الإحتفاء الصهيوني بالإنتخابات الهندية
لم تكن صدفة أن يكون رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين
نتنياهو تحديداً هو أول شخصية دولية تتصل بنرندا مودي، زعيم حزب "بهارتا
جناتا" الهندي لتهنئته بفوزه الساحق في الانتخابات التشريعية التي جرت في
البلاد مؤخراً. ويرى المراقبون في الكيان الصهيوني أن مصدر الارتياح الواسع في تل
أبيب لصعود مودي يرجع بشكل خاص إلى رهان نتنياهو على أن يسهم هذا التطور في نقل
العلاقة بين الكيان الصهيوني والهند إلى طور الشراكة الإستراتيجية بسبب برنامج
مودي المعلن وجدول الأعمال السياسي والأمني الذي بشر به خلال الحملة الانتخابية،
والذي ينصب على محاربة "الإرهاب الإسلامي". وتامل تل أبيب أن يمثل
التقاء مصالح واضح بين تل أبيب ودلهي إلى الدفع بالعلاقة بين الطرفين إلى مرحلة
جديدة.
أن نتنياهو وزملاءه يرون أن فوز مودي قد يمثل نقطة تحول
فارقة في النظام العالمي تعزز مكانة الكيان الصهيوني الدولية، مما قد يجعل هذا
التطور أحد أهم التطورات التي ستؤثر على علاقاته الخارجية. وترى محافل التقدير
الإستراتيجي في تل أبيب أن أكثر ما يثير الارتياح لدى القيادة الصهيونية هو الموقف
المتطرف جداً الذي يتبناه مودي تجاه المسلمين بشكل خاص، على اعتبار أنه يمكن
استغلال هذا الموقف في بناء الشراكة الإستراتيجية مع الهند. وتشدد هذه المحافل على
حقيقة أن اليمين المتطرف في الهند عادة ما يتبنى مواقف مؤيدة تجاه الصهاينة، مشيرة
إلى أن أحزاب اليمين المتطرف الهندية مارست أواخر أربعينيات القرن الماضي ضغوطاً
كبيرة على رئيس الوزراء الهندي الأول نهرو للاعتراف بالكيان الصهيوني، لكنه رفض
الطلب بصرامة. ولكي تدلل على مصداقية
توقعاتها، تشير هذه المحافل إلى ما جاء على لسان برغاش ميشارا، مستشار الأمن
القومي في حكومة حزب "بهارتا جناتا" التي صعدت للحكم (1998-2004)، حيث
اقترح ميشارا ا أن يتم تدشين تحالف ثلاثي لمواجهة الإرهاب الإسلامي يضم الولايات
المتحدة والهند والكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أنه قد سبق لحزب "بهراتا
جناتا" أن شكل حكومة في نيودلهي، إلا أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل
أبيب تفرق بين الحكومة التي سيشكلها مودي وتلك التي شكلها حزب "بهارتا
جناتا" في السابق، حيث تشير هذه المحافل إلى أن هناك فرقين أساسيين بين
الحكومتين. فمن ناحية تؤكد هذه المحافل أن مودي سيتمكن من تشكيل حكومة بدون شراكة
مع أحزاب أخرى، وهذا ما لم يفلح به الحزب في الماضي، مما يعني أن الحكومة الجديدة
ستطبق برنامج مودي السياسي، سواء على الصعيد الداخلي وعلى صعيد العلاقات الخارجية،
وهو البرنامج الذي ينضح عداءاً للمسلمين. أما العامل الثاني فيكمن في الفروق
الشخصية بين مودي وبين أتال فاجبايي رئيس الحكومة الأسبق عن حزب "بهارتا جناتا"،
حيث كان الأخير كان معتدلاً، وحرص شخصياً على أن يتولى الرئاسة في الهند شخصية
مسلمة، في حين أن مودي معروف بعدائه الكبير للمسلمين. وتأمل تل أبيب أن يضع مودي
حداً لـ "نفاق" حكومة حزب "المؤتمر"، التي من جانب تردد
شعارات سياسية تعلن فيها تأييدها للفلسطينيين وحقوقهم السياسية، وفي الخفاء تعزز
تعاونها الأمني مع الكيان الصهيوني. ويذكر أن الكيان الصهيوني يجني مليارات
الدولارات من بيعها منظومات تسليح للهند، مع العلم أن تل أبيب هي أحد أهم مزودي
السلاح للهند. وقد طمأن نتنياهو وزراءه مؤخراً من أن مودي أبلغه أنثاء تنهئته له
بأن العلاقات بين الجانبين ستشهد تعاوناً كبيراً. ومن الواضح أن
