• - الموافق2025/06/06م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حل تنظيم حزب العمال الكردستاني..  ماذا يعني وما تأثير ذلك على المنطقة؟

يلقي قرار حزب العمال الكردستاني بإلقاء سلاحه ظلالاً ليس فقط على الساحة التركية، بل أيضًا على المحيط الإقليمي. فالأذرع المسلحة للتنظيمات الكردية تمتد إلى الساحات السورية والعراقية والإيرانية، مما يجعل إنهاء الصراع وإحلال الحلول الدبلوماسية خطوة قد تساهم في


في قرار وُصف بـ"التاريخي" أعلن تنظيم حزب العمال الكردستاني -المصنف ضمن قوائم الإرهاب في تركيا وعدد من الدول الأوروبية- حل نفسه وإنهاء صراع مسلح ضد تركيا على مدار أكثر من 40 عامًا، وكان لها تأثير على سياسة تركيا الداخلية والخارجية أكبر من أي قضية أخرى، وبهذه الخطوة التي رحب بها الجميع، أعلن التنظيم إنهاء أصعب حقبة تاريخية مرت بها تركيا في عصرها الحديث، ناهيك عن أن هذا القرار لا يُعد نهاية لحرب دموية دامت أكثر من 4 عقود فحسب، بل نهاية لحقبة شكلت الديناميكيات الأمنية والسياسية في المنطقة بأكملها؛ ليُعاد تشكيلها الآن من جديد في ظل معطيات ومتغيرات إقليمية فرضت نفسها على الجميع.

القرار التاريخي وفلسفته

أعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو الماضي، عن حل بنيته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، والأنشطة التي كانت تجري تحت لواء "PKK"، استجابة لنداء أطلقه زعيم الحزب ومؤسسه "عبدالله أوجلان" -الذي يقضي عقوبة بالسجن منذ 1999 في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة- وذلك في نهاية فبراير الماضي.

وأشار البيان إلى أن الحزب نظم مؤتمره الثاني عشر في شمال العراق في الفترة من (5-7) مايو، وأضاف أن المؤتمر أُنجز بنجاح وبشكل آمن، حيث أُجري في منطقتين مختلفتين بشكل متزامن لأسباب أمنية، وشارك فيه ما مجموعه 232 مندوبًا، واتخذ خلاله قرارات تاريخية تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة.

وقد برَّر الحزب قراره باللغة نفسها التي استخدمها "أوجلان" في ندائه، أي بالإشارة إلى أن المسألة الكردية لم تعد مغيَّبة في تركيا، وأن من الممكن اليوم مواصلة النضال من أجل الحقوق الكردية عبر الوسائل الديمقراطية والسلمية دون الحاجة إلى العنف واستخدام السلاح.

إصرار مشترك على التصالح

لقد فتح هذا القرار من تنظيم حزب العمال الكردستاني الباب على مصراعيه أمام عملية يبدو أنها "أكثر جدية" من محاولتين سابقتين إحداهما كانت في عام 2009، والثانية جرت بين عامي (2013 2015) وباءت كلاهما بالفشل، وانتهت المحاولة الأخيرة بإعلان الرئيس التركي "أردوغان" عدم اعترافه بالمفاوضات التي جرت خلالها وتأكيده أنه لا يوجد مشكلة "كردية" في تركيا؛ لأن حقوقهم مصانة ومكفولة وفق حزمة من القوانين واللوائح التي تم تمريرها للتأكيد على حقوقهم عبر البرلمان.

ويبدو أن هناك تصميمًا في هذه المرة سواء من جانب الدولة أو من جانب حزب العمال الكردستاني ذاته على إتمام المصالحة وتخطي كل محاولات إفشالها، نتيجة الظروف الإقليمية التي أشار إليها "أوجلان" في النداء الذي وجهه للحزب، تحت عنوان "دعوة للسلام ومجتمع ديمقراطي"، لعقد مؤتمره العام وإعلان حل نفسه وإلقاء أسلحته، حيث تطرق إلى التطورات في سوريا، والوضع في غزة، مذكرًا بما تعرض له إخوة ورفاق الدرب المشترك من الأكراد والأتراك على مدى 200 عام.

