في كواليس الإدارة العبرية يتحدث القادة السابقون بما يجول في أروقة السياسية والعسكرية، ويتبين من أحاديثهم مدى الارتباك الواضح في آليات إنهاء تلك الحرب وما يتعلق بما يعرف بـ"اليوم التالي"
لا يجادل أحد في أن قرار
انتهاء الحرب والقتل في غزة يبقى في يد حكومة الاحتلال الصهيوني، وبالتحديد عند
رئيسها بنيامين نتانياهو.
ولكن ما تنتظره غزة ليس
فقط توقف إطلاق النار، بل ثمة من يتحدث عن سيناريوهات ما بات يعرف باليوم التالي
للحرب، ويقصدون بهذا المصطلح تنحية حكم حركة حماس من غزة بعد نزع سلاحها، وإيجاد
بديل آخر لحكمها.
وتتنوع شرائح المجتمع
الصهيوني في موقفها من حرب غزة، وأيضا في اليوم التالي لهذه الحرب، وما يخص قضية
الأسرى، وتتشابك الآراء حول تلك القضايا سواء على الصعيد الشعبي، أم في دوائر النخب
العسكرية والسياسية والإعلامية والأكاديمية.
ومن الأهمية بمكان، رصد
هذه المواقف المتنوعة والمتضادة أحيانا، لتحليل مدى قدرتها على تشكيل القرار
الصهيوني المتعلق بحرب غزة، ولاستشراف المسارات التي ستنتهي اليها تلك الحرب، وما
سيؤول اليه وضع القطاع بعد ذلك.
الرأي
العام داخل دولة الكيان
تنبع أهمية وتأثير الرأي
العام في دولة الكيان الصهيوني، في قدرته على تغيير حكومته، في انتخابات كل أربع
سنوات، كما يستطيع الرأي العام بالضغط من خلال المظاهرات والضرابات توجيه القرارات
المتخذة. لذلك تحاول الطبقة السياسية والأحزاب المختلفة داخل دولة الكيان في أن
تكون خطواتها وقرارتها متوافقة مع توجهات الجماهير الصهيونية.
وتتنوع أسئلة استطلاعات
الرأي التي تجريها مراكز قياس الرأي العام المختلفة على المواطنين داخل دولة الكيان
الصهيوني.
بالنسبة لإنهاء الحرب في
غزة أو استمرارها، ففي السابع من أكتوبر الماضي وبمناسبة مرور عام على حرب طوفان
الأقصى، أجرى مركز فيتربي للرأي العام وأبحاث السياسات في المعهد الإسرائيلي
للديمقراطية استطلاعا، شمل عينة عشوائية من ألف مواطن بهامش خطأ 3.10%. ووفق
النتائج، التي نشرتها صحيفة معاريف العبرية، فقد أعرب 53% عن اعتقادهم بأن الوقت
حان لإنهاء الحرب.
وبعدها بأسابيع قليلة،
أجرت قناة 12 الصهيونية استطلاعا، أظهر أن
69%
من الإسرائيليين يؤيدون صفقة التبادل، ومع إنهاء الحرب، بينما
20% فقط يعارضون إنهاء الحرب.
أما فيما يتعلق بأهداف
الحرب، فقد رأى 62% أن عودة الأسرى الإسرائيليين من غزة هي الهدف الرئيسي لإسرائيل،
بينما قال 29% إن إسقاط حركة حماس هو
الهدف الرئيس.
وفي قضية اليوم التالي
للحرب، أعرب 8% من الإسرائيليين عن رغبتهم في أن تحكم السلطة الفلسطينية قطاع غزة
بعد الحرب.
|
أكثرية الرأي العام داخل دولة الكيان، أصبحت لا تثق في خيارات الاتجاهات
اليمينية في الكيان والتي يعبر عنها سموريتش وبن غفير علنا، بينما يتبناها
فيما يبدو رئيس الوزراء نتانياهو في السر، والتي تصر على استمرارية القتال
في غزة حتى القضاء على حماس" |
وعن الثقة في الطبقة
السياسية الصهيونية، ووفق نتائج الاستطلاع، حصلت جميع المستويات العليا في القيادة
السياسية والعسكرية على علامات منخفضة إلى متوسطة لأدائها منذ 7 أكتوبر 2023. وحصل
وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وزعيم المعارضة يائير لبيد ورئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو على أدنى الدرجات، دون تحديد النسب.
