شبح المواجهة مع "جهاديي" سوريا يفزع الصهاينة
تنطلق
القيادات السياسية والنخب الأمنية الصهيونية من افتراض مفاده أن المواجهة بين الجيش الصهيوني وما تطلق عليه
تل أبيب "التنظيمات الجهادية" العاملة ضد النظام في سوريا هي مسألة
وقت،لا أكثر.
فقد
أكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيوني هرتسي هليفي أن اندلاع منازلة بين
الكيان الصهيوني ومن أسماهم بـ "الجهاديين" في سوريا "حتمية".
وخلال إفادة قدمها أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أواخر الأسبوع
الماضي،توقع هليفي أن يتحول حادث عرضي ينشب بين الجيش الصهيوني وإحدى الحركات الجهادية
العاملة في الجولان إلى مواجهة واسعة مع طيف كبير من الحركات الجهادية. وحذر هليفي
من أن وقوع مواجهة بين الحركات "الجهادية" في سوريا وبين الكيان
الصهيوني سيعمق شرعية هذه التنظيمات في نظر المواطن العربي،ويزيد من عزلة الدول العربية
التي تشارك في الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضدها،سيما ضد الجهاديين.
وأوضح هليفي أن ما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة أن
هناك ما يدفع للاعتقاد أن التنظيمات الجهادية ستتجه لمساعدة بعضها البعض في مواجهة
الكيان الصهيوني.
وما
يزعج هليفي بشكل خاص حقيقة أن الحركات "الجهادية" باتت تسيطر على أجزاء
واسعة من الدول العربية المجاورة والبعيدة،وتمتلك قدرات عسكرية "جدية
جداً". وعلى الرغم من أنه لا يفوت هليفي التأكيد على أنه ليس بوسع هذه التنظيمات
احتلال أجزاء من الكيان الصهيوني،لكنه في الوقت ذاته، يشدد على أنه بإمكان هذه
التنظيمات تحويل حياة الصهاينة إلى جحيم لا يطاق. ويتضح من الجدل الدائر في تل
أبيب أن فرص اندلاع مواجهة مع الجهاديين على المدى المتوسط والبعيد أكبر من فرص
اندلاع مواجهة مع أية جهة أخرى. ومما يزيد المخاوف لدى الصهاينة هي تحديداً الانطباعات
التي ينقلها كبار جنرالات الجيش الأمريكي لنظرائهم الصهاينة،والتي تعكس تشاؤماً إزاء فرص النجاح في تحقيق حسم في مواجهة هذه الحركات.
فقد أولت النخب الصهيونية اهتماماً واضحاً بالتقييمات التي قدمها الجنرال كرييغ فرنكلين،الذي
تولى مواقع قيادية مهمة في الجيش الأمريكي،حول نتائج المواجهة مع الحركات الجهادية
في العراق وسوريا ومناطق أخرى. ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "يسرائيل
هيوم"،ونشرتها الأحد الماضي، يجزم فرنلكين أنه يستحيل إلحاق الهزيمة بالتنظيمات
الجهادية،مشدداً على أن هذه التنظيمات بإمكانها أن تبرز في أي مكان في العالم باسم
آخر، في حال تعرضت لضربة قوية.
ويشدد
فرنكلين على ضرورة أن يتم تصميم المواجهة ضد التنظيمات الجهادية بشكل لا يسمح بتوحدها،معتبراً
أن أي سيناريو يفضي إلى توحدها يعني أن المواجهة ستكون مكلفة جداً.
إن
تقييمات فنركلين تكتسب أهمية خاصة لأنه سبق أن شغل مهام قائد سلاح الجو الأمريكي الثالث
وعمل في أفغانستان والعراق،علاوة على قيادته وحدات نخبوية في الجيش الأمريكي. وشكك
فرنلكين في قدرة التحالف على تحقيق إستراتيجية الرئيس أوباما لمواجهة التنظيمات
الجهادية، وهي الإستراتيجية التي تقوم على مبدأ " degrade
& defeat"(التحطيم والهزيمة).
