فساد النخب يطيل النزاع في اليمن
يدور في خلد الكثير من اليمنيين أن ما يحدث لهم من أزمات متراكمة منذ عشرات السنين، سببها ومنشأها الأساس هي الخلافات السياسية والمصالح الذاتية بين النخب السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء.
يمكن القول أن صناعة الفشل في اليمن، مهنة اعتيادية لرجال السياسة والنخب الحزبية والثقافية، نتيجة ممارستها للأساليب الملتوية، والسلوك النفعي في التعاطي مع قضايا الوطن ومصائر المواطن.
ولعل الكثير من الصراعات التي تدور بين النخب السياسية الفاعلة في المجتمع اليمني، وطبقات المثقفين، والأكاديميين، مثلها مثل كثير من الصراعات في مختلف دول العالم، لكن صراعات النخب في اليمن تتجذر حول النفعية وتحقيق المكاسب الشخصية والحزبية، بعيداً عن أي مصالح عامة لخدمة المواطن البسيط.
ربما أن المصالح العامة للوطن والمواطن، قد تكون أخر ما يفكر به السياسي اليمني، أو المسؤول الحكومي، أو المثقف الجسور، حتى ان الشعارات البراقة التي رفعتها الأحزاب والمكونات السياسية في اليمن كانت لا تلبث أن تسقط في أول فرصة تتاح لها أن تُطبق على أرض الواقع.
ولعل المواطن اليمني المغلوب على أمره، قد يئس من تلك الشعارات التي دائماً ما تُرفع في كل مناسبة، لكسب قلوب المواطنين وسحبهم في فضاءات لا تعطيهم أدنى حقوقهم، إذ أنها مجرد رافعات لإيصال تلك النخب إلى سدة الحكم أو تحقيق المصالح الذاتية، وما تلبث أن تنقلب على تلك المبادئ التي ظن الناس أنها مفتاح خير لهم، فكانت عكس ذلك.
ولعل السنوات الأخيرة التي عاشتها اليمن كانت من أكثر السنوات التي فقدت النخب الثقافية والسياسية على وجه الخصوص علاقتها وارتباطها بالمواطن البسيط، فأصبحت درجات اهتمام الطرفين مختلفة اختلافاً كبيراً، وأصبح ما يفرق بينهما أكثر مما يجمع بينهما.
وحسب دراسة ميدانية للدكتور حزام عبدالله الذيب حول النخب في اليمن، فقد وجد الباحث أنه منذ قيام الدولة الحديثة في شطري اليمن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن واستقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م، ثم قيام الوحدة بينهما في 22 مايو 1990م، وما تلاها من أحداث سياسية حتى أواخر عام 2006م، فقد ظهرت نخب سياسية ذات خصائص اجتماعية متباينة، وكانت هي الفاعل الأساس إن لم يكن الوحيد في تلك الأحداث، وقد شهدت البلاد في هذه المرحلة مختلف أنواع الصراعات بين النخب السياسية التقليدية والحديثة، والنخب السياسية الحاكمة والمعارضة، وكل تلك الصراعات تدور حول الإمساك بالسلطة أو الاستمرار فيها وامتلاك المكانة والنفوذ.
ولعل تعليق الشاعر اليمني الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح كان مناسباً في توصيف حالة النخب في اليمن، حيث أوضح أنها تعاني من حالة نقص في المناعة الوطنية، أما الدكتور فؤاد الصلاحي فقد أعتبر أنها نخب غير عقلانية ولم تستطع أن تمارس الفعل السياسي على أسس دولتية بل على أسس قبلية ومناطقية، ما أدى إلى تفكك المجتمع وضعف الدولة.
بل يتطور الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير، فالنخب السياسية والمثقفة تعيش في ذاتها حالة انقسام كبيرة، فلا يوجد أي كيان أو مكون سياسي أو ثقافي أو أكاديمي إلا ويعيش حالة انقسام وصراع كبير على المستوى الداخلي مما أنعكس هذا الأمر على حالة الجماهير والوضع العام للمواطن اليمني البسيط.
وبالتأكيد لا يمكن عزل المشاكل التي تعيش بها اليمن حالياً والظروف الصعبة التي تمر بها منذ سنوات، عن الممارسات اللامسؤولة للنخب السياسية والثقافية والحزبية، والتي زرعت ثقافة المحسوبيات والمصالح الضيقة والصفقات الذاتية والحزبية التي جاءت على حساب الوطن والمواطن.
ولا يمكن اتهام قوى دون أخرى، فكل القوى النخبوية الحاضرة في المجتمع اليمني قد أدلت بدلوها في هذا الواقع المأسوي المؤلم التي تعيشه اليمن منذ سنين، وكل ما استجدت أحداث زادت حالة النخب سقوطاً إلى سقوطهم، وأصبحت آمال الناس عليهم سراباً.
ويرى الكثير من اليمنيين أن القوى النخبوية في البلد تتحمل وزر ما آلت إليه البلاد من كوارث وانقسامات وصراعات، بسبب ما تمارسه من سياسات تندرج وفق حسابات ومصالح ذاتية ومصالح آنية ليس للوطن ولا المواطن علاقة بها.
إن التمترس وراء المصالح الذاتية والأطروحات والرؤى لكل النخب السياسية والثقافية في البلد، وعدم تقديم التنازلات والحلول الوسطية، هي التي أوصلت البلاد إلى حالة الكارثة والسقوط المأساوي والتحول من الصراع السياسي إلى الصراع العسكري المسلح الذي ولد حالات القتل والدمار والنزوح والجوع والهجرة.
ولعل ما يزيد الطين بله كما يقال، هو استمرار تلك النخب المنقسمة في ذاتها، بترويج ثقافة الانقسام على كافة المستويات السياسية والثقافية والشعبية، حيث يسعى كل طرف أن يٌجير الجماهير في صفه من أجل القفز على تلك الجماهير إلى أعلى هرم السلطة والثروة، وتركهم في صراع مستمر ليس له نهاية.
ويبدو أنه ليس أمام اليمنيين إلا أن يخلعوا عنهم حالة التبعية المطلقة للنخب السياسية والثقافية التي أثبتت الأيام أنها لم تصنع أي انجاز يذكر لخدمة تلك الجماهير التي فقدت الكثير من الثقة بتلك النخب بعد تجارب عديدة لم تكن ذات جدوى.