فلكل فئة منهم رأيها وتوجهها ومسارها الذي تحدده بناء على معطيات سياسية واجتماعية خاصة لاتضع نصب عينها محاولة خلق نفوذ وتأثير للكتلة العربية والمسلمة في مجريات السياسة الأمريكية، خاصة في موسم الانتخابات الرئاسية الحاسمة.
يمتد تأثير الانتخابات الأمريكية –كما هو مشاهد وملموس- إلى شتى بقاع الأرض، ومن ثم فهي تجذب اهتمام كل الدول التي بدورها تحاول أن تلعب دورًا مؤثرًا في نتيجة تلك الانتخابات ومسارها، بما يعود عليها بالنفع السياسي والاقتصادي، وغير ذلك.
وعلى الصعيد الداخلي الأمريكي، لا يخفى أن الانتخابات تشكل حدثًا فارقًا ومؤثرًا، في ضوء التقارب الصوتي بين الحزبين المسيطرين على الساحة السياسية – الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي- مع الاختلاف بينهما على صعيد السياسيات الداخلية، لاسيما تلك المتعلقة بالشأن الاجتماعي والشأن الاقتصادي.
وعلى ضوء هذه المقدمة تأتي عدة تساؤلات عن دور العرب والمسلمين في تلك الانتخابات، وهل بالفعل يمكنهم التأثير في مسار تلك الانتخابات وتحديد هوية الساكن الجديد للبيت الأبيض في تصويت نوفمبر 2024 ؟ أم أن صوتهم يذهب أدراج الرياح وسط ملايين من الأصوات والكيانات البارزة الطامحة وحدها في احتكار هذا التأثير المذهل؟ وما هي المعضلة التي تواجه العرب والمسلمين في انتخابات 2024؟
المعطيات الرقمية وحدها تعطي دلالة على أن تأثير العرب والمسلمين يكاد يكون منعدمًا، أو على أحسن التقدير هو تأثير متواضع للغاية إذا ما قورن بحجم الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات الأمريكية 2024، فعددهم 3.7 – 4.1مليون شخص، وهو تقريبًا 1.2% فقط من عدد سكان الولايات المتحدة البالغ 339 مليونًا، من بينهم ما يقرب من مليوني ناخب.
ولكن معطيات ديموغرافية قد تغير تلك النظرة بصورة تامة وتعطي ثقلًا كبيرًا لهذا الرقم الضئيل، وتجعل منه بالتعبير السياسي "رمانة الميزان" في الانتخابات الأمريكية القادمة، وتجعل صوت العرب والمسلمين ربما يكون حاسمًا في تحديد هوية المرشح القرب للفوز في انتخابات نوفمبر 2024 من بين المرشحين المتنافسين دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، أو كامالا هاريس عن الحزب الديموقراطي.
من أهم تلك المعطيات تركز العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة، والتي تقدر أصواتها بـ75 صوتًا من أصل 538 صوتًا في المجمع الانتخابي، مثل ميتشجان وفلوريدا وكاليفورنيا وبنسلفانيا، وفي مثل هذه الولايات يكون الصوت العربي هامًا في الانتخابات، لاسيما في ضوء التقارب الكبير بين ترامب وهاريس، إذ تشير استطلاعات الرأي أن كلاهما يقترب من نسبة 48%، وهو ما يعطي للأصوات الصغيرة في الولايات المتأرجحة أهمية بالغة.
فولاية ميشيجان بها أكثر من ربع مليون ناخبة وناخب مسجل من العرب والمسلمين، وولاية جورجيا بها 60 ألف ناخبة وناخب مسجل منهم أيضًا، وقد فاز الرئيس الحالي جو بايدن بالولايتين عام 2020 بهامش بسيط أقل من عدد الناخبين العرب والمسلمين، وعلى افتراض أن غالبية العرب والمسلمين ممن صوتوا في الولايتين عام 2020 صوتوا لصالح ترامب، فإن هذه الأصوات كانت تكفى لمنحه الفوز المريح.
كما خسر نائب الرئيس الديموقراطي الأسبق آل جور أمام المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في عام 2000 بفارق بضع مئات من الأصوات في فلوريدا، حيث كان تصويت المسلمين حاسمًا.
بصورة أكثر وضوحًا فإن 65% من عرب الولايات المتحدة صوتوا لصالح بايدن في انتخابات 2020، وكان هذا الدعم حاسمًا لفوزه في عدة ولايات متأرجحة، ففاز بجورجيا بفارق 12 ألف صوت، بينما صوت فيها أكثر من 61 ألف مسلم أمريكي، وفاز كذلك ببنسلفانيا بفارق 81 ألف صوت، وصوت فيها 125 ألف مسلم وعربي أمريكي (الجزيرة نت).
لكن هذه القدرة على التأثير تعتريها بعض الاشكاليات التي قد تذهب بقوتها في الانتخابات القادمة، في مقدمتها أن العرب والمسلمين في تلك الولايات الحاسمة لم يحسموا أمرهم، ولن يصوتوا بصورة جماعية تظهر قوة تأثيرهم، فهم شتات متناثر.