ووفق استطلاع آخر أجرته
قناة كان العبرية الرسمية بالتعاون مع معهد كنتر وهي مؤسسة غير حكومية، أعرب 35% من
الصهاينة عن اعتقادهم بأن تل أبيب خسرت الحرب أمام حركة حماس، في حين قال 27% فقط
من الصهاينة، أي أكثر بقليل من الربع، إنهم يعتقدون أن بلادهم انتصرت في الحرب
ضد حماس، أما البقية فلا يعرفون.
وعن سيناريو عودة
المستوطنات إلى قطاع غزة بعد الحرب، قال 86% من الصهاينة إنهم غير مستعدين للعيش في
المستوطنات المحاذية لقطاع غزة عندما
تنتهي حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع، مقابل14%
فقط من أفراد العينة التي شملها الاستطلاع والتي أجرته هيئة
البث الإسرائيلية الرسمية أنهم يريدون أن يستوطنوا غزة.
عندما نحلل النتائج تلك،
ندرك أن
أكثرية الرأي العام داخل دولة الكيان، أصبحت لا تثق في خيارات الاتجاهات اليمينية
في الكيان والتي يعبر عنها سموريتش وبن غفير علنا، بينما يتبناها فيما يبدو رئيس
الوزراء نتانياهو في السر، والتي تصر على استمرارية القتال في غزة حتى القضاء على
حماس، واحتلال القطاع وإعادة
المستوطنات، وأن هذه الأكثرية من الجماهير داخل دولة الكيان تفضل إعادة الأسرى
وإيقاف الحرب على هلاك الأسرى واستمراريتها، حتى ولو كان الثمن عودة الاستيطان داخل
غزة.
القادة
العسكريون والأمنيون للكيان ونظرتهم لحرب غزة
يتكتم قادة الأجهزة
الأمنية وقيادات جيش الكيان الصهيوني عن موقفهم من حرب الإبادة في غزة، يُستثنى من
ذلك وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، والذي أقاله نتانياهو ربما لتصريحاته الصريحة
خاصة تجاه حرب غزة.
فبعد عزله من منصبه، صرح
غالانت أن قرار إقالته جاء نتيجة خلافات بشأن ثلاثة قضايا، أولاها تتعلق بقضية
التجنيد، فهو يرى أن كل من هو في سن التجنيد يجب أن يلتحق بالجيش، وفق قوله.
وأشار إلى أن الخلاف
الثاني يتعلق بإصراره على إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة بأسرع ما يمكن،
وهذا هدف يمكن تحقيقه بقدر من التنازلات وبعضها مؤلم.
وقال إن الخلاف الثالث
يتعلق بإصراره على وجوب تشكيل هيئة تحقيق رسمية في ما حدث بعد 7 أكتوبر 2023.
ولكن ما تتكتمه تلك
القيادات الأمنية والعسكرية الحاليون، يقوله بصراحة القيادات السابقة والتي خرجت من
الخدمة.
فاللواء احتياط تامير
هيمان وهو الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية، والذي يُعرف
اختصارا (أمان)، وهو أكبر الأجهزة الاستخبارية في الكيان الصهيوني ويتبع مباشرة
لرئيس الأركان، وفي مقال له في موقع قناة ١٢ الصهيونية، يتساءل عما إذا كانت لدى
دولة إسرائيل استراتيجية خروج فيما يتعلق بالقتال مع حماس؟
ويرجح رئيس أمان السابق أن
هناك استراتيجية ولكنها تحتاج إجراء نقاش عام بشأنها، لأن آثارها واسعة النطاق،
وبالنسبة لعودة المختطفين، فيرى الجنرال الصهيوني، أن الضغط العسكري لم يعد مفيدا،
بل وربما يعرض حياتهم للخطر. اذن صفقة للمختطفين هي الطريقة الوحيدة لإعادة الناس
إلى ديارهم، الأحياء والأموات كما يراها الجنرال.
ويقول الرجل، أنه لم يتبق
إلا حلان واقعيان: الحكم العسكري، وهي خطة فعالة من الناحية التكتيكية، ولكنها سيئة
للغاية من الناحيتين السياسية والإستراتيجية (فضلاً عن تكلفتها الهائلة من حيث
الميزانية وتخصيص القوى العاملة).
والثاني هو "فوضى متعمدة"،
أي استمرار الوضع القائم عمليا، فإسرائيل لن تعيد القطاع. وسوف تستمر في تقديم
المساعدات الإنسانية دون أي قيود، وبما يتفق تماما مع مطالب المجتمع الدولي، ولكن
هذا كل شيء.
