• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما الذي يحدث في بنغلاديش؟ من هم

اندفع آلاف الطلاب في شوارع دكا في مظاهرات لم تشهد لها البلاد مثيلا، وصفت رئيسة الوزراء هؤلاء الطلاب بأنهم "رازاكار" مما أجج المشاعر وأغضب الطلاب، فما المقصود بـ"رازاكار" ولماذا أصبحوا في بؤرة الأحداث؟


"لماذا يشعرون بهذا القدر من الاستياء تجاه المقاتلين من أجل الحرية؟ إذا لم يحصل أحفاد المقاتلين من أجل الحرية على مزايا الحصص، فهل ينبغي لأحفاد رزاكار أن يحصلوا على المزايا؟"

تصريح الشيخة حسينة رئيس وزراء بنغلاديش

"رازاكار" هذا التعبير الذي استخدمته رئيسة الوزراء الأطول خدمة في العالم، أجج الاحتجاجات والمظاهرات في بنغلاديش، لأنه نقل الاحتجاجات من خندق الاعتراض السياسي على قرار للحكومة إلى صراع هوياتي بالمقام الأول.

ولكي نصل إلى دلالات هذا المصطلح علينا أن نعود إلى تاريخ استقلال بنغلاديش أو بالأحرى تاريخ انفصالها عن باكستان.

يعني هذا المصطلح "رزاكار" في الأصل "المتطوع" لكنه أصبح وصمة عار في بنغلاديش إذ أصبح يشير إلى الخيانة والعمالة للأعداء.

لم تصف الشيخة حسينة المتظاهرين بأنهم عملاء وخونة وفقط بل أرادت أن تضعهم في خانة أحقر من ذلك بانتزاع عنهم انتمائهم الوطني.

هذا الذي فهمه المتظاهرون، فرد عليها الطلاب متهمين إياها بمحاولة تصوير كل المنتقدين والمعارضين على أنهم ليسوا من أبناء الوطن. ورفعوا شعار "من أنت؟ من أنا من أبناء وطنك"، إلى جانب هتاف آخر "طالبت بحقوقي فأصبحت من الخونة"، وهو الهتاف الذي أصبح منتشراً بين المحتجين.

لكن الشيخة حسينة وكأنها رأت أن الانقسام المجتمعي الموجود بالفعل والذي صنعته حكومتها بالمجتمع البنجلاديشي وأججته بتصريحها ليس كافيا، فضاعفت انتقاداتها للمحتجين، ووصفت الشعارات بأنها "مؤسفة".

 

 لذا فإن استخدام الشيخة حسينة الإشارة إلى المتظاهرين بأنهم "رازاكار" فيه وصف للطلاب الجامعيين وكذلك المنتمين إلى الهوية الإسلامية المشاركين بالمظاهرات بأنهم خونة ولا ينتمون لبنغلاديش

قائلة: "إنهم لا يخجلون من تسمية أنفسهم بـ "رزاكار". إنهم لا يعرفون كيف لجأت قوات الاحتلال الباكستانية وجيش "رزاكار" إلى التعذيب في البلاد - فهم لم يروا التعذيب اللاإنساني والجثث ملقاة على الطرق. لذا، فهم لا يخجلون من تسمية أنفسهم بـ "رزاكار".

ما هي قصة "رزاكار"

عندما قام البريطانيون بتقسيم الهند وإنشاء دولة باكستان في أغسطس 1947، كانت الدولة المشكلة حديثًا تتكون من منطقتين: باكستان الغربية وباكستان الشرقية.

كانت باكستان الشرقية موطناً لنحو 55% من إجمالي السكان، حيث كان يعيش هناك نحو 44 مليون نسمة. ومع ذلك، كانت البلاد تحكمها باستمرار قيادات من باكستان الغربية. وعلى مدى عقدين، تزايد الاستياء في باكستان الشرقية فضلا عن التحديات المرتبطة بإدارة جزء من البلاد على هذه المسافة من البعد، فإن بوادر الخلاف بين نظام الحكم في باكستان وسكان إقليم بنغلاديش ظهرت في وقت مبكر بعد الاستقلال.

فقد تسبب فرض لغة الأوردو من قبل محمد علي جناح عام 1948، ثم تأكيد فرضها في عام 1952، في ظهور نزعة الانفصال لدى البنغاليين الذين رفضوا ذلك بشدة، ولم يفلح قرار الحكومة بإقرار اللغة البنغالية لغة رسمية في باكستان عام 1956 في تهدئة الأوضاع. وهكذا بدأت كرة الثلج في التحرك إلى أن وصلنا إلى حرب 1971 التي أنهت حلم الوحدة وكان ذلك بتدخل هندي مباشر لدعم انفصال بنغلاديش.

كانت الحكومة الباكستانية المركزية على علم بتنامي الحركة الانفصالية لذا شرعت في دعم الجماعات والرموز التي تدعو للوحدة وعدم الانفصال، وكان شباب الجامعات في دكا هم أكثر الفئات دعما لتلك الوحدة، كذلك امتدادات الجماعة الإسلامية داخل بنغلاديش التي استقطبت العديد من الشباب الجامعي إلى جانب شرائح عديدة من المجتمع البنغالي المناهض للانفصال.

رأت باكستان قبل اندلاع الحرب أن تقوم بتنظيم هؤلاء الشباب المؤيد للوحدة، فأصدر الفريق أول تيكا خان، الحاكم الإقليمي لبنغلاديش مرسوم "رازاكار" ونص المرسوم على إنشاء قوة تطوعية يتم تدريبها وتجهيزها من قبل الحكومة الإقليمية. ثم أعيد تنظيمهم كأعضاء في الجيش الباكستاني من خلال مرسوم صادر عن وزارة الدفاع صدر في 7 سبتمبر 1971.

قسمت القوة التطوعية رازاكار إلى فرعين مجموعة "البدر" ومجموعة "الشمس" وأصبحت قوات شبه عسكرية وتم تجنيد الطلاب بها وكانت مسؤولية مجموعة "البدر" العمليات المتخصصة بينما تم تكليف "الشمس" بحماية المواقع الاستراتيجية المهمة.

مع اندلاع المعارك سنة 1971 لعب "رازاكار" دورا محوريا في دعم الجيش الباكستاني ضد الانفصاليين وحققوا نجاحات، لكن تدخل الجيش الهندي إلى جانب الانفصاليين حسم المعركة تجاه الانفصال.

بعدها تمت محاكمات وسجن واعتقال الآلاف من "رازاكار" وأصبح المصطلح الذي يعني قوة تطوعية يشير إلى معنى جديد وهو الخيانة والتعاون مع الأعداء.

لذا فإن استخدام الشيخة حسينة الإشارة إلى المتظاهرين بأنهم "رازاكار" فيه وصف للطلاب الجامعيين وكذلك المنتمين إلى الهوية الإسلامية المشاركين بالمظاهرات بأنهم خونة ولا ينتمون لبنغلاديش، ما دفع المتظاهرين كما ذكرنا إلى رفع شعار "من أنا ومن أنت، ومن أبناء الوطن"  لقد أصبح  شعار هواياتي بامتياز. ولم يعد اعتراضا على قرار.

بدأت الاحتجاجات كنوع من الاعتراض السياسي على قانون مجحف أعطى 30 في المائة من الوظائف الحكومية لأبناء المحاربين القدامى في حرب 1971. وانتهى بتأجيج الصراع المجتمعي الذي بدأ حقيقة مع بداية نشأة الدولة.

صحيح أن الحكومة تراجعت عن القرار وعدلت النسبة إلى 5 في المائة فقط لأحفاد المحاربين القدامى. لكن هذا القرار أبدا لن يحل مشكلة الانقسام المجتمعي. ولن يطفأ النار المشتعلة بين نخبة سياسية وعسكرية شديدة التطرف والعلمانية تحاول طمس الإسلام، في مواجهة شعب مسلم مسالم بطبيعته.

لقد انتهج نظام الشيخة حسينة نهجا قمعيا في مواجهة الشعب البنغالي المسلم، حيث قام نظامها بإعدام العشرات من العلماء والدعاة فضلا عن سجن الآلاف في محاولة لطمس الهوية الإسلامية للبلاد، لقد رفضت النخبة العسكرية منذ تأسيس الدولة النص على أن دين الدولة هو الإسلام أو الإشارة إليه في أي من مواده الدستورية في بلاد يشكل المسلمون فيها حوالي 90 في المائة. والشيخة حسينة هي ابنة أول رئيس لبنغلاديش "مجيب الرحمن".

فيما يلي بعض الشخصيات التي أعدمها نظام الشيخة حسينة[1]:

عبد القادر ملا: القيادي والسياسي البارز ولد في بنغلاديش عام 1948، وكان أول قيادي من حزب الجماعة الإسلامية يتم إعدامه على خلفية اتهامات بالانتماء إلى رازاكار" والتورط بالقيام ببادة جماعية، إبان حرب الانفصال عن باكستان عام 1971. أعدم عبد القادر ملا في 