• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العلاقات الهندية الصهيونية وخطرها على العالم الإسلامي

العلاقات الهندية الصهيونية وخطرها على العالم الإسلامي

المتابع للعلاقات الثنائية بين جمهورية الهند ودولة الاحتلال الإسرائيلي يلحظ أنَّها تشهد تطوراً كبيراً وبالغ الأثر في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية والزراعية وغيرها، حيث تفاخر الحكومة الإسرائيلية اليوم بأن علاقات حميمية تربط الدولتين، وتستند لمنظومة قيمية ولمصالح مشتركة بين دولتين ديمقراطيتين ومنفتحتين تزاوجان بين التراث والحداثة وتسعيان لإحراز الاستقرار والتطور الإنساني والاقتصادي" حسب تصريح للخارجية الإسرائيلية. وبغض النظر عمَّا احتواه هذا التصريح من مغالطات وافتراءات تتعلق بمسألة الديمقراطية أو الانفتاح على الآخر أو الإرث التراثي في جانب الإسرائيلي، إلا أنه يمكن اعتبار أن العلاقات بين البلدين ذاهبةٌ نحو مزيدٍ من التطور والتقدم والتقارب.

العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي

هناك حاجة ماسة وقضايا ملحة تجمع البلدين، حيث تنظر الهند إلى الكيان الصهيوني باعتباره حلقة الوصل مع أو النافذة نحو العالم "المتقدم" كالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية واستراليا، خاصة وأن الكيان الصهيوني يرتبط مع هذه الدول بعلاقات استراتيجية في كافة مجالاتها، وهو ما يعني احتمالية أن تتحسن علاقات الهند بهذه الدول من خلال الكيان الصهيوني. أما الحكومة الصهيونية فتنظر إلى الهند باعتبارها القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الصاعدة والفتية التي من الممكن أن تشكل ظهيراً أو بديلاً عن دول أوروبا التي تعاني من الشيخوخة، أو بديلاً ولو جزئياً عن الولايات المتحدة التي ارتبطت بعلاقات عداء مع كثير من دول العالم، كما تشكل موطأ قدم لها في منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا.

ومن المعلوم أن العلاقات الدبلوماسية العلنية والكاملة بين الهند و الكيان الصهيوني هي علاقات حديثةً نوعاً ما، حيث بدأت يوم 29 يناير 1992م، بسبب الضغط الأمريكي على الهند، حيث اشترطت أمريكا أن تدخل الهند في علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني من أجل تسهيل عملية تطوير علاقاتها مع الهند، وهو ما أدَّى إلى تبادل السفراء مع تل أبيب وافتتاح سفارة الصهيونية في نيودلهي، وتوطَّدت أواصر الروابط بين البلدين منذ ذاك الحين حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها، وذلك رغم مضي عقودٍ على الهند من لعب دورٍ محوريٍ في كتلة "عدم الانحياز" ومناصرةٍ العرب، بسبب خضوع الطرفين لنفس الحالة تقريباً من الاحتلال البريطاني وما رافقه من قمع واضطهاد واستغلال الخيرات ومصادرة الموارد الطبيعية. حيث اتسمت العلاقات قبل 1992م، بنوع من الشقاق والقطيعة في فترة حكم نهرو وأنديرا غاندي.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أن ما حدث في مطلع عام 1992م، هو مجرد إعلان مفاده أن العلاقات بين البلدين خرجت من مرحلة السرية إلى العلنية، حيث تشير مصادر إلى أن الهند كانت واحدة من اوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني بعد إعلانها عام 1948م. ويروق لبعض الدراسات الأجنبية أن تصف الهند هذه الأيام بأنها أكثر الأمم مناصرة للكيان الصهيوني في المحافل الدولية.

ومن المقرر أن يتمَّ افتتاح قنصلية صهيونية عامة في "بنغلور" التي تعتبر محوراً تكنولوجيا بارزاً، إضافة لقنصلية عامة في مومباي وسفارة في نيودلهي، وهذه خطوة تجري على قدمٍ وساقٍ بعد موافقة الهند على ذلك. وجدير بالقول إن وزير خارجية الهند قد زار الكيان الصهيوني وخلال لقائه برئيسه السابق شمعون بيريز قال الأخير إن الهند اليوم "أكبر ديمقراطية في العالم" فيما اعتبر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أن الدولتين اللتين يعيش فيهما شعبان عريقان سيحتلان المستقبل.