قطع الطريق على محاولات الإفشال

ولعل مما يؤكد إصرار الطرفين على إتمام المصالحة وفتح صفحة جديدة من العلاقة بينهما، وقوع إحدى الحوادث العابرة التي تدخلت الدولة التركية على إثرها لإثبات حسن نيتها للطرف الكردي، حيث قررت وزارة الداخلية التركية عزل والي ولاية "تونجيلي" ورئيس بلديتها بالوصاية "بولنت تيك بويوك أوغلو" وتعيين مساعده "أرطغرل أصلان" في المنصب بشكل مؤقت.

 

بلغت تكاليف مكافحة حزب العمال الكردستاني وإعادة البناء في تركيا، خلال الحقبة من 1984 إلى 2019، ما يزيد عن 3 تريليون ليرة تركية، أما على الصعيد البشري فقد زادت حصيلة المواجهة بين الدولة وحزب العمال عن 40 ألفًا من الضحايا

وكان ذلك القرار على إثر رفض الوالي -الذي تم اتخاذ قرارًا بعزله- السماح لمسيرة تأبين لأحد عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) في الولاية؛ ما أدى لنشوب أزمة بالتزامن مع بدء الخطوات الأولى لعملية الصلح التي تتم بين الدولة والتنظيم.

ولذلك تدخلت وزارة الداخلية على الفور وعزلت الوالي واحتوت الموقف ومرت الأزمة بسلام، وقد أتت هذه الواقعة في ظل الخطوات التي تتخذها الحكومة التركية في سبيل إنجاز مشروع "تركيا خالية من الإرهاب"، والتي يصفها بعض المراقبين للمشهد بأنها بمثابة "المشي على الجليد"، نظرًا للحذر الذي يتطلبه التقدم في التعامل مع هذا الملف.

خاصة أن هناك جهات وقوى محلية وإقليمية "مستاءة للغاية وبشكل غير معلن" من إنهاء حزب العمال الكردستاني قتاله ضد تركيا، وتسعى تلك الجهات إلى عرقلة العملية بشتى الطرق، بما فيها تحريض الشارع التركي وأسر ضحايا المواجهات مع التنظيم على الحزب الحاكم وحلفائه من الأحزاب الأخرى، ومن جهة أخرى يتم تحريض قادة حزب العمال الكردستاني وعناصره على عدم الاستجابة لطلب إلقاء السلاح عبر استخدام الشائعات وأحداث مفتعلة هنا وهناك.

ويتضح من هذه الواقعة بشكل جليّ أن الدولة التركية تعي جيدًا من خلال محاولات المصالحة السابقة التي باءت بالفشل، أن أي فشل جديد للمصالحة سيكون ثمنه غاليًا على الجميع، وخاصة على الأحزاب المؤيدة للحكومة والداعمة لمشروع "تركيا خالية من الإرهاب"، والتي قد تدفع ثمنًا سياسيًا باهظًا في حال فشل المصالحة مجددًا، ولذلك تسعى الدولة للحيلولة دون ذلك وقطع الطريق على أي محاولات لعرقلة المسار الذي بدأ بالسلام بين كافة الاطراف من أجل ضمان نجاحه.

"البرلمان" الخطوة القادمة

يتوقع أن تدرج قضية المصالحة على جدول أعمال البرلمان في العام التشريعي الجديد بعد استكمال عملية نزع السلاح، وبالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى تعديلات في قانوني العقوبات ومكافحة الإرهاب للسماح بعودة أعضاء العمال الكردستاني الذين غادروا إلى دول أوروبا بسبب تحقيقات الإرهاب ضدهم.

