البراءة البريطانية الزائفة
لا شك أن الغرب ببراغماتيته وميكافيليته وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قادتا حروب عنصرية همجية راح ضحيتها دول عربية وإسلامية بأكملها، وتحت ذريعة شعارات مطاطة على غرار؛ إسقاط "رئيس دكتاتوري"، أو "محاربة الإرهاب" تمت إبادة شعوب عربية بشكل ممنهج وبدم بارد، دون محاسبة من أحد، ومازال قادة هذه الدول الاستعمارية يتبجحون بأنهم برغم اعترافهم بارتكاب أخطاء إلا أن لديهم الحق في التدخل والإطاحة بمن لا يروق لهم من رؤساء عرب مسلمين.
تبجح مؤخراً وزير خارجية بريطانيا "فيليب هاموند" بإطلاقه تصريحه الأخير بأن بلاده سوف "توقف صادرات السلاح للسعودية إذا لم تلتزم الأخيرة بالقانون الدولي الإنساني في معركتها في اليمن". حيث يبدو انه استقى معلوماته من إعلام الحوثيين المُسيس برواياته الهوليودية الأكثر مبالغة، متهماً السعودية بارتكاب مخالفات، وهو بالمناسبة تصريح ليس له أي اثر أو قيمة تذكر سوى الضغط على السعودية لتحقيق أهداف أخرى، وهو الذي تعتمد بلاده على التصنيع الحربي وصادرات الأسلحة بشكل أساسي وكبير، إذ تحتل بريطانيا المرتبة الخامسة من بين الدول المصدرة للسلاح.
وقد قدم مؤخرا توني بلير اعتذاراً على أخطاء الحرب التي دخلتها بريطانيا بناء على معلومات استخباراتية مغلوطة وغير صحيحة، ويأتي اعتذار بلير المنقوص عن ارتكابه أخطاء ليس بمحض إرادته وليس كنوع من المكاشفة واستفاقة الضمير، ولكن لان هناك تحقيق "تشيلكوت" بشأن العراق قارب على الانتهاء. وبرغم أن "جوردون براون" أكد بان هذا التحقيق سيتم في غضون عاماً واحداً إلا أنه استمر 6 أعوام بما يمثل" فضيحة" حسب وصف رئيس وزراء اسكتلندا "نيكولا ستورغيون"
وتعتبر بريطانيا كدولة لها ميراث استعماري كبير من أكثر الدول بعد الولايات المتحدة مسئولية عن المجازر والانتهاكات التي حدثت في العراق وأفغانستان وفي فلسطين، ومؤخراً في اليمن وسوريا. إذ تنتهج سياسة التسويف لإنهاء الأزمة ومحاولة تأبيد الأزمة والصراعات كي تستمر في إثراء قطاعها الحربي العسكري وزيادة صادراته، من خلال زيادة مبيعات المعدات والأسلحة للشرق الأوسط الذي يعتبر اكبر سوق يستهلك السلاح. ومن المعلوم أن بريطانيا سلمت أمر سياستها الخارجية ورهنت دولتها بكل مقدراتها لسيد البيت الأبيض، وضح ذلك فترة بوش الابن الذي أكد وزير خارجيته في مذكراته آنذاك "كولن باول" بان توني بلير وافق على دخول الحرب معنا وذلك قبل عام من بدء الحرب، وقد كان ينوي تكرار تلك التجارب والمغامرات العسكرية مع مناطق أخرى لولا المقاومة الشرسة التي لاقتها القوات الغازية. تلك الحرب التي لم تقرها الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، بما يدخلها حسب مفهوم فيليب هاموند في مستعرض اتهامه للعربية السعودية بالحرب الغير شرعية والمخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني أيضا، وكان قرار الحرب بشكل فردي يعكس تطلع استعماري وعنصرية واستهتار بإرادة الشعوب وحقها في العيش بسلام وأمان وبالأسلوب ونمط الحياة التي يناسبها.