إن
تحديد الحركات الجهادية العامل في سوريا،كمصدر خطر إستراتيجي، يفسر الاهتمام الصهيوني
الواسع بحادثة أسر الطيار الأردني من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية". فقد
انقسم الاهتمام النخبوي الصهيوني بهذه القضية إلى مجالين. المجال الأول تمثل في
تسليط الأضواء على دور الأردن في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة التي تستهدف
الحركات الإسلامية "الجهادية"،واستفادة الكيان الصهيوني من ذلك. في حين
أن المجال الأول يتعلق بمظاهر الاستهجان الصهيوني من استعداد الأردن للتورط في
مواجهة مخرجاتها السلبية أكبر من مخرجاتها الإيجابية بالنسبة للأمن القومي
الأردني.
ففي
خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة العبرية الخميس الماضي،أوضح المستشرق أورن يستحاك
أن أسر الطيار الأردني من قبل تنظيم "الدولة" يكشف فقط جزءاً يسيراً من الدور
العربي في خدمة الأهداف الأمريكية. ويشير يتسحاك إلى أن الدور الأردني ينسجم مع
الدور المرسوم له في إطار إستراتيجية "القيادة من الخلف" التي تبنتها
الإدارة الأمريكية بعد ثورات الربيع العربي. وأشار إلى أن تراجع نفوذ الولايات
المتحدة في المنطقة ورغبة أوروبا في نقل مركز الاهتمام الأمريكي إلى منطقة جنوب
شرق آسيا،بسبب التنافس مع الصين،جعل الأمريكيين مهتمين بتوظيف حلفاء يخدمون
المصالح الأمريكية دون أن يكون لواشنطن وجود وأث طاغي في المنطقة. وحسب تحليل
يتسحاك، فأن الأمريكيين حددوا كلاً من الكيان الصهيوني وتركيا والأردن للعب هذا
الدور،مشيراً إلى أن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان خيب آمال الأمريكيين عندما رفض
المشاركة في الحرب على تنظيم "الدولة" واشترط أن تتزامن الحرب على تنظيم
"الدولة" باستهداف قوات النظام السوري، أو على الأقل تدشين مناطق آمنة
في شمال وجنوب سوريا. وأوضح يتسحاك أن ظهور الكيان الصهيوني بشكل معلن في الحرب ضد
الحركات الإسلامية الجهادية سيحرج الدول العربية المتحالفة مع أمريكا،علاوة على أن
تل أبيب تضبط مشاركتها في أي عمل بمدى تحقق مصالحها الإستراتيجية والأمنية. ونوه
يتسحاك إلى أن الأردن ظل أكثر حلفاء واشنطن حرصاً على انجاح إستراتيجية
"القيادة من الخلف". في الوقت ذاته،هناك شهادات كثيرة تؤكد أن هناك
تنسيق وتعاون استخباري أردني صهيوني بشأن آليات مواجهة التهديد الذي تمثله الحركات
الجهادية. فعلى سبيل المثال أكد أودي سيغل،المحلل السياسي في قناة التلفزة الصهيونية
الثانية أن جميع اللقاءات السرية والعلنية التي يعقدها المسؤولون الصهاينة مع
نظرائهم الأردنيين تناولت بشكل أساسي سبل التنسيق لمواجهة خطر الحركات الإسلامية
العاملة في سوريا. ولم يفت سيغل أن يكشف في تحليل عرضته القناة ليلة الأربعاء
الماضي عن قيام قيادات من أجهزة استخبارية صهيونية بزيارة عمان مراراً للتنسيق
بشأن سبل مواجهة هذه الحركات. لكن قطاعاً من المعلقين الصهاينة يستهجنون إقدام
الأردن على المخاطرة بالانضمام بشكل نشط إلى العمليات العسكرية التي تنفذها دول
التحالف،بدون مكاشفة الأردنيين بذلك. ويشير نداف إيال، المعلق في قناة التلفزة
العاشرة إلى أن الأردن يخاطر بخوض مواجهة باتت علنية ضد "الجهاديين" على
اعتبار أن هناك قطاعات واسعة من الأردنيين تؤيد وتتعاطف مع التنظيمات الجهادية. وحسب
هليفي، فأن هذا الحادث يمكن أن يتحول إلى مواجهة واسعة مع طيف كبير من الحركات
الجهادية.