ومن المتوقع أن يتم تضمين هذه التعديلات في حزمة الإصلاحات القضائية العاشرة، التي يستعد حزب العدالة والتنمية (الحاكم) لطرحها على البرلمان عقب عودته من العطلة الصيفية في أكتوبر المقبل.

وبينما يتمسك حزب العمال الكردستاني بتمكين أوجلان من قيادة المفاوضات مع الدولة، يطالب حزب "الديمقراطية ومساواة الشعوب" بإجراء التعديلات التي يطالب بها على نحو عاجل قبل عطلة عيد الأضحى من أجل إنجاح العملية التي بدأت بحل الحزب.

وتقول الرئيس المشارك للحزب "تولاي حاتم أوغللاري" إن الوقت حان لبناء حياة متساوية في الوطن المشترك وتتويجها بجمهورية ديمقراطية تلبي تطلعات 86 مليون مواطن، وأكدت أنه يجب أن تنفذ هذه الترتيبات بسرعة وقبل عطلة عيد الأضحى وأن يتحرك البرلمان من أجل اتخاذ خطوات ترسخ السلام والديمقراطية في البلاد.

وأجرى وفد من الحزب جولة على الأحزاب السياسية، خلال الأيام القلية الماضية، لمناقشة الخطوات التي يتعين اتخاذها من خلال البرلمان في أعقاب إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء أسلحته.

وبينما يتصاعد النقاش حول هذه المطالب وإمكانية تحقيقها أو رفض بعضها من جانب الحكومة، اقترح بهشلي تشكيل لجنة برلمانية باسم "لجنة الوحدة الوطنية والتضامن" من الأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان بحيث يمثل كل حزب بعضو واحد في اللجنة الرئيسية، التي يترأسها رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، وتشكيل لجان فرعية، على أن يبلغ عدد الأعضاء بالكامل في اللجنة الرئيسية واللجان الفرعية 100 عضو.

تأثير المصالحة على تركيا 

طبقًا لتقرير الإدارة التركية للأمن العام، بلغت تكاليف مكافحة حزب العمال الكردستاني وإعادة البناء في تركيا، خلال الحقبة من 1984 إلى 2019، ما يزيد عن 3 تريليون ليرة تركية، أما على الصعيد البشري فقد زادت حصيلة المواجهة بين الدولة وحزب العمال عن 40 ألفًا من الضحايا، وربما تقدم هذه الأرقام وجهًا واحدًا فقط لما يمكن أن تحمله نهاية الصراع من وعود لتركيا وشعبها.

إن انتقال التدافع حول المسألة الكردية إلى الصعيد السياسي، يعني في النهاية رفع عبء ثقيل من على كاهل الدولة التركية، ماليًا واقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا، كما سيوفر فرصة هائلة لتنمية جنوب البلاد الشرقي، والذي يحتل موقعًا وسيطًا بين العراق وسوريا وإيران، ومنح الدولة فرصة لتحوله إلى رافد إضافي لنهضة تركيا الاقتصادية.

ومن المفترض أيضًا أن تدفع نهاية المواجهة بين الدولة وحزب العمال الكردستاني إلى تعزيز المسار الديمقراطي في تركيا وإلى تخفيف قبضة الدولة على المجال العام، حيث إنه طوال عقود من المواجهة عهدت الحكومات التركية المتعاقبة -بقبول ضمني من أغلبية الشعب- إلى سلسلة من القوانين التي استهدفت مكافحة الجماعات المسلحة أو تأييد ودعم هذه الجماعات، والآن بحل حزب العمال ونزع سلاحه يمكن تدريجيًّا مراجعة هذه القوانين وتوسيع نطاق ساحة العمل السياسي، بل وتعهد المزيد من الإجراءات الكفيلة بالاستجابة لمطالب الجماعة الكردية الثقافية.

