نهار لجعلها منطقة حرب استنزافية مشتعلةً لعلمهم التام بكنوز دارفور الإنسانية والإسلامية قبل الثروات.

ولكن - ولله الحمد والمنة - الآن دارفور تعافت تماماً من شر الحرب، إلا بؤراً قليلةً لا تُذكر؛ وذلك بفضل إنسانها وجهود المصلحين من الداخل والخارج، دولاً وجماعاتٍ ومنظماتٍ وأفراداً.

ويبقى تضافر الجهود لإعادة أهل دارفور الطيبين إلى قراهم وديارِهم مطلباً ملحّاً يحتاج لنا أجمعين.

 

التقابة: هي نار القرآن التي يتحلق حولها طلبة الخلاوي ليلاً ويتلون القرآن على ضوئها ويتذاكرون علومه

 

أعلى