ويرجح الجنرال أن إسرائيل
لا تنوي الذهاب في اتجاه الحكم العسكري، ولن يتبقى إلا الخيار الثاني، وهو على
الأرجح هو الذي يتم تنفيذه.
ويتساءل الجنرال عن إذا
كان المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي سيسمحان للحكومة الإسرائيلية بقبول هذا
الأمر؟
ويعدد الجنرال مزايا خيار
الفوضى في غزة وبقاء الأمور كما هي عليها الآن: منها حرية العمل العسكرية
العملياتية، وهذا من شأنه أن تؤدي إلى تآكل قدرات حماس العسكرية بمرور الوقت، ومن
المحتمل أن تؤدي إلى إضعاف صفوفها، فضلا عن عدم دفع ثمن صفقة مختطفين، مما يقلل من
التوترات داخل الائتلاف.
كما أن استمرار الوضع
الحالي يزيد من فرص من يرغب داخل الحكومة في إعادة الاحتلال والاستيطان لغزة.
أما عيوب هذا الحل في رأي
رئيس أمان السابق، فيتمثل في استنزاف عسكري لقوات الجيش الإسرائيلي بشكل منتظم، من
إصابات جسدية وعقلية، وتدهور انضباط وأخلاق التشكيل النظامي نتيجة الحمل الهائل.
بالإضافة إلى استمرار
الاتجاه الانعزالي لإسرائيل تجاه الديمقراطيات الليبرالية الغربية، خاصة في أوروبا
وفي مجال الأعمال الاقتصادية، وكذلك تجاه الولايات المتحدة، كما سيؤدي إلى وفاة
الأسرى في الأسر، وهذا الأمر سيزيد من الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، والاستقطاب
السياسي، والعنف في المجال العام، وسيؤخر الشفاء الضروري للمجتمع الإسرائيلي.
ورغم مميزات البديل
المختار إلا أن عيوبه أكثر عددا. والثمن المدفوع في تآكل الأمن القومي أعلى من
الإنجاز العملياتي الذي سيتم تحقيقه.
في رأي الجنرال.
وفي النهاية يرى الجنرال
الصهيوني أنه لدى الكيان شهرين قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لذلك يتعين على
الحكومة الصهيونية أن تحاول التوقف للحظة، والتراجع لبضعة أسابيع ووقف إطلاق النار
لإتاحة الفرصة لإعادة المختطفين إلى وطنهم، وبعدها ستقدم حماس بالفعل الأسباب
الكافية للعودة إلى القتال. وحينها ستدعم إدارة ترامب استمرار القتال.
أما الجنرال غيورا آيلاند
رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني الأسبق وصاحب خطة الجنرالات وهو المستشار المقرب
من نتانياهو، ففي آخر مقال له يتراجع عن تلك الخطة ويعنون المقال بنداء إلى رئيس
الوزراء (نتنياهو قدّم لهم مخرجا).
وخلاصة أطروحة آيلاند
الجديدة والتي تبدو مفاجأة للجميع، أن حماس وحزب الله لن يستسلما، وسيكون هناك
دائماً مَن سيواصل إطلاق النار، فاستمرار القتال على الجبهتين لا يخدم مصلحة
إسرائيل، لذلك، من الصائب أن نفتح الباب أمام ترتيبات سياسية على الجبهتين.
ويكتب بالنص "بالنسبة إلى
غزة، علينا أن نقول ببساطة: إسرائيل مستعدة للاتفاق التالي مع حماس، إطلاق كل
المخطوفين في عملية واحدة في مقابل إنهاء الحرب وخروج قوات الجيش الإسرائيلي من
القطاع. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك شرط إضافي لا يوجّه إلى حماس، بل إلى دول
العالم، وستكون أيّ خطة لإعادة إعمار غزة مشروطة بالنزع الكامل للسلاح منها."
أي أن الرجل ينصح
بالانسحاب الكامل من القطاع والإفراج عن جميع الأسرى مرة واحدة، أما إعادة الإعمار
فلن تتم إلا بغزة منزوعة السلاح.
وفي النهاية فلن تتحدد
مآلات تلك الحرب، إلا بصمود المقاومة الفلسطينية، واستمرارها في عملياتها العسكرية
ضد الجيش الصهيوني، وتواصل قصفها للمستوطنات الصهيونية، وقبل كل ذلك فإن ثبات أهل
غزة على الجوع والحصار وفقدان الأهل والأحبة وتدمير البيوت، لهو الفيصل في ذلك
الصراع الطويل.