إنسانية الغرب المزيفة
لم
يكن الصراع بين الحضارات في العالم بهذا الوضوح منذ القرن الماضي، ففي الوقت الذي
تتغذى فيه عواطفنا لسماع قصة أو خبر عن الفضاء المفتوح للقيم الإنسانية الغربية
نجد خلف هذا الفضاء حالة عداء هستيرية أصيب بها الغرب تجاه قضايا المسلمين و
الهجرة. وبدلاً من تصحيح علاقات البشر وفق قواعد و أسس إنسانية تحفظ كرامتهم فإن
قادة الغرب و خصوصا أوروبا دائما يتنافسون فيما بينهم على سن قوانين تمنع من
انتشار الإسلام في بلادهم، ولماذا الإسلام دون غيره من الأديان إذا كنتم تبرعون في
الترويج لعلمانيتكم و ليبراليتكم التي تحفظ للمتدين وغير المتدين حقوقه؟! أم أن
الديمقراطية صنعت للمسيحي و البوذي و الوثني و كل ديانات العالم باستثناء
المسلمين.. غرقت أوروبا مع بداية القرن الماضي في حروب طاحنة خلفت ملايين القتلى
ولم يكن الصراع في حينه من أجل حضارة بل من أجل الاستئثار بالسلطة وعنصرية
بغيضة. أنجبت هذه الحروب معادلة واحدة
مفادها تصحيح مسار المعركة و إحتلال الشرق الأوسط وتقاسم ثرواته و تجهيل شعوبه و
العمل على تحطيم آخر حصون الإسلام المتمثلة في الدولة العثمانية، بمساعدة رئيسية
من بعض الفاسدين و العملاء المستأجرين من الغرب، سواء كانوا سياسيين أو مثقفين أو
حتى تجار..
إن الحضارة الإسلامية ومنذ نشأتها لم تفرق في
المعاملة بين جميع أجناس البشر على اعتبار أنهم جميعا عبيد لله سبحانه وتعالى،
وكانت القاعدة الأساسية في التعامل مستمدة من حديث الرسول الكريم عليه السلام: ( لا
فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى). لكن الحضارة الغربية
التي قامت بروح مسيحية متأصلة فيها و إن غابت عن الظهور، لا تزال مستندة إلى أقوال
فاسدة وعنصرية تجاه الإسلام مثل نظرية الباحث السياسي الأمريكي صمويل هانتينغتون
الذي اعتبر أن الدين الإسلامي مصدراً للشكوك والريبة والكراهية والعنف.
إن كنا نريد التفصيل في ذلك فيجب الإشارة إلى
تركيا التي تمسكت في علمانيتها لأكثر من 90 عاما أكثر من الوجوديين أنفسهم، وأجرت
تعديلات على قوانينها حتى منعت الآذان و أعدم المسلمين و ضيق عليهم بشكل بشع على
أمل أن تنال العلمانية في تركيا رضا النادي المسيحي المسمى بالإتحاد الأوروبي، لكنها
في المحصلة لم تقبل و لم تمنح عضوية و الأمر لا يتعلق بكون تركيا غير مؤهلة
للديمقراطية الأوروبية بل إن تركيا يعيش فيها قرابة 80 مليون نسمة غالبيتهم من
المسلمين، إذا فتحت أمامهم الحدود الأوربية سيقلبون ميزان الديمغرافيا في الاتحاد
الأوروبي بشكل سيكون حتما لصالح الإسلام.
لو تعمقنا في دراسة الظواهر و الصراعات
السياسية التي تعيشها المنطقة سنعلم جيدا أن اليد الخبيثة المحركة لكل ما
يجري هي الغرب سواء كان الاتحاد الأوروبي
أو أمريكا، فبينما ترسل فرق الموت لقتل المسلمين في أفغانستان ترسل لجان المساعدات
الإنسانية لمعالجة جرح الحرب، وكذلك هم يملؤون مخازن إسرائيل بالسلاح و يتشدقون
بإنسانيتهم من خلال إرسال فرق طبية لمعالج جرحى الحرب و بناء مستشفيات و مدارس
وإرسال معونات غذائية، وليس العراق ببعيدة عن هذه المعمعة، فالإنسانية في
قاموسهم في آخر الصفحات ولا تعني لهم
شيئاً سوى إذا كان الأمر يتعلق بالمواطن الأبيض المسيحي. قتل أكثر من مائتي ألف
مسلم في سوريا بأسلحة كيميائية ولم يوضع حتى الرئيس السوري بشار الأسد ضمن مطلبي
محكمة الجنايات الدولية لمجرمي الحرب، وكذلك يقتل مئات الآلاف من العراقيين سنويا
بأسلحة أمريكية و إيرانية ولم تفعل إنسانية الغرب شيئا للعراقيين، لكن بالمقابل
حينما حاصرت جماعة مسلحة العشرات من الازيديين في جبل سينجار هرعت البوارج و
الطائرات الأمريكية و الغربية لتقديم المساعدة، لماذا؟!
رغم أن السامية تعني الانتماء إلى سلالة سام بن
نوح ومن ثم فإن العرب يندرجون تحت هذا الانتماء إلا أن الاعتداء على اليهود وحدهم
في أوروبا يعد جريمة، لكن الإعتداء على العرب لا يعد جريمة، ففي ديسمبر الماضي تمت
الإطاحة بالصحفي الفرنسي الآن مينارغ نائب مدير عام إذاعة فرنسا الدولية لأنه وَصَف
إسرائيل بأنها دولة عنصرية، بينما أنتجت السينما الأمريكية أكثر من 500 فيلم مسيء
للعرب لكن لم يتم مقاضاة أي شركة إنتاج على ذلك.
هناك تفاصيل كثيرة يمكن أن تثبت أن ما يقود
الغرب عاطفتهم المسيحية تجاه المسلمين، كان أكثرها إثارة الجريمة المروعة التي
ارتكبها النرويجي أندرس بريفيك حينما قتل 77 شخصا غالبيتهم مراهقين مسلمين في أحد
الحدائق عام 2011. بماذا حكم عليه القضاء؟! في اغسطس من العام 2012 صدر حكم بحقه
مدته 21 عاما، و اعتبر متخلف عقليا بالرغم من إفصاحه عن رغبته في قتل المسلمين
باعتبارهم العدو القادم لأوروبا. لماذا لم تشن حملة على الكنائس التي تقوم بشحن
أمثال بريفيك ضد المسلمين، أو يتم تغيير المناهج في مدارسهم أو تقف المجاميع الليبرالية
الغربية في وجه التحريض ضد المسلمين؟!.
حادثة أخرى تدلل على أن إنسانية الغرب فقط
تخصهم وحدهم، جرت لشابة مسلمة تركية ولدت وترعرت في النمسا تدعى "ناغاهان
كوسا"، قالت إنها تعرضت لإعتداء في ابريل الماضي من رجل وامرأة بسبب حجابها
وقامت بإبلاغ شرطة مدينة "هالين" لكن سرعان ما تم حفظ القضية و إغلاق
الملف رغم أن الشابة تعرضت لجروح في يدها بسبب الاعتداء، بعد أربعة أشهر تفاجأت
الفتاة باستدعاء الشرطة لها على خلفية تهديدها لنفس المرأة و الرجل اللذان اعتديا
عليها!!.
في أمريكا أكبر منظر للديمقراطية و الإنسانية في
العالم، قتل خلال الأسابيع القليلة الماضية ثمانية شبان سود في حوادث متفرقة برصاص
عناصر شرطة "بيض"، لم يتهم أحد في عمليات القتل هذه وتم تبرئة عناصر
الشرطة. أيضا في مدينة إسكيلستونا السويدية، تعرض مركز الدعوة الإسلامية في يوم "عيد
الميلاد" لهجوم بقنابل حارقة، كان هذا الاعتداء الثالث من نوعه خلال اسبوع
على مساجد للمسلمين في السويد. عبثا قالت وسائل الإعلام إن السويديين خرجوا في
مظاهرات للتنديد بالحوادث، وفعليا من خرج هم مسلمين يحملون الجنسية السويدية، هم
يعرفون ما يريدون، هم لا يريدون الإسلام. مع حصول أحزاب اليمين المسيحي على نسبة
كبيرة من المقاعد في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي بفوزهم بـ٢١١ مقعدًا،و اليمينيون
المتطرفون بـ٤٠ مقعدًا، فإن الساسة في أوروبا سوف يتصرفون دائما على أنهم يتصدون
للغزو الإسلامي للغرب، و سيبقى العمل السري ضد هجرة المسلمين هو الشغل الشاغل لهم
مع المزيد من الإجراءات التي تقيد انتشار المساجد و المآذن و منع الحجاب.
في الختام يبقى أن نقول أن الأوروبيين ربما
يحظون بتعليم جيد و اقتصاد جيد لكن عاطفتهم الدينية لم تتغير عن العصور الوسطى
وزمن البابا أوربان الثاني و حملاته الصليبية، لكن القوانين المشددة هي التي
تلجمهم، و ما الاعتداءات التي تحدث ضد المسلمين و المهاجرين في أوروبا سوى ثورات
غضب فردية تعبر عن حالة عامة من العنصرية الملجمة بالقانون منعا للعودة إلى
الوراء.