ويقول البروفيسور البريطاني في جامعة اومبيرا البريطانية "استوارت سيم" أن "الغربيين لا يستطيعون أن يدعوا مكافحة الإرهاب حيث السياسات الغربية أدت إلى تفشي ظاهرة الإرهاب في الشرق الأوسط"
ويؤكد البروفيسور البريطاني أن "تدخل الغرب في أفغانستان والعراق بدعوى مكافحة الإرهاب أدى لتهميش جزءا من الشعوب، وهذا أفضى إلى تعزيز المجموعات الإرهابية... ولم تأخذ هذه القوات الغازية وهي تفرض قيمها الديمقراطية أن هناك اختلافات وتمايزات بين الشعوب يجب أخذها بعين الاعتبار... والحل يكمن فقط في تحسين المستوى الاقتصادي لتلك الدول".
وقد تسببت الممارسات العنيفة والانتهاكات الممنهجة ضد العراقيين والأفغان في ظهور التيارات المتشددة، فالاحتلال الأمريكي البريطاني إضافة إلى انه صب الزيت على نار الطائفية، تسبب أيضا بظهور التيارات الدينية المتشددة، وتعامل معها بشكل زاد من قدرتها على الحشد وكسب المتعاطفين والأنصار.
وقد ألقت هذه الحروب العنيفة ضد المجتمعات العربية المسلمة بظلالها حتى على الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء الجنود الذين كانوا يقتلون بدم بارد كل هدف متحرك، وقد أفادت كثير من التقارير أن جندي من بين 8 جنود بريطانيين ارتكب جريمة في بلده –بريطانيا- وكان ضحيته احد أقربائه، ذلك بسبب ارتفاع منسوب مشاعر العنف الذي اكتسبه ومارسه مع الشعب الأفغاني والعراقي. وبينت الدراسات أن نسبة كبيرة لجأت للعلاج النفسي بعد عودتهم من بريطانيا، وكلما زادت نسبة بقائهم خارج البلاد كلما زادت مشاكلهم العقلية والصحية والنفسية.
وهناك العديد من القضايا المنظورة ضد بريطانيا في محكمة الجنايات الدولية منذ عدة سنوات، وذلك بسبب ممارسات جنودها ضد المعتقلين في العراق والتنكيل بهم فيما عرف بـ "الاعتداءات الممنهجة"، وبريطانيا تواجه هذه المشاكل وحدها دون الولايات المتحدة لسبب بسيط وهو أن الولايات المتحدة لم توقع بعد على المحكمة، لذا هناك الكثير ينصحون بريطانيا بان تنسحب من اتفاقية روما ومحكمة الجنايات الدولية لكي تفلت من العقاب. ولكن يبدو أن مشاعر الإرث الإمبراطوري التاريخي تحول دون ذلك.
وعن التحالف البريطاني مع الاحتلال الصهيوني، فإن اللوبي الصهيوني له تأثير طاغِ على أعضاء مجلس العموم واللوردات البريطاني، إضافة للمستشارين اليهود الذين ما فتئوا يحرضوا على تبني استراتيجيات قتالية لا تأخذ بعين الاعتبار أي حسابات أخلاقية أو إنسانية طالما كانت الضحية عرب ومسلمون. ففور دخول القوات الأمريكية البريطانية بغداد قامت بمسح وتدمير السجل المدني للعراقيين، وهدمت المعالم الآثارية والحضارية والمعمارية وأتلفت المكتبات في العراق، في دلالة على مشاعر حقد دفينة ضد الحضارة الإسلامية . وقد زود الكيان الصهيوني القوات البريطانية في العراق وأفغانستان بصواريخ من طراز "تموز" عام 2007 وذلك لمساعدتها في ضرب الأهداف المتحركة بشكل سريع ودقيق، وهذا ما وصل إليه الكيان بعد خوضه حرب 2006 مع حزب الله.
وفي شرح أدق وأصدق لصورة السياسات الغربية الاستعمارية، فقد انتقد في أغسطس 2015 المرشح الجمهوري الملياردير "رونالد ترمب" منافسه في الحزب المرشح "جيب بوش" حيث قال " لقد أنفقنا 2 تريليون دولار على تدمير العراق بآلاف الضحايا وإزاحة صدام حسين الذي كان يدير دولته، ولم يكن يملك سلاح الدمار الشامل وعندنا اليوم بدلا عنه إيران وداعش، وأنهما ينسقان في صفقات إرهابية معا. واليوم تسيطر إيران على العراق، والمناطق التي لا تريدها تعطيها لداعش, واختتم قائلا ً " لقد نزعنا استقرار الشرق الأوسط وعمت الفوضى، إن لدينا قيادة حمقاء"