• - الموافق2025/05/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ماذا يعني رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟

كما كان سقوط نظام الأسد مفاجئا جاء مشهد لقاء الرئيس الأمريكي بالرئيس السوري أحمد الشرع وإعلان رفع العقوبات عن سوريا أكثر دراماتيكية، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لسوريا وما هي أبعاد هذا القرار سياسيا واقتصاديا؟


في مشهد لم يكن أكثر المحللين السياسيين يتوقعونه، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وذلك بعد لقاء جمعه بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. شكرت دمشق الرياض وواشنطن على هذه الخطوة، بينما سارع المحللون لتفكيك أبعادها ودلالاتها، سياسياً واقتصادياً وقانونياً.

فهل يمثل هذا الإعلان فعلاً نهاية حقبة العقوبات الأمريكية على سوريا؟ وما هي أبعاد رفع العقوبات وما الذي يعنيه ذلك لمستقبل سوريا؟

1. خلفية العقوبات: إرث طويل من العزل والحصار

تعود العقوبات الأمريكية على سوريا إلى عام 1979، حين أُدرجت ضمن قائمة "الدول الداعمة للإرهاب". ومنذ ذلك الحين، تراكمت جولات متعددة من الإجراءات العقابية، بدءاً من الحظر على الأسلحة والسلع ذات الاستخدام المزدوج، وصولاً إلى قانون "محاسبة سوريا" في 2004، الذي فرض قيوداً صارمة على الصادرات والواردات.

لكن الطفرة الكبرى في منظومة العقوبات جاءت مع اندلاع الحرب السورية عام 2011، حيث بدأت واشنطن فرض عقوبات متسارعة على حكومة بشار الأسد ومؤسسات الدولة ورجال الأعمال المقربين من النظام، لتبلغ ذروتها في يونيو 2020 بإقرار قانون "قيصر". هذا القانون التشريعي الصارم لم يستهدف فقط رموز النظام، بل فرض حصاراً شاملاً على كل من يتعاون مع دمشق اقتصادياً، بما في ذلك الشركات الأجنبية، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.

2. سقوط الأسد وتبدّل المشهد: من العقاب إلى التفاوض

كان لسقوط الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وتولي أحمد الشرع مقاليد الحكم، أثر بالغ في تحريك المياه الراكدة في الملف السوري. الشرع، المعروف بميوله الإصلاحية، سعى منذ توليه السلطة إلى طمأنة المجتمع الدولي بأنه بصدد فتح صفحة جديدة، تتضمن تحسين سجل حقوق الإنسان، والتعاون مع الهيئات الدولية، وإطلاق مشاريع إصلاح اقتصادي وإداري واسعة.

وقدّمت الرياض نفسها وسيطاً رئيسياً في هذا التحول، حيث توسطت بين الإدارة الأمريكية والقيادة السورية الجديدة لإعادة تطبيع العلاقات وكسر العزلة. وتوّجت هذه الجهود بلقاء قمة ثلاثي جمع ترامب، والشرع، وسمو ولي العهد محمد بن سلمان، انتهى بإعلان رفع العقوبات.

3. الأطر القانونية: ما الذي يمكن أن يرفعه ترامب فعلياً؟

من الناحية القانونية، يملك الرئيس الأمريكي سلطات واسعة في السياسة الخارجية، يمكنه بموجبها تعديل أو تعليق العقوبات التي فرضت عبر أوامر تنفيذية، مثل تجميد الأصول أو حظر السفر على أفراد محددين، أو القيود المالية على الشركات.

 

في ضوء التقارير عن عودة العمل مع مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهذا التطور لا يحمل دلالة اقتصادية فقط، بل يعكس رغبة ضمنية في إعادة دمج سوريا في النظام العالمي

لكن الأمر مختلف تماماً عندما يتعلق الأمر بعقوبات فُرضت من خلال الكونغرس، كما هو الحال مع قانون "قيصر". فهذا القانون لا يمكن تعديله أو إلغاؤه إلا بتصويت تشريعي، مما يعني أن إعلان ترامب ـ إن لم يكن مسبوقاً بموافقة الكونغرس أو صيغة قانونية خاصة ـ يظل منقوص الفعالية، أو على الأقل مؤقتاً وقابلاً للطعن.

4. الموقف الأوروبي: ما بين الترحيب والتريث

بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 مايو 2025 عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، تبنّى الاتحاد الأوروبي موقفًا حذرًا ومشروطًا تجاه تخفيف العقوبات الخاصة به.  في 24 فبراير 2025، قرر الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات الاقتصادية على قطاعات محددة مثل الطاقة والنقل والمصارف، بهدف دعم الانتقال السياسي وتعافي الاقتصاد السوري.

شمل التعليق قطاعات الطاقة (النفط والغاز والكهرباء)، النقل، والمصارف، بما في ذلك رفع العقوبات عن خمسة مصارف سورية ومؤسسة الطيران العربية السورية.

يهدف هذا التعليق إلى تسهيل المعاملات المالية المرتبطة بإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، ودعم الانتقال السياسي في البلاد.  رغم التعليق، لا تزال العقوبات المفروضة على شخصيات مرتبطة بالنظام السابق، وقطاعات مثل الأسلحة والبرمجيات المخصصة للمراقبة، قائمة.