التأثير الخارجي والإقليمي

أما على صعيد العلاقات الخارجية، فقد كانت نشاطات حزب العمال الكردستاني في عدة دول أوروبية، على الرغم من تصنيف الحزب "منظمة إرهابية" في دول الاتحاد الأوروبي، مصدر توتر مستمر بين تركيا وهذه الدول، كما أن عددًا من القوانين التركية، التي توصف أوروبيًا بالتضييق على الحريات، كانت تُحسب دائمًا باعتبارها إحدى العقبات أمام سعي تركيا إلى إنجاز مزيد من التقدم في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما في الجانب الاقتصادي من هذه العلاقات، وبالتالي فإن نهاية المواجهة بين الدولة والتنظيم الكردي، ستضع حدًا للتوتر الذي حدث في علاقات تركيا بأوروبا، كما يمكن أن يعمل التحرك نحو إصلاح تشريعي على توسيع نطاق التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب.

أما إقليميًا وعلى الرغم من ادعاء وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا أنها تنظيمات "سورية" بحتة ولا يجب أن تعد طرفًا في الصراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، يُرجِّح عدد واسع من الدارسين للوضع السوري أن هذه التنظيمات ليست سوى أذرع للحزب، ولذلك فإن قرار حل حزب العمال لابد أن ينعكس على وضع هذه التنظيمات الحليفة في سوريا، لاسيما إن رافق الحل ونزع السلاح انسحاب أمريكي من الشرق السوري.

والجدير بالذكر أنه قد أعلنت القوى الكردية السورية قائمة من المطالب عالية السقف في مؤتمر "القامشلي" الأخير، ولكن هذه المطالب يُنظر إليها على أنها بداية للتفاوض مع الإدارة السورية وليست آخر الطرق، ومن المؤكد أنه في حال تم التوصل إلى تسوية للمسألة الكردية في شمال شرق سوريا، بمعنى أن تكون تسوية قابلة للاستمرار ومرضية لكافة أطراف الإقليم، فسوف يُفتح المجال واسعًا لمزيد من التعاون "السوري-التركي" بكل تأكيد.

أما في العراق فمن المتوقع أن ينعكس قرار إخلاء حزب "العمال الكردستاني" قواعده في شمال العراق ونهاية نشاطاته العسكرية به على فسح المجال لعودة السلام إلى كافة المناطق محل النزاع وإلى عودة المهجرين على جانبي الحدود "العراقية-التركية" إلى قراهم، وربما يؤدي ذلك حتى إلى انسحاب القوات التركية في المستقبل من نقاط تمركزها في كردستان العراق.

ومن المرجح أن يفضي خروج حزب العمال الكردستاني من شمال العراق إلى تعزيز قوة وسيطرة حكومة الإقليم في أربيل على الشأن الكردي، على حساب إدارة "الاتحاد الوطني" في السليمانية، التي تربطها بحزب العمال الكردستاني علاقة تحالف غير معلنة، وحتمًا سوف تفضي مثل هذه التطورات إلى توفير مناخ أكثر أمنًا لمشاريع التعاون والترابط الاقتصادي والتجاري بين العراق وتركيا، وفي مقدمتها مشروع "طريق التنمية".

كلمة أخيرة

تُعد الموافقة على عملية السلام من جانب حزب العمال الكردستاني فرصة تاريخية وفريدة ولكنها أيضًا مازالت في مراحلها المبكرة بشكل ما ولو نسبيًا، ويتعين تعزيزها من خلال إصلاحات قانونية وسياسية ودستورية في تركيا، وفي حين أن هناك دعمًا واسع النطاق داخل المشهد السياسي الكردي والتركي لإنهاء "الكفاح المسلح"، فإن الحاجة ماسة الآن لتوسيع نطاق هذا الإجماع ليشمل الدعم للإصلاح القانوني، وهو الأمر الذي تشير بعض المعطيات الواقعية والميدانية إلى إمكانية حدوثه في المستقبل القريب؛ نظرًا لتوفر الإرادة الصادقة لدى الأطراف المعنية بالأمر.

أعلى