وخلاصة القول، إن البلدين تمكنتا من إقامة علاقات صحية بالرغم من الإدانات المتكررة للأعمال العسكرية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية من أجل ضمان حصول الائتلاف التقدمي المتحد على أصوات المسلمين في الانتخابات الهندية.

التعاون العسكري

كثيراً ما يلعب الكيان الصهيوني دور الضحية من أجل الحصول على تعاطف دول العالم والاصطفاف بجانبه، حيث تبحث عن القواسم المشتركة معهم، أما مع الهند على وجه الخصوص، فهو يركز على اسطوانة التهديدات المشتركة التي ربما تجعل من البلدين مسرحاً للإرهاب الذي يشكله "الإسلاميون المتطرفون" حسب ادعاءاته.

وتحاول الحكومة الصهيونية إقناع الهند بوجود عدوٍ إسلاميٍ مشتركٍ يحيط بها من ناحية باكستان وإيران، خاصة في ضوء النزاع المتواصل مع باكستان. وتستند الحكومة الصهيونية في أطروحتها على الهجمات التي استهدفت مدينة مومباي وطالت أهدافا هندية وصهيونية عام 2008م، وأودت بحياة مئات المدنيين ما بين جريح وقتيل.

ولا يمكن قبول أن "التهديدات" تشكل الأساس في العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث لا يمكن إغفال أن التعاون العسكري الأمني هو أساس العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تقتني الهند تكنولوجيا الفضاء الصهيونية والخبرات العسكرية ومئات الأنواع من الأسلحة والعتاد الصهيوني البري والبحري والجوي، كأجهزة الرادارات كن طراز فلوكن والغواصات والأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع وطائرات بدون طيار والصواريخ والآليات (الدبابات) وغيرها.

ويعتبر المدير العام الأسبق للخارجية الصهيونية ألون ليئيل، أن الهند اليوم هي "أهم مقتنٍ للسلاح الإسرائيلي" وأن الحديث عن الديمقراطية والقيم المشتركة والصداقة "مجرد كلام دعائي دبلوماسي لا غير". وهو ما يجعل من الطبيعي اعتبار أن الاهتمامات الاستراتيجية والعسكرية هي الأساس في العلاقات الثنائية بين البلدين.

وكانت شركة "رافائيل" الصهيونية قد أبرمت عقداً مع الجيش الهندي تزوده بموجبه بمنظومات دفاعية مضادة للهجمات الجوية من إنتاج الكيان الصهيوني، وفي تفاصيل الصفقة؛ جاء أن الجيش الهندي سيحصل على صواريخ "سبايدر" أرض/جو، وصواريخ "بيتون" جو/جو التي تصنعها الشركة ذاتها. وأشارت مصادر في وزارة الدفاع الهندية في حينه أن هذه الصفقة تندرج في إطار خطة شاملة لتحديث سلاح الجوي الهندي تصل كلفتها إلى أكثر من عشرة مليارات دولار.

ووافقت حكومة مودي على إتمام عملية شراء "طال انتظارها" لصواريخ صهيونية لقواتها البحرية، وفي أكتوبر توصلت الهند لاتفاق بقيمة 520 مليون دولار لشراء صواريخ صهيونية مضادة للدبابات. ثمَّ قام الطرفان بتجربةٍ لنظام دفاعٍ جويٍ مشتركٍ تكللت بالنجاح ووصفتها الهند "بالحدث المهم".

وتُعتبر الهند أكبر مستوردي السلاح في العالم حيث تخطط حكومتها لإنفاق أكثر من خمسين مليار دولار أميركي في السنوات الخمس المقبلة لتحديث ترسانتها العسكرية التي تعود في غالبيتها إلى الاتحاد السوفياتي، وذلك في إطار الحفاظ على التوازن الاستراتيجي مع الجارتين باكستان والصين. علماً بأنَّها تُعد أكبر مشترٍ للمعدات العسكرية الصهيونية. في حين أن الكيان الصهيوني هو ثاني أكبر عميل للهند بعد روسيا، وبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين في الأشهر التسعة الأولى  من العام الجاري نحو 3.4 مليارات دولار، في حين بلغت الصفقات العسكرية بين البلدين 9 بليون دولار في عام 2009م، وتشتري الهند نحو خمسين في المائة من المبيعات الصهيونية.

