• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الحرم المكي في دائرة الاستهداف الإيراني

الحرم المكي في دائرة الاستهداف الإيراني



كشف حجم الفاجعة التي ألمت بالأمة الإسلامية والتي راح ضحيتها نحو 769 من الحجاج المسلمين أثناء رمي الجمرات في منى، عن غياب أي معايير دينية أو أخلاقية يمكن أن تضبط إيقاع الحرب التي تخوضها إيران الشيعية على العالم السُني.

هذا الاتهام الصريح لإيران لم يأتي رداً على تصريحات قياداتها التي استغلت ذلك الحادث الجلل للتشهير بسمعة المملكة العربية السعودية، ولا في إطار الدفاع عن الأخيرة أو محاولة رفع حالة الحرج عنها، لأن باع إيران الطويل وسجلها الحافل بالجرائم المشابهة والمتكررة وحربها المفتوحة على أهل السُنة، يجعل من الصعب بمكان أن نبرئ ساحتها من أي أحداث تستهدف الأمة الإسلامية، خاصة إذا علمنا أن المستهدف هو الديار المقدسة التي تشهد من تجمعات مليونية في موسم الحج.

على مدار عقود طويلة ظل حجاج إيران يمثلون هاجس أمني محدق ترتفع خطورته وتنخفض وفقاً لمستوى التفاعلات في العلاقات العربية الإيرانية، فالتطورات الأخيرة في اليمن وما صاحبها من إنجازات للمقاومة السُنية على حساب الحوثيين، ربما كانت دافع لإيران لبث الفوضى في المنطقة، خاصة وأن التجمع الكبير للسُنة في موسم الحج يعتبر فرصة مثالية لإيران خاصة وأن قضايا خلافها مع السعودية حول ملفات سياسية وأمنية متنوعة بالمنطقة باتت مفتوحة على مصرعيها ولا تحكمها أي حسابات، وعليه فإن قضية التدافع بمنى ما هي إلا حلقة من سلسلة طويلة بدأت منذ زمن بعيد حينما أقدمت جماعة القرامطة القادمة من البحرين عام 317 للهجرة بقتل نحو 30 ألفاً من الحجاج مستغلين تجمعهم في مكة، وأقدموا على سرقة الحجر الأسود الذي ظل في حوزتهم لمدة 22 عاماً إلى أن أعادوه فيما بعد.

 الجدير بالذكر في هذا الصدد أن القرامطة هي إحدى طوائف الإسماعيلية الشيعية المعروفة بعدائها لأهل السُنة.ومع صعود نظام الملالي إلى سدة الحكم عام 1979، بدأت أعمال العنف المنظم والشغب غير المبرر وإثارة الفوضى والشعارات السياسية تطل علينا من جديد في مواسم الحج السنوية، فكان عام 1986 على موعد مع مؤامرة جديدة حينما اكتشف رجال الجمارك والأمن بمطار جدة الدولي مواد شديدة الانفجار في حقائب الحجاج القادمين على طائرة إيرانية، حيث بلغ عدد تلك الحقائب نحو خمساً وتسعين حقيبة، كلها ذات مخازن سفلية ملبسة بمادة التفجير التي بلغ وزنها واحداً وخمسين كيلو جراماً، وبعد إجراء التحقيق معهم من قبل السلطات المسئولة اعترف كبير ركُاب تلك الطائرة، "الحكمدار محمد حسن علي محمد دهنوي" بأنه ومجموعته كُلفوا من قِبل القيادة الإيرانية باستخدام تلك المتفجرات في الحرمين الشريفين وفي المشاعر المقدسة، التي كانت تستضيف في ذلك الوقت، نحو مليوني حاج من مختلف الأقطار الإسلامية.

تمكُن السلطات السعودية من إبطال مفعول تلك المؤامرة وقدرتها الأمنية على التصدي لتلك المخططات الإيرانية لم تحول دون استمرار الأخيرة في السير قدماً نحو بث الفرقة بين المسلمين في الموسم التالي للحج، فكانت أعمال العنف والصدامات الدامية ورفع شعارات الثورة الإيرانية وقطع الطرق وعرقلة السير ومحاولات اقتحام المسجد الحرام أبرز ما حمله موسم حج عام 1987 الذي شهد توتر كبير وتحدي من نوع أخر أمام السلطات السعودية التي اضطرت لمواجهة أعمال الشغب حفاظاً على أرواح ملايين الحجاج المسلمين القادمين من جميع بقاع العالم، ووفقاً للرواية الرسمية السعودية أن حوالي 407 من الحجاج قد لاقوا حتفهم معظمهم من الإيرانيين المتسببين في تلك الأحداث.

من جانبها ردت إيران على إجهاض السلطات السعودية لمخططاتها وكشف تأمرها على العالم السُني بمقاطعة مواسم الحج بدءاً من عام 1990 حتى عام 1998 الذي شهد عودة وفود الحجاج الإيرانيين إلى مكة لأداء هذه الفريضة.