حماس مودي لتعزيز العلاقة مع الكيان الصهيوني لا يرجع فقط لمنطلقاته الأيدلوجية،،
بل أيضاً بفعل إرث العلاقة بين الكيان الصهيوني وولاية "جوجارات"، التي
كان يرأس حكومتها مودي. وترى دراسة صادرة عن "أبحاث الأمن القومي"
الصهيوني أن مودي يرى أن الاستثمارات
الصهيونية لعبت دوراً مهما في تحسين الأوضاع الاقتصادية في ولاية
"جوجارات"، والتي سجلت أعلى المعدلات على صعيد الناتج الإجمالي المحلي،
مقارنة ببقية الولايات في الهند. وأوضح معدا الدراسة الباحث اليهودي أوين ألترمان
والباحث الهندي هنداي سارما أن الاستثمارات الأجنبية، ومن بينها الاستثمارات
الصهيونية، أسهمت في تحسين الأوضاع الاقتصادية لـ "جوجارات" بشكل كبير،
حيث قفز ناتج الإجمال
المحلي لهذه الولاية أثناء حكم مودي بنسبة 13.4%، في حين لم تتجاوز نسبة الزيادة
في إجمال الناتج المحلي للهند 7.8% في نفس الفترة. وأشارت الدراسة إلى أن مودي زار
الكيان والتقى برئس الغرفة التجارية الهندية الصهيونية وأجرى لقاءات مع رجال أعمال
صهاينة. واستفاضت الدراسة في الحديث عن طابع التبادل التجاري بين إسرائيل وولاية
"جوجارات" أثناء إدارة مودي لها، مشيرة إلى أنه نظراً لأن هذه الولاية
تمثل مركزاً عالميا لتليمع الألماس، فقد مثلت إحدى حلقات "الإمداد"
المهمة لصناعة الماس الصهيونية وذكرت الدراسة أن شركة الموانئ الإسرائيلية دشنت
ميناءً جديداً في "جوجارات"، يعتبر أحد أكبر الموانئ في الهند. وتوقعت
الدراسة أن يحرص مودي كرئيس للحكومة الهندية على زيادة مجالات التعاون الاقتصادي
بين الكيان الصهيوني والهند، لتتجاوز حدود الماس، حيث سيسعى للتعاون في مجال تطوير
قطاع الزراعة عبر الاستعانة بالخبرات الصهيونية في مجال الري بالتنقيط والصناعات
البيوتكنلوجية. وأشارت الدراسة إلى أن هناك ما يدفع للاعتقاد أن مودي سيكون معنياً
بإرساء أسس جديدة وواسعة للتجارة الحرة بين الهند والكيان الصهيوني. وأشارت
الدراسة إلى أن أحد أهم العوامل التي ستدفع مودي للرهان على العوائد الاقتصادية
للعلاقة مع الكيان الصهيوني حقيقة إدراكه أن تحسين الأوضاع الاقتصادية هو المفتاح
أمامه لاستقطاب أبناء الطبقة الوسطى الصاعدة في الهند، والذين يأملون أن يسهم عهده
في تعاظم هذه الطبقة، التي تمثل عماد أية نهضة اقتصادية وصناعية في البلاد.
ولا يخفون في
الكيان الصهيوني حقيقة ارتياحهم لطابع المشاعر العنصرية التي يتبناها مودي تجاه
المسلمين، وحقيقة أنه الشخصية الأكثر كرهاً بالنسبة لمسلمي الهند، بسبب مسؤوليته
كرئيس حكومة مقاطعة "جوجرات" عن المذبحة التي وقعت عام 2002، والتي قتل
فيها أكثر من 1000 مسلم، حيث وصف مودي بأنه "مهندس المجزرة، علاوة على مواقفه
المتطرفة من المسلمين، لدرجة أن الولايات المتحدة ظلت ترفض منحه تأشيرة دخول
لزيارتها منذ ذلك الوقت. وهناك في الكيان الصهيوني من يرى أن وعي مودي يشبه وعي
قادة الحركة الصهيونية. ويشيرون إلى أن مودي سيتبنى النهج الذي اتبعته الحركة
الصهيونية عند الإعلان عن الكيان الصهيوني، بحيث أنه سيعمل على وضع حد لعلمانية
الهند وحقيقة أنها تعرف ذاتها على أنها "دولة لكل مواطنيها"، بحيث تصبح
الهند دولة الهندوس في كل أرجاء العالم، تماماً كما تعرف "إسرائيل"
ذاتها بأنها "دولة يهودية".
يسترسل الصحافي والباحث الصهيوني لاب إيران المتخصص في
العلاقات الهندية الصهيونية في وصف طابع المشاعر التي سيطرت على نتنياهو في أعقاب
فوز مودي، قائلاً: "السعادة الغامرة التي شعر بها نتنياهو في أعقاب فوز مودي
هي سعادة من بات يدرك أن التحولات في العالم تصب في مصلحته".