أعربت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عن نية الاتحاد في مواصلة تخفيف العقوبات تدريجيًا، بشرط تحقيق تقدم في مجالات مثل حقوق الإنسان وحماية الأقليات. فرنسا: أبدت استعدادها لرفع العقوبات تدريجيًا، مشروطة بالتزام الحكومة السورية الجديدة بالإصلاحات السياسية.  ألمانيا وإيطاليا والنمسا: تدعم هذه الدول رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية لتسهيل التعافي الاقتصادي .

نحو اندماج اقتصادي عالمي؟

الأثر النفسي لإعلان رفع العقوبات بدا جلياً، إذ شهدت الليرة السورية تحسناً فورياً في السوق الموازية، ما يعكس حجم الرهانات المعلّقة على انفتاح اقتصادي حقيقي. وإذا ما لحقت دول الاتحاد الأوروبي بالخطوة الأمريكية، كما هو مرجح، فإن الاقتصاد السوري سيكون للمرة الأولى منذ عقود أمام منحى جديد من "الاندماج في الاقتصاد العالمي"، متحرّراً -ولو جزئياً- من الاعتماد الحصري على الحلفاء التقليديين كروسيا وإيران.

إشارات إيجابية للمجتمع الدولي

يشير قرار رفع العقوبات إلى تحول في المزاج الدولي تجاه دمشق، خاصة في ضوء التقارير عن عودة العمل مع مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهذا التطور لا يحمل دلالة اقتصادية فقط، بل يعكس رغبة ضمنية في إعادة دمج سوريا في النظام العالمي، سواء عبر المساعدات، أو من خلال إشراكها في جهود إقليمية للتنمية والاستقرار.

انعكاسات محتملة على الاقتصاد المحلي

اقتصادياً، يمثل رفع العقوبات خطوة تمهيدية لتدفق رؤوس الأموال والمساعدات، مما قد يُحيي قطاعات الإنتاج المحلية، ويعيد الأمل بإنعاش سوق العمل وتحسين معيشة المواطن. كما يُتوقع أن ينعكس ذلك على عدة مستويات:

1. فتح الباب أمام الاستثمارات: ستكون سوريا أكثر جذباً للمستثمرين الأجانب الراغبين في دخول سوق تتطلب إعادة إعمار واسعة بتقديرات تصل إلى 400 مليار دولار. كما أن إمكانية إقامة شركات مشتركة مع دول عربية كالسعودية وقطر وتركيا باتت أكثر واقعية.

2. إعادة تأهيل البنية التحتية: من شأن رفع العقوبات عن القطاعات الخدمية أن يفعّل مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والإقليم معاً.

3. تحسّن في الخدمات الأساسية: القيود المفروضة كانت تعيق استيراد المواد الحيوية، بما فيها الأدوية والوقود والمواد الغذائية. ومع رفع العقوبات، يمكن أن يتحسّن الوصول إلى هذه السلع، ما ينعكس مباشرة على مستويات المعيشة.

4. دعم استقرار الليرة: مع تراجع الضغط الخارجي، عادت الليرة لتُبدي مؤشرات إيجابية، ما قد يُمهّد لتخفيف التضخم وضبط الأسعار، خاصة إذا ما ترافقت هذه الإجراءات بسياسات نقدية داخلية مسؤولة.

5. تحرر من الارتهان الاقتصادي: مثّل الاعتماد على حلفاء محدودين في السنوات الماضية سبباً في هشاشة الاقتصاد السوري. رفع العقوبات يتيح تنوّع الشراكات التجارية والمالية، ويقلّل من حدة الارتهان لمعادلات جيوسياسية ضيقة.

لطالما شكّلت صناعة النفط والغاز ركيزة من ركائز الاقتصاد السوري قبل الحرب. ومع رفع العقوبات، يُتوقع أن تستعيد هذه القطاعات بعضاً من قدرتها على التصدير وجذب الاستثمارات، ما يوفر للدولة إيرادات حيوية تُمكّنها من تمويل مشاريع الإعمار ودعم الميزانية العامة.

أبعاد إنسانية وأمنية

بعيداً عن المعادلات الاقتصادية، فإن رفع العقوبات يسهم أيضاً في تسهيل العمل الإغاثي والإنساني. فعلى الرغم من الإعفاءات الرسمية لبعض المساعدات، ظلت العقبات البيروقراطية والمالية تشكل تحدياً كبيراً أمام المنظمات الدولية. اليوم، بات بالإمكان تقديم مساعدات أكثر كفاءة، والاستجابة لاحتياجات السكان بعيداً عن منطق العقوبات الجماعية.

الاقتصاد بوابة السياسة

يبقى السؤال الجوهري: هل يمثل هذا التحول مقدمة لتسوية سياسية أوسع؟ أم أنه مجرّد خطوة تكتيكية ضمن لعبة المصالح الدولية؟ المؤكد أن سوريا، وهي تخرج تدريجياً من عزلتها، ستكون مطالَبة بإجراء إصلاحات هيكلية تُقنع العالم بجديتها في التعافي والانفتاح، داخلياً وخارجياً.

وإن كانت العقوبات قد استخدمت لأغراض سياسية وهي التضييق على نظام المجرم السابق، فإن رفعها ورفع العقوبات هو أيضا لأغراض سياسية ويفتح الباب أمام مفاعيل اقتصادية قد تكون أعمق أثراً، خاصة إذا ما أُحسن استغلالها داخلياً. لا شك أن التحديات أمام سوريا كبيرة، والطريق ما زالت طويلة، فهل ستتمكن من تحويل هذه اللحظة إلى فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها ومجتمعها؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة

 

أعلى