وقامت الحكومة الصهيونية من قبل بتدريب عناصر من أجهزة مكافحة الشغب في الهند، وذلك للتصدي "للإرهاب" أو الإسلاميين "المتشددين"، او لمواجهة مسلمي كشمير. بل وصلت الأمور إلى أبعد من ذلك حينما تمكن مجاهدو كشمير من قتل جنودٍ صهاينة كانوا يعملون في صفوف القوات الهندية بكشمير.

التعاون الاقتصادي والتجارة الخارجية

الاقتصاد والتبادل التجاري ليس بمعزلٍ عن العلاقات الدبلوماسية أو التعاون العسكري بين البلدين، إذ يحتل مكانةً بالغة الأهمية، حيث تعتبر الهند ثاني أكبر شريك اقتصادي للكيان الصهيوني. ونمت التجارة الثنائية بين البلدين بشكل متسارعٍ ومتزايد، فكانت 200  مليون دولار في عام 2001م، ووصلت إلى 4.7 مليار دولار بحلول عام 2010م، باستثناء تجارة الدفاع، وهذا يضمن الصناعات التحويلية، وإطلاق الأقمار الصناعية والزراعة والماس.

وأقام البلدان نحو 200 مشروع مشترك في مجالات الهندسة وإدارة المياه الجوفية ومحاربة التصحر والتكنولوجيا الرفيعة وغيرها. وتقيم شركة "موانئ إسرائيل" شراكة مع شركة "كارجو موتورز" الهندية لبناء ميناء في المياه العميقة في ولاية "غوجارات" الهندية، كما تتعاون شركة "تاور جاز" الصهيونية النفطية مع شركة "جايا براكش أسوشيتس" و"أي بي إم" لبناء مصنع رقائق بالقرب من دلهي.

وتصّدِر الهند للكيان الصهيوني جملةً من الأصناف، مثل: الألماس والأحجار الكريمة، والمنسوجات والمنتجات الجلدية، والكيماويات، البلاستيك والمطاط. في حين تشكل الأسلحة قدراً كبيراً من صادرات الكيان الصهيوني إلى الهند.

واتفق البلدان على معاملة كل منها للأخرى معاملة الدولة الأولى بالرعاية، كما يتباحث البلدان جدوى إمكانية عقد ثنائي شامل للتجارة الحرة في نهاية العام الحالي من أجل دفع التعاون الاقتصادي بينهما وتنويعه، يركز على مجالات تكنولوجيا المعلومات والتقانة الحيوية والزراعة.

خلاصة؛

من الملاحظ أن الهند تسير بخطوات متسارعة نحو التطور والتنمية المستدامة التي تستلزم تعاوناً متعدد الأوجه مع كثير من دول العالم وخاصة تلك التي تمتلك تكنولوجيا أو صناعة أو موارد طبيعية، وهو ما يجعلها تنفتح على العالم "المتقدم" بشكل أكبرٍ، ومن الطبيعي أن يكون هذا العالم المتقدم معادياً للإسلام، وهو ما يجعل الهند تبدي تصالحها مع الغرب في مقابل تقليص علاقاتها مع العالم الإسلامي.

وعندما طلبت الولايات المتحدة من الهند أن تعلن صراحة عن علاقاتها بالكيان الصهيوني كشرطٍ للدخول في علاقات دبلوماسية معها؛ كانت أمريكا تريد من الهند أن تبقى في تحالف معها ومع الكيان الصهيوني في ضوء المهددات التي تحيق بمصالح الولايات المتحدة و الكيان في المنطقة، ومن المؤكد أن قبول الهند بهذا الأمر قد مهَّد لواشنطن و وتل أبيب لأن تصنعاً قاعدة أمريكية وصهيونية في جنوب آسيا.

وتجد الهند في الكيان الصهيوني بوابة نحو البحث العلمي والتقدم والخبرة في كافة مجالاتها المختلفة، وهذا بحد ذاته يجعل الهند تزيد من تعاونها وتحسين علاقاتها مع الكيان الصهيوني.

 

أعلى