كيف ستكون العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المستقبل القريب؟ سؤال يطرح نفسه على الساحة الأمريكية وبشدة، خاصة مع قرب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في شهر نوفمبر القادم.
ما هو شكل العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في حال فوز مرشح
الجمهوريين دونالد ترامب، وهل سيتغير الأمر كثيرًا في حال فوز مرشحة الديمقراطيين
كامالا هاريس؟ هذا ما سنجيب عليه بشكل مفصل استنادًا على التحليل والاستنباط وعبر
قراءة تصريحات ومواقف كلا المرشحين تجاه الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من
أكتوبر الماضي وحتى يومنا هذا.
موقف ترامب من الحرب
لا يخفي ترامب موقفه الداعم لدول الاحتلال في حربها على قطاع غزة، ومطالبتها
بالإسراع في إنهائها، لأنها تتسبب لها بخسارة معركة العلاقات العامة، كما ورد في
مقابلته مع صحيفة "إسرائيل اليوم" بتاريخ 25 مارس/آذار 2024، والتي طالب فيها
بإدارة أكثر دهاء للجرائم الإسرائيلية، إذ قال: "كل ليلة أرى مباني تسقط على الناس،
وقيل إن هذه المشاهد قدمتها إسرائيل من خلال وزارة الدفاع الإسرائيلية، وأنا أقول:
لماذا يقدمون هذا؟ إنها صورة سيئة.. افعلوا ما يتعين عليكم القيام به، لكن لا ينبغي
للناس أن يروا ذلك"!
كما أنه تهرب من سؤال مجلة تايم له بشأن ما إذا كان سيحجب المساعدات عن إسرائيل إذا
لم توقف الحرب، إلا أنه دعم لاحقًا ما أسماه حق إسرائيل بمواصلة "حربها على
الإرهاب"، وذلك لدى لقائه بالمانحين اليهود بتاريخ 14 مايو/أيار 2024 وفقًا لما
سربته صحيفة واشنطن بوست عن ذلك اللقاء.
وأكد ذلك علنًا في مناظرته الأولى مع بايدن التي قال فيها إن إسرائيل هي الطرف الذي
يريد الاستمرار في الحرب، وأن على بايدن "ترك إسرائيل لتكمل مهمتها، لكنه لا يريد
أن يفعل ذلك".
ثم عاد ليتعهد بإنهاء الحرب في خطابه في مدينة ميلواكي بولاية "ويسكونسن" بتاريخ 19
يوليو/تموز 2024، محذرًا بأنه "من الأفضل أن يعود الرهائن الإسرائيليون قبل أن
أتولى منصبي وإلا سيتم دفع ثمن باهظ".
سياسة ترامب الخارجية
من خلال تصريحات عديدة وتلميحات كثيرة يبدو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب
سيتبنى سياسة خارجية أكثر انعزالًا عن الحلفاء باستثناء إسرائيل في حال عاد إلى
البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل، كما أنه سيعيد تطبيق مبدأ "الدفع مقابل
الحماية".
|
وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" فإن ترامب لم يقدم إستراتيجية واضحة بشأن
القضية الفلسطينية، وقد شكك خلال لقاء مع بعض المانحين في جدوى قيام دولة
فلسطينية مستقلة.
|
ويستند هذا الاستشراف والاستنباط حول السياسة الخارجية لترامب على اختياره
السيناتور "جي دي فانس" لشغل منصب نائب الرئيس حال فوزه في الانتخابات المقررة
نهاية العام الجاري، لأنه من أشد معارضي سياسية الإنفاق الدفاعي على الحلفاء
الأوروبيين لكنه في الوقت نفسه داعم قوي لإسرائيل.
