الصومال..ألم وآمال
في ثمانينيات القرن الماضي قامت جبهات مسلحة في وجه
حكومة الدكتاتور محمد زياد برى في ثورة
همجية وعشوائية في أنحاء متفرقة من الوطن الصومالي، وساعد في سرعة الإشتعال حادثة مقتل العلماء وتحريف آي
القرآن الكريم مما هيج حماسة الشعب الصومالي المحافظ والذي يرى مساس العلماء خطا أحمر؛
وثار الجميع في وجه الحكومة المستبدة.
ولم يكن لدى الجبهات القبلية المناهضة للنظام القائم آنذاك
أية اجندة أو رؤية مشتركة فيما إذا نجحوا في إطاحة بري من كرسي الرئاسة.
وما إن تحقق حلم الجبهات وتم إبعاد الرئيس بري من سدة
الحكم، اتجهت المليشيات المسلحة إلى تخريب البلد ونهب الشعب وقتل المدنيين العزل،
في مشهد لا يستيطيع أن يصوره لمن عاش فيها مثلي - رغم صغري -؛ لبشاعة
المواقف المرعبة وغياب الإنسانية والأخلاقية فضلا عن القيم الإسلامية والإنضباط بها؛
مما تسبب لا حقا وعجل في أن تتقاتل الجبهات المسلحة المتحالفة أمس باسم القبائل
فأصبح صديق الأمس عدو اليوم !!
ومنذ انهيار الحكومة في غرة تسعينات القرن الماضي دخلت
البلاد دوام فوضى أكلت اليابس والأخضر وكتبت على الشعب الصومالي النزوح والتشرد
والموت والمجاعة والهجرة والضيعة في تيه استمر أكثر من عقدين .
وخلال العشرين عاما التي مضت مرت الصومال مراحل متعددة
مرحلة حرب الجبهات بنفسها مرحلة الحروب القبلية فترة أباطرة الحروب إلى أن جاءت
المحاكم الإسلامية وقضت على زعماء الفصائل حتى جاءت حكومة عبد الله يوسف فوق
دبابات اثيوبية لتعصف شباب المحاكم والقيادة في الكعبة متعبدون! وخلف شيخ شريف شيخ أحمد خصمه عبد الله يوسف
رئاسة الوطن بعد انهيار المحاكم الإسلامية.
واستفادت الصحوة الإسلامية بفترة اللاحكومة ببناء ثقافة
وتعليم الإنسان الصومالي وركزوا في حماية هويتهم وثقافتهم العربية والإسلامية والتي
حوربت سابقاً من قبل النظام الإشتراكي الإستبدادي، ونشطت المدارس والجامعات
التابعة لأبناء الصحوة وكان لها أثر كبير في حياة الصوماليين وربطهم بعروبتهم وإسلامهم ولا تزال جهودهم بارزة
إلى الآن في أرض الواقع!
في عام 2012 برق في أفق سماء الصومال أمل كبير وتفاءل
الناس واستبشروا خير وانتهت خارطة الطريق بعقد انتخابات رئاسية في داخل الوطن بدل
ضيافة دول الجوار وان تكون حكومة رسمية بدل الحكومات المؤقتة المتتابعة والتي لم
تترك خلفها اثرا يذكر .
تدفق المرشحون والسياسيون والمثقفون إلى مقديشو العاصمة
وتزينت المدينة باللافتات والملصقات الدعائية وترشح لكرسي الرئاسة مثقفون وسياسيون
من مختلف أيدلوجيات وشرائح أبناء الوطن، وقدم كل مرشح مقترحه في تسيير الحكومة
القادمة ما إذا تم اختياره؛ ونشطت الدعاية الإعلامية والمؤتمرات المتعاقبة
واللقاءات المتعاقبة مع أعضاء البرلمان والسعي إلى جلب أصواتهم بكل الطرق والوسائل
الممكنة.
وفي العاشر من سبتمبر فاز حسن شيخ محمود في ان يصبح رئيس
الصومال الجديد وحينها تفاءل الناس كون الرجل خرج من رحم المجتمع المدني وسبق أن اشتغل في
مجال التعليم وعمل مع مؤسسات خيرية ومراكز بحثية مما يميزه من أباطرة الحروب وزعماء الفصائل، ومن هنا بدات
رحلة الصومال الجديد الرسمية غير المؤقتة وبرئاسة مدني منتخب في داخل الوطن عبر
النظام البرلماني.
وفي غضون السنتين التي يتراسها الرئيس حسن شيخ محمود عيّن
عبدي فارح رئيساً للوزراء وصادقه البرلمان، وبعد فترة ظهرت موجة الخلاف بينهما حتى استعان الرئيس
بسحب ثقته من قبل البرلمان وأيدوه ومن جديد عيّن عبد الولي شيخ أحمد رئيسا للوزراء
وكعادتهم صادقوا.
تستعين الحكومة الصومالية في محاربتها لحركة الشباب
المجاهدين قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) وتخوض معارك معا في جنوب الصومال؛
واحيانا تقوم حركة الشباب باغتيال مسؤولين من الحكومة في داخل العاصمة مقديشو كما
تهاجم الأماكن المشدة أمنيا وآخرها هجومها على القصر الرئاسي للمرة الثانية .
وتعاني الحكومة من خلافات داخلية سواء من بين أعضاء الحكومة
أو البرلمانية أو الولايات الفيدرالية ومما يزيد الطين بلة عدم تعامل الحكومة مع أغلب
الملفات المطروحة أمامها بجدية إلا إذا تفاقمت المشكلة وخرجت عن السيطرة وهي ازمة
تحتاج وهي ازمة تحتاج إلى حل قبل أي شيء.
والصومال بشكل عام يعاني من وحشة العالمين العربي
والإسلامي منذ فترة وتحاول الدول
الأفريقية المسيحية ان تملأ الفراغ مع العداء التاريخي بين الدول المجاورة مثل
أثيوبيا وكينيا ويعتقد الصوماليون أن هؤلاء لا يحملون لهم رسالة خير وسلام بل
يؤججون الفتن والصراعات بينهم؛ وهذا لا يعني من عدم وجود أي دور فهناك دور تركي
وعربي وإن لم يكن على مستوى الحاجة، يقدمون مشاريع اغاثية وأحياناً تنموية على امل
أن تخرج الصومال من حاجاتها إلى دعم خارجي والإستفادة من الثروة التي أودعها الله
في برها وبحرها.