لكن على الرغم من مقاطعتها لموسم الحج، إلا أنها ظلت حاضرة وبقوة في حادثي تفجير أحد الطرق المؤدية للحرم المكي وتفجير أخر فوق الجسر المجاور للحرم عام 1989، نتج عنهما وفاة حاج باكستاني وإصابة ستة عشر آخرين، وهو ما أكدته الرواية الرسمية السعودية التي أكدت حينها تورط 20 حاجاً كويتياً، كانوا قد حصلوا على مادة "تي ان تي" شديدة الانفجار، حصلوا عليها عبر السفارة الإيرانية في الكويت، وذلك وفقاً لما جاء في نتائج التحقيقات، الأمر الذي دفع السلطات السعودية إلى تنفيذ حكم الإعدام في ستة عشر شخصاً من المتهمين.

تلك الحادثة وما ترتب عليها من توتر شديد في العلاقات السعودية الإيرانية، كانت مقدمة لحادثة أخرى أشد خطورة، في يوم عيد الأضحى من نفس العام، حيث تقول بعض الروايات أن جماعة "حزب الله الحجاز" الشيعية قد أطلقت غازاً ساماً في "نفق المعيصم" أدى إلى مقتل أكثر من أربعة الآلاف من الحجاج أغلبهم من الاندونيسيين والأتراك، وذلك انتقاماً لإخوانهم المتهمين بالتفجيرين المشار إليهما أنفاً.

خلال مرحلة تسعينات القرن الماضي التي شهدت مقاطعة إيران لموسم الحج، شهدت مكة بعض الأحداث لكنها عند الحد الأدنى ولا ترتقي إلى مستوى الأحداث التي عرفتها في مواسم سابقة، وربما كانت غالبيتها ناتجة عن أخطاء فنية وغيرها، لكن حالة الهدوء في العلاقات السعودية الإيرانية والتحسن الملحوظ نهاية التسعينات، دفع الأخيرة لإرسال وفودها من الحجاج إلى مكة، لكن مرحلة التحسن الملحوظ في العلاقات السياسية صاحبها نوع من الهدوء من الوفود القادمة من إيران، إلى أن جاءت حادثة مشعر منى الأخيرة. والملاحظ في هذا المقام أن تلك الحادثة قد صاحبها توتر شديد في العلاقات الإيرانية العربية، كما أن المواجهات المباشرة في سوريا واليمن ستبقى ماثلة في الأذهان عند أي تجمع لأهل السُنة، لأن الخبرة التاريخية تؤكد على استغلال إيران لأي تجمع كبير لأهل السُنة لنشر الفوضى بين صفوفهم والرد على أي إنجاز يحققوه في مناطق الصراع المباشرة.

فما أشارت إلية الروايات المختلفة حول التدافع في مشعر منى واندفاع حملات حجاج ضخمة للإيرانيين عبر طريق سوق العرب ورفضهم العودة قبل حدوث الكارثة، وفقاً لشهود عيان أكدوا على أن الحجاج الإيرانيين لم يستمعوا للتوجيهات وتجاهلوها وتصادموا عمداً مع حجاج آخرين وكانوا يصرخون بشعارات قبل حادثة التدافع، يؤكد على أن الدور الإيراني كان حاضراً في تلك الحادثة، وهو ما أكد عليه أيضاً مسئول في مؤسسة مطوفي حجاج إيران لصحيفة الشرق الأوسط، مؤكداً على أن قرابة 300 حاج إيراني "خالفوا تعليمات التفويج المحددة"، مما تسبب بحادثة التدافع في شارع 204 بمشعر منى.

 وبحسب الصحيفة المشار إليها أن هذه المجموعة لم تنتظر انتهاءها من رمي جمرة العقبة، وفق التعليمات التي تطالب بالانتظار في المخيم حتى الموعد المحدد، وقررت العودة في الاتجاه المعاكس، مما تزامن مع خروج بعثات أخرى حسب جدولها الزمني المخصص لرمي الجمرات، ونتج عن ذلك اصطدام مباشر مع الكتل البشرية.

لذلك كان توجيه الاتهامات جزافاً إلى المملكة العربية السعودية من قبل الإعلام الإيراني وبعض التصريحات التي صدرت عن بعض المسئولين الإيرانيين، وآخرها تصريحات على خامنئي الذي أكد خلالها برد قاسي في حال الإساءة إلى الحجاج الإيرانيين، ومطالباً بحرمان السعودية من الإشراف على الأماكن المقدسة. لذلك جاء الاستهداف الإيراني الواضح لرأس العالم السُني لتعويض فشلها وخسائرها الكبيرة في سوريا واليمن، فكان من الطبيعي أن تحاول إيران أن تنتقم من المملكة العربية السعودية بسبب مواقفها في دعم الثورة السورية والحرب على الحوثيين في اليمن.

أعلى