• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل توظف المصالحة في الانفراد بحماس؟

هل توظف المصالحة في الانفراد بحماس؟



هناك الكثير من الأسئلة التي يتوجب لقيادة حركة حماس التصدي للإجابة عليها وهي تشق طريقها نحو اتفاق المصالحة، فهل تركن هذه القيادة لصدق نوايا قيادة حركة "فتح"، سيما في ظل تجارب الماضي المريرة بين الحركتين، وهل اتخذت الحركات الاحتياطات الكفيلة بالتصدي لتبعات أية محاولة لتوظيف الاتفاق في الانقضاض على الحركة وتجريدها من أدوات وأسباب القوة التي تملكها حالياً؟. هذه الأسئلة يجب أن تطرح بمعزل عن الانطباعات المتراكمة بشأن صدق نوايا الطرف الآخر، حيث إن أبسط مقتضيات الحكمة تفرض على أية قيادة سياسية مسؤولة الانطلاق في خياراتها من خلال التحوط لأكثر السيناريوهات سلبية والتحسب لأسوأ الاحتمالات تطرفاً، حتى لا تكون عرضة للمفاجآت والحسابات الخاطئة، فتندم، حيث لا ينفع الندم. وقبل الخوض في بناء السيناريوهات المحتملة لما بعد المصالحة، فأنه يتوجب التأكيد على أن قرار حركة حماس التوقيع على اتفاق المصالحة هو قرار صائب من الناحية الإستراتيجية والسياسية، علاوة على أنه لا يوجد لدى الحركة في ظل الظروف الحالية ثمة خيارات أخرى.

هل احتمال الانقضاض على حماس وراد؟

مما لا شك فيه أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية أملت على حماس المرونة التي قادت إلى اتفاق المصالحة، وصحيح أيضاً أن مصلحة حركة "فتح" تتطلب طوي صفحة الانقسام، وهذا يدفع –من ناحية موضوعية- للافتراض أن الطرفين سيكونان معنيين بإنجاح اتفاق المصالحة واحترامه. لكن في الوقت ذاته، فأن لا يعني إغفال احتمال أن يتم توظيف اتفاق المصالحة في محاولة المس بحركة حماس وبنيتها العسكرية في القطاع، على اعتبار أن هذه مصلحة صهيونية، تسعى الولايات المتحدة ذات التأثير على المكونات الإقليمية العربية لتحقيقهاً، وفي الوقت ذاته اتساقاً من التوجه الإقليمي الهادف لنزع الشرعية عن جماعة "الإخوان المسلمين" وفروعها في المنطقة، وضمنها حركة حماس. إذا أخذنا بعين الاعتبار تجربة الماضي، فيمكن التذكير بما جرى عام 1996 عندما التقت مصالح السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والقوى الإقليمية العربية والغرب في توجيه الضربة القاسية لحركة حماس، وهي الضربة التي أفضت إلى اعتقال الآلاف من عناصر الحركة وتعذيبهم وإغلاق مؤسسات الحركة وشيطنتها. لكن، على الرغم من أن الاحتمال يبدو منطقياً، ألا أن فرص تحققه تبدي ضعيفة. صحيح أنه يتوجب على قيادة حركة حماس التحوط لأسوأ الاحتمالات، على اعتبار أن هذا من أهم متطلبات القيادة المسؤولة، لكن التحوط للسيناريو الأسوأ لا يعني التردد في المصالحة وإعمال الشكوك والظنون، علاوة على أن التحوط لا يعني تجاهل التحولات التي طرأت على الواقع الفلسطيني منذ العام 1996. ومن الواضح أن موازين القوى العسكرية في قطاع غزة تميل لصالح لحركة حماس، لدرجة أنه بإمكانها ألا تعتمد فقط على حسن نوايا الآخرين فقط. في الوقت ذاته، فأن الحركة بإمكانها قلب الطاولة وخلط أوراق الجميع، بشكل يقلص هامش المناورة أمام من يحاول توظيف المصالحة في التربص بها. ففي حال تبين أن المصالحة تهدف فقط للتخلص من الأذرع المسلحة للمقاومة، وضمنها، كتائب عز الدين القسام، التابع لحركة حماس، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال التهويد والاستيطان ورفضه الوفاء بأبسط متطلبات التسوية السياسية للصراع، فأن بإمكان حماس تكثيف العمل المقاوم ضد الاحتلال انطلاقاً من كل أرض فلسطينية، وضمنها قطاع غزة، وهذا ما يخلط الأمور ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع. ولا يمكن بحال من الأحوال عند بناء سيناريوهات بشأن مستقبل الأمور بعد المصالحة، تجاهل خارطة المصالح الصهيونية، سيما في ظل الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني. ويدرك صناع القرار في الكيان الصهيوني أن تخلص حركة حماس من عبء الحكم سيزيد من هامش المناورة لديها ويقلص تبعات المقاومة عليها،مما يدفعها لشن عمليات المقاومة دون التحسب كثيراً لردة الفعل الصهيونية. وفي الوقت ذاته، فأن فرص تشكل بيئة سياسية تسمح للسلطة الفلسطينية للانخراط في مخططات للمس بالمقاومة في القطاع تبدو ضئيلة جداً. إن أحد أهم المتطلبات التي توفر البيئة التي تسمح للسلطة بالانخراط في هذا الدور هو مرونة صهيونية، بشأن التسوية، وهذا ما لا يبدو في الأفق وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً. فما يطرحه ائتلاف اليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب تجاوز منذ زمن ترف التطرف إلى جنونه. فيكاد من المستحيل أن ينخرط طرف فلسطيني في التآمر على المقاومة في الوقت ينشغل وزراء نتنياهو نواب ائتلافه الحاكم في مناقشة تشريعات جديدة تتعلق بتغيير الواقع في المسجد الأقصى، مثل فرض السيادة الصهيونية عليها ونقل الإشراف عليه لوزارة الأديان الصهيونية وتقسيم مواعيد الصلاة فيه بين اليهود والمسلمين، وفي ظل تعاظم أنشطة التنظيمات الارهابية، وعلى وجه الخصوص تنظيم (شارة ثمن) ليس في الضفة، بل ايضاً في فلسطين 48، ناهيك عن عجز الوسيط الأمريكي عن مواصلة دوره الترويضي. وهناك ما يدلل على أن موقف عباس الأخير من المفاوضات يستند إلى أسباب حقيقية، فهو يدرك أنه لا أمل في التوصل لتسوية سياسية للصراع مع الكيان الصهيوني. صحيح أن عراء سيحرص على ضبط تحركاته بدقة حتى لا يستثير ردود فعل صهيونية، لكن اتجاه الأمور بات وضحاً، فجسر الهوة بين موقفي الطرفين بات مستحيلاً.

وفي الوقت ذاته، فأن الموقف الصهيوني المتشدد قد يشكل بحد ذاته حلاً لعدة مشاكل قد تؤثر على تنفيذ المصالحة، مثل الانتخابات. فمن الواضح أن حكومة نتنياهو لن تسمح بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية والقدس، وهذا يعني أن الحكومة التي ستشكل في أعقاب تنفيذ اتفاق المصالحة ستكون مرشحة للبقاء فترة طويلة جداً، وهذا ما قد يعفي الحركتين من تبعات مواجهة سياسية في ظل الانتخابات.

 في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل تبعات الانقسام الكبير في صفوف حركة فتح، سيما في قطاع غزة، على ضوء القطيعة والصراع بين عباس وتيار محمد دحلان، الذي تم طرده من صفوف الحركة. إن خارطة المصالح الخاصة بدحلان تختلف عن تلك الخاصة بعباس،

صحيح أن التقارب بين الشخصين غير مستبعد من ناحية نظرية، في ظل الضغوط الإقليمية، لكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً، بسبب موروث العداء والكراهية والتضاد بينهما وهو ما ينعكس على جماهير مؤيدي التيارين.

السير باتجاه عباس

 إن اتفاق المصالحة يفترض أن يسهم في توفير الظروف التي تضمن تحقيق أكبر قدر من الانجاز للتحرك الفلسطيني في المؤسسات والمحافل الأممية، ومن الواضح أن بلوغ هذا الهدف يفرض على جميع الفرقاء في الساحة الفلسطينية التوافق على  ترشيد المقاومة ضد الاحتلال بما يقلص هامش المناورة أمام الكيان الصهيوني ويعظم من تأثير التحرك الفلسطيني، وهذا ما يفرض على حماس الالتزام به. وهذه الخطوة تعني استعداد حماس للسير تجاه عباس ومساعدته على انجاح تحركه الدولي. وغني عن القول إنه في حال التزمت حماس بذلك، ووظف الكيان الصهيوني الأجواء في ضرب الحركة، فأنه سيكون لدى حماس الشرعية للرد وبقوة، دون أن تضع في عين الاعتبار تبعات الحكم الذي تخلصت منه.

في حال تجاهلت الحركتان المصالح الحقيقية التي يمكن أن تعود على القضية الوطنية في أعقاب تنفيذ بنود الاتفاق المصالحة، فأن الطرفين لن يعدما وسيلة في العثور على مبررات تسوغ نكوصهما عن تنفيذه. لكن الجميع يأمل أن يشكل اتفاق المصالحة نقطة تحول تفضي إلى توافق فلسطيني على برنامج وطني مشترك يصلح لأرضية للنضال ضد الاحتلال في ظل أكبر قدر من التوافق الوطني.

 

أعلى