• - الموافق2025/06/06م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء الانتصارات الأخيرة للجيش السوداني

استطاع الجيش السوداني تحقيق انتصارات حاسمة في الآونة الأخيرة على مليشيا الدعم السريع، وحررت الخرطوم بالكامل وما زالت في تقدم في كثير من الجبهات، وهو ما يطرح تساؤلا عن أسباب هذا التقدم السريع الآن؟


أثار التقدم الذي حققه الجيش السوداني في الشهور الأخيرة، في معاركه ضد قوات الدعم السريع وزعيمها حميدتي كثرا من التساؤلات عن سر ذلك التقدم، وأسباب هذه الانتصارات.

فبعد 23 شهرًا من الحرب، وفي 21 مارس الماضي، تمكنت القوات السودانية بدعم كتائب المتطوعين، من استعادة السيطرة على كامل ولاية الخرطوم.

واستطاع الجيش السوداني بسط سيطرته على القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، وجميع الوزارات والمباني الحكومية المحيطة به. ومع انسحاب قوات الدعم السريع من مدينة الخرطوم، أعلنت القوات المسلحة السودانية سيطرتها الكاملة على العاصمة السودانية الخرطوم في 26 مارس. وهكذا، تُمثل استعادة مدينة الخرطوم نقطة تحول في الصراع، فقد أصبحت القوات المسلحة السودانية الآن صاحبة اليد العليا، لا سيما في وسط السودان.

وسيطرة الجيش السوداني على الخرطوم، تعتبر تتويجًا لهجوم بدأ في نهاية سبتمبر 2024 بهجمات منسقة على المواقع التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في المدن الثلاث لولاية الخرطوم، بحري وأم درمان والخرطوم، كما استعادت القوات المسلحة السودانية عاصمتي سنار والجزيرة.

وبشكل عام، منذ بدء الهجوم، استعادت القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها أكثر من 430 موقعًا في جميع أنحاء وسط وجنوب السودان.

وهنا يثار السؤال عن تلك العوامل التي قلبت موازين المعارك الضارية منذ سنتين، وهل عوامل تتصل بالداخل السوداني، أم أن الأمر يتعلق بالدعم الخارجي، من جانب دول من مصلحتها انتصار الجيش السوداني، وعودة الاستقرار للدولة السودانية؟

للإجابة على هذه الأسئلة، يلزمنا تحليل العامل الداخلي والخارجي لأسباب تقدم الجيش السوداني.

الدعم الشعبي للجيش السوداني

وفقاً لتقرير صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، تشكل العناصر التي لها توجه ديني حوالي 60% من قادة الجيش السوداني في العقد الأخير من حكم البشير.

بينما تذكر دراسة معهد دراسات الحرب والسلام بعنوان (هيكلة الجيش السوداني في ظل الحكم): أن نسبة الضباط أصحاب التوجهات الدينية في الجيش السوداني كانت تتجاوز 50% بحلول عام 2018، مع هيمنة واضحة على المناصب العليا والقيادية.

 

إقدام الحكومات التي تلت الانقلاب على البشير والتي كان يسيطر عليها العلمانيون على حل غرفة العمليات التابعة للجيش السوداني، والتي كان يتواجد فيها كثير من الضباط أصحاب التوجهات الدينية، هي التي ساهمت في إضعاف الجيش السوداني

وفي نفس الوقت ذكرت دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بعنوان (إعادة هيكلة الجيش السوداني: التحديات والفرص)، أن التغلغل الديني في الجيش السوداني بلغ ذروته في العقدين الماضيين، مع تركيز خاص على المناصب القيادية التي كانت تسيطر عليها عناصر متدينة بنسبة تتجاوز 65% حتى عام 2019      .
ولكن في أواخر عهد البشير وبعد الانقلاب عليه، عمل خلفاؤه على إبعاد أصحاب الانتماءات الدينية من الجيش. وفك الارتباط العلني مع ذوي الاتجاهات الدينية، لتنفي قيادات الجيش عن نفسها، ما يسميه خصومها تهمة الانحياز للإسلاميين.

وقال نائب قائد الجيش، شمس الدين الكباشي، في خطاب مرتجل أمام الضباط والجنود في مدينة القضارف، أن ممارسة العمل السياسي ورفع الشعارات السياسية داخل الوحدات العسكرية الخاصة بالجيش ممنوع، في إشارة إلى أصحاب التوجهات الدينية داخل الجيش السوداني.

وبذلك فقد الجيش السوداني نسبيًا دعم الكتلة الإسلامية ذات الشعبية الأكبر في السودان، والتي تتميز بالتضحية والفداء والبذل في سبيل قضيتها.

وهذا الابتعاد عن أصحاب التوجهات الدينية، أفشل دعوات الاستنفار والمقاومة الشعبية، والتي أطلقها الجيش، والتي هي الإسناد الحقيقي والفعال للقوات المسلحة السودانية.

ويكاد يجمع كثير من الخبراء أن إقدام الحكومات التي تلت الانقلاب على البشير والتي كان يسيطر عليها العلمانيون على حل غرفة العمليات التابعة للجيش السوداني، والتي كان يتواجد فيها كثير من الضباط أصحاب التوجهات الدينية، هي التي ساهمت في إضعاف الجيش السوداني، فكان من السهل انهياره أو أداءه الضعيف أمام هجوم ميليشيات حميدتي، خاصة أن قوى الحرية والتغيير ظلت على سدة الحكم طوال 25 شهراً من سبتمبر 2019 إلى أكتوبر 2021، وكان شغلها الشاغل، هي إقصاء أصحاب التوجهات الدينية.

ولكن أحد أبرز عوامل قوة الجيش السوداني في الآونة الأخيرة، هو إعلان تحالفه مع كتيبة البراء بن مالك خلال الحرب.

وتبدو كتيبة البراء بن مالك أحد أبرز المجموعات الإسلامية والتي تقاتل بجوار الجيش السوداني، لذلك والدلالة على أهمية تلك المجموعة فهي دائما ما يتم استهدافها من ميليشيات حميدتي، أو من جانب القوى الخارجية الداعمة له، وفي إحدى المرات تم قصف تجمع لكتيبة البراء بن مالك بمدينة عطبرة شمالي البلاد بطائرة مسيرة، وامتنعت الكتيبة عن الإدلاء بأي تصريحات. وقالت إنها لن تسبق الجيش السوداني في التعليق حول حادثة المسيرة التي أودت بحياة 15 شخصا من أعضاء هذه الجماعة أثناء حفل إفطار جماعي.

ويلاحظ أن تلك الكتيبة والتي غيرت تسميتها إلى لواء، وخلال الأسابيع الأخيرة في الصراع المسلح بين الجيش وقوات حميدتي، أصبحت تمتلك الكثير من القطع الحربية الحديثة والمدافع الرشاشة وحتى الطائرات المسيرة.

مع إدراك أن تمويل تسليح وتمويل كتيبة البراء بن مالك يأتي من خزانة وزارة المالية، عبر القوات المسلحة إلى جانب التبرعات المالية للقيادات والعضوية المتعاطفة والمؤيدة.

وتشير التقارير الصحفية الغربية، أن تعداد تلك القوات يتراوح بين عشرين ألف إلى خمسين ألف مقاتل، مما عوض النقص البري لقوات الجيش السوداني، والتي كانت إحدى نقاط ضعفه أمام ميليشيا الدعم السريع، والتي تم تجهيزها وتدريبها في الأساس على العمليات البرية عندما تم انشاءها من قبل البشير.

لقد وجد الجيش نفسه متراجعا في مواجهة الدعم السريع، فبالرغم من عناصر التفوق الجيش السوداني، سواء كان جويا أو على مستوى التسليح، إلا أن الأداء العسكري له كان مخيبا للآمال، وبدت استراتيجية الدعم السريع هي الأنجع، خاصة أنها تستخدم أسلوب حرب العصابات، أي (الكر والفر) الهجوم السريع ثم الفرار متخذة من منازل المدنيين حصنًا لها، ومخبأ من ضربات الجيش الموجعة وخاصة الجوية.

ونتيجة لذلك ظل الجيش يخسر الموقع تلو الآخر أمام قوات الدعم السريع، وتساقطت العديد من المدن، هنا لجأ الجيش إلى استراتيجيته القديمة والتي نفذها أمام تمرد جرانج في التسعينات، وهي العودة إلى إحياء قوات الدفاع الشعبي، وتجنيد الشباب والمدنيين وتدريبهم وتسليحهم، أي باختصار مقابلة حرب العصابات، بحرب عصابات مماثلة، مع استمرار استخدام التفوق الجوي السوداني لحسم كثير من المعارك.

الدعم الخارجي للجيش السوداني

يبدو الدعم المصري في مقدمة الدعم القادم من خارج السودان، لأنه يرى أن استقرار السودان هو أمن قومي مصري يتم من خلال هذا الدعم تأمين الجيش في السودان وهو قلب الدولة، الذي بانهياره تنهار الدولة السودانية، ومن ثم يسود الفوضى تلك الدولة، الأمر الذي قد يؤدي إلى استقبال مصر موجات ضخمة أخرى من السودانيين، في الوقت الذي يعاني اقتصادها أزمات خطيرة، فضلا عن احتياج مصر للدعم السوداني في التوتر مع أثيوبيا إزاء أزمة سد النهضة.

وفي خطاب غير عادي، بثه في مقطع فيديو عبر منصة تويتر، يوم 9 أكتوبر 2024، اتهم قائد قوات الدعم السريع في السودان، حميدتي، مصر بشن ضربات جوية على قواته، مؤكدًا أنها كانت سبب انتصارات الجيش السوداني الأخيرة.

وقال حميدتي: قواتنا في جبل موية بولاية سنار قرب الخرطوم قُتلوا وضُربوا غدرًا بالطيران المصري، وصمتنا كثيرًا على مشاركة الطيران المصري في الحرب حتى يتراجعوا لكنهم تمادوا الآن.

وأضاف مخاطبًا قواته: لقد هُزمتم بفضل القوة الساحقة والطائرات الحديثة مثل سوخوي وميج 29 للطائرات المصرية، وتسليم مصر طائرات مُسيَّرة حديثة لجيش السودان وضربكم بقنابل أمريكية.

وعقب خطاب حميدتي، وجهت قوات الدعم السريع، في بيان، تحذيرًا حادًّا لمصر، يوم 12 أكتوبر 2024، مؤكده أن لديها أسرى من الجيش المصري، ووصفتهم بأنهم مرتزقة مصريين، وهو ما لم تعقب عليه السلطات في مصر أو القوات المسلحة المصرية.

واتهمت قوات الدعم السريع الجيش المصري بأنه ارتكب مجزرة بحق قواته، واتهمته أيضًا بقتل 4 آلاف من قوات حميدتي يوم 15 أبريل 2024 في معسكر كرري.

ولا يقتصر الدعم الخارجي للجيش السوداني على مصر، فهناك أيضا دول داعمة كالسعودية وتركيا وأريتريا وإيران، وأخيرا روسيا والتي أغراها قائد الجيش السوداني بإعطائها قاعدة على البحر الأحمر، تعوض بها احتمال خسارتها لقاعدتها في حميميم السورية، نظير أن تقطع روسيا دعمها عن حميدتي، وبالفعل بدأ الدعم العسكري الروسي يتدفق على الجيش السوداني.

يبدو أن الموقف العسكري بات في صالح الجيش السوداني، ولكن القوى التي تدعم حميدتي، تصر على هذا الدعم، لأنه يقلقها استقرار السودان ووحدة أراضيه، وتعتبر ذلك تحطيما لمشروعها وتمددها الإقليمي.

أعلى