ففي ظل ثنائية "ترامب - فانس" يمثل الحزب الجمهوري النسخة الأكثر انعزالية في
تاريخه، حيث يتبنى فكرة تولي أوروبا أمنها والإنفاق عليه، والأمر نفسه سيحدث مع
أوكرانيا، التي يصرح ترامب من الآن بعدم مواصلة تزويدها بالمال أو السلاح، والدفع
باتجاه وقف الحرب؛ لأنه يرى أن روسيا لا تمثل تهديدًا وجوديًا لأوروبا ويمكن إقرار
سلام معها.
ولكن على الرغم من هذه السياسة الصارمة تجاه العديد من الدول الأوروبية يتبنى كلا
من "ترامب وفانس" دعم إسرائيل غير المشروط أو المقيد في حربها على قطاع غزة والسماح
لها بمواصلة العمل حتى تحقيق كل أهدافها.
القضية الفلسطينية لدى ترامب
وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" فإن ترامب لم يقدم إستراتيجية واضحة بشأن القضية
الفلسطينية، وقد شكك خلال لقاء مع بعض المانحين في جدوى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ومن المرجح أن يكون التشدد تجاه الفلسطينيين ومناصريهم سمة بارزة لإدارة ترامب،
ووفقًا لمؤشرات واضحة فإنه من بين 20 وعدًا قدمها الحزب الجمهوري في برنامجه
المعتمد للناخبين الأمريكيين، كان الوعد رقم 18 هو "طرد المتطرفين المؤيدين لحركة
حماس وجعل حرم جامعاتنا آمنًا ووطنيًا مرة أخرى".
وحذر جيريمي بن عامي رئيس منظمة جي ستريت -اللوبي الديمقراطي المؤيد لإسرائيل في
الولايات المتحدة- من أنه "مع وجود ترامب وفانس في البيت الأبيض، فإن اليمين
الإسرائيلي سيحظى بدعم كامل من الولايات المتحدة لخيالاته الأكثر جنونًا، ومنها
الانقلاب القضائي، وضم الضفة الغربية، والمستوطنات في غزة والمواجهات العسكرية مع
حزب الله وإيران".
موقف هاريس من الحرب
كانت هاريس من بين المدافعين عن دعم الولايات المتحدة القوي والثابت للكيان
الصهيوني، وحافظت على موقفها هذا بعد أحداث 7 أكتوبر، ولكن مع مرور الوقت أصبح خطاب
هاريس، الذي يدعو بشكل عام إلى إقامة علاقات قوية مع إسرائيل، مختلفًا نسبيًا خلال
الفترة التي تصاعدت فيها المجازر الإسرائيلية في غزة ووجهت انتقادات لرئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي مؤتمر ميونيخ الأمني
الذي
عقد في فبراير/شباط الماضي، أعربت هاريس عن دعمها لحل الدولتين الذي يتضمنه الخطاب
العام للسياسة الخارجية الأمريكية، وذكرت أن هذا طريق للسلام والأمن لإسرائيل
وفلسطين في النظام الدولي.
وفي خطابها في شهر مارس/آذار الماضي، مع زيادة ردود الفعل الدولية تجاه الهجمات
الإسرائيلية وتشكيلها ضغوطًا على الإدارة الأمريكية، لفتت هاريس إلى الوضع الإنساني
في غزة، وقالت: "إن الناس في غزة يتضورون جوعًا"، وحثت إسرائيل على زيادة تدفق
المساعدات للقطاع.
وفي مقابلة مع شبكة سي بي إس نيوز، أكدت هاريس على أنه من المهم التمييز بين
الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي، مشيرة إلى أن "الشعب الإسرائيلي
والفلسطينيين يستحقون أن يكونوا آمنين على حد سواء".
|
ذكرت
الصحافة الأمريكية أنه في حالة فوز هاريس في الانتخابات الرئاسية، فإن
إمهوف سيكون "الرجل الأول" (زوج الرئيسة) وأول زوج يهودي لرئيسة الولايات
المتحدة. |
أما في تصريحاتها لشبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية أثناء استعداد إسرائيل للهجوم
على مدينة رفح جنوبي غزة في مايو/أيار الماضي، فقالت هاريس: "أي عملية عسكرية كبيرة
في رفح ستكون خطًأ كبيرًا، لقد نظرت إلى الخرائط ولم يكن هناك مكان يذهب إليه
الناس، نحن نشاهد 1.5 مليون شخص في رفح، لأنه قيل لهم أن يذهبوا إلى هناك".
سياسة هاريس الخارجية
من المتوقع أن تحافظ نائبة الرئيس الأمريكي "كاملا هاريس" إلى حد كبير على نهج
الرئيس جو بايدن في السياسة الخارجية إزاء ملفات مثل الصين وإيران وأوكرانيا، لكنها
قد تتبنى لهجة أكثر صرامة مع إسرائيل بشأن حرب غزة إذا حصلت على ترشيح الحزب
الديمقراطي، واستطاعت الفوز في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
وقال "آرون ديفيد ميلر" المحلل الذي يركز على السياسة الخارجية الأمريكية في مؤسسة
كارنيجي للسلام الدولي: "ستكون هاريس تحت نفس القيود التي كان بايدن يخضع لها، لكن
سيكون هناك المزيد من التعاطف مع الحقوق الفلسطينية، وقد تكون هناك سياسة أكثر
صرامة بشأن المستوطنات"، وأضاف ميلر قائلًا: "قد تكون لاعبًا أكثر نشاطًا، لكن يوجد
شيء واحد لا ينبغي أن نتوقعه، وهو أي تحولات كبيرة فورية في جوهر سياسة بايدن
الخارجية".
وفيما يتعلق بمجموعة من الأولويات العالمية ضمن السياسة الأمريكية، يرى محللون أن
رئاسة هاريس بشكل عام ستشبه ولاية ثانية لبايدن.
القضية الفلسطينية لدى هاريس
إذا حملت هاريس لواء الحزب الديمقراطي واستطاعت التغلب على تقدم ترمب في استطلاعات
الرأي قبل الانتخابات، فسيحتل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مكانة متقدمة على جدول
أعمالها، خاصة إذا كانت حرب غزة لا تزال مستعرة.
ورغم أنها أيدت بايدن، كونها نائبته، في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد
الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر، فقد انتقدت النهج
العسكري لإسرائيل في بعض الأحيان.
كما تحافظ هاريس على علاقات أوثق مع التقدميين الديمقراطيين الذين ضغط بعضهم على
بايدن لفرض شروط على شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل بسبب القلق من ارتفاع عدد
القتلى الفلسطينيين من المدنيين في صراع غزة.
وبينما يتمتع بايدن بتاريخ طويل مع سلسلة من القادة الإسرائيليين لدرجة أنه وصف
نفسه بأنه "صهيوني"، فإنه هاريس زوجة المحامي اليهودي "دوغ إمهوف" ليس لديها هذا
الارتباط الشخصي الشديد بإسرائيل، ولكن على الرغم من ذلك فقد
ذكرت الصحافة الأمريكية أنه في حالة فوز هاريس في الانتخابات الرئاسية، فإن إمهوف
سيكون "الرجل الأول" (زوج الرئيسة) وأول زوج يهودي لرئيسة الولايات المتحدة.
كلمة أخيرة
قد تختلف الرؤى قليلًا أو كثيرًا بين كل من ترامب وهاريس حول نظرتهما للقضية
الفلسطينية وطريقة التعامل معها، لكن لا شك أن أيًا منهما في حال فوزه بمنصب الرئيس
سيظل وفيًا لإسرائيل بصفتها أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، ناهيك عن الدعم غير
المحدود لها في أي حرب قادمة مع الفلسطينيين، لكن يبدو بشكل واضح أيضًا أن هناك
رئيس محتمل يُدعى "ترامب" ينوي استكمال خطته المعدة مسبقًا للقضاء على أي حلم
فلسطيني للتحرر، كما أن هناك مرشحة محتملة تُدعى "هاريس" ليس من أهدافها عقد صفقة
قرن لتجمع كل العرب على مائدة إسرائيل.