فلكل فئة منهم رأيها وتوجهها ومسارها الذي تحدده بناء على معطيات سياسية واجتماعية خاصة لاتضع نصب عينها محاولة خلق نفوذ وتأثير للكتلة العربية والمسلمة في مجريات السياسة الأمريكية، خاصة في موسم الانتخابات الرئاسية الحاسمة.
وتأكيد ذلك ما أصدره مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، أكبر منظمة للدفاع عن الحقوق المدنية والدفاع عن المسلمين في الويات المتحدة، من نتائج استطلاع وطني للرأي حول تفضيلات الناخبين المسلمين الأمريكيين منذ حلت نائبة الرئيس كامالا هاريس محل الرئيس بايدن في بطاقة الحزب الديمقراطي.
ويظهر هذا التقرير أن 29.4% من المسلمين الأمريكيين يخططون للتصويت لكامالا هاريس من الحزب الديمقراطي، و29.1% لجيل شتاين من الحزب الأخضر، و11.2% لدونالد ترامب من الحزب الجمهوري، و4.2% لكورنيل ويست من حزب الشعب، وأقل من 1% لتشيس أوليفر من الحزب الليبرالي، و16.5% لم يحسموا أمرهم بعد (كير).
وفي ولاية ميشيجان، قال 40% من الناخبين المسلمين إنهم ينون التصويت لصالح المرحة الثالثة من حزب الخضر جيل ستاين، مقارنة بـ12% فقط قالوا إنهم يخططون للتصويت لهاريس (سكاي نيوز).
ومرد ذلك إلى عدد من الأسباب منها أن المسلمين أكثر المجموعات الدينية تنوعًا في الولايات المتحدة مع عدم وجود أغلبية عرقية بارزة بينهم، وهم على النحو التالي: %25 من الأفارقة السود-%24 من البيض (أتراك وإيرانيون وجمهوريات وسط آسيا وألبانيا)- %18 آسيويون-%18 عرب-%7 أعراق مختلطة-%5 من أصول لاتينية-%3 آخرون (الجزيرة نت).
ومن بين الأسباب أيضًا فقد التنسيق لاتخاذ موقف موحد حيال التصويت في الانتخابات القادمة 2024، وفي كافة المواقف السياسية، بخلاف ما عليه بقية القوى ذات التأثير النافذ مثل اليهود الذين يجدون مؤسسة نافذة توجهم رأيهم وتجمع شتاتهم، ومن ثم تصبح كتلتهم التصويتية لها تأثيرها المشهود في الانتخابات وفي مجريات العمل السياسي بكل تفاصيله.
أضف إلى ذلك القصور في الاندماج والتأثير والأخذ بأسباب القوة الداعية إلى النظر بعين الاعتبار إلى قوتهم العددية وتأثيرهم، والناجم عن انخراطهم في العملية السياسية أثناء العملية الانتخابية فقط، ومن ثم لا تكاد تسمع لهم تأثيرا كبيرًا أو زخمًا قويًا بخلاف تلك البرهة من الزمن، بخلاف بقية القوى ذات التأثير الممتد على زمنيًا على الساحة السياسة الأمريكية.
وقريب من ذلك أن تعاطي العرب والمسلمين يتركز أثناء انخراطه في العملية السياسية الأمريكية على القضايا الخارجية، وهي قضايا ليست ذات أولوية كبيرة للناخب الأمريكي الذي نصب عينيه على قضايا الداخل، لا سيما تلك المرتهنة بالشأن الاقتصادي، خاصة الضرائب والوظائف، والهجرة، والبيئة، والقضايا ذات البعد الاجتماعي كالإجهاض والشواذ.
وأما عن معضلة الاختيار، فإن واقع الأمر يشير إلى حيرة كبيرة للناخب العربي والمسلم حيال التصويت في الانتخابات الأمريكية المقبلة في نوفمبر2024..
فالحرب على غزة وحدت الناخبين المسلمين بطريقة لم توحدهم بها أي قضية أخرى في الذاكرة الحديثة، فوفقًا لاستطلاع رأي المسلمين الأمريكيين لعام 2020 الذي أجراه معهد ISPU، كانت الرعاية الصحية (19%) والاقتصاد (14%) والعدالة الاجتماعية (13%) من أهم القضايا التي حظيت بتصويت الناخبين المسلمين، أما في عام 2024 فإن الأولوية القصوى للناخبين المسلمين في جورجيا وبنسلفانيا وميشيجان هي الحرب في غزة (61٪)، تليها إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحروب الخارجية (22٪) (الجزيرة).
وعلى الجانب الآخر نجد أن المرشحين الرئيسيين ترامب وهاريس لا يكاد موقفها يختلف عن تأييد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة، وهو ما يعني أن الناخب العربي والمسلم ليس أمامه إلا تأييد أحدهما وهو ما يعني تأييدًا للحرب والعدوان على غزة بصورة واضحة وجلية، وإما أن يلجأ إلى التصويت العقابي بدعم مرشح ثالث، وهو في هذه الحالة يكون قد خرج بالكلية من دائرة التأثير وهي مشكلة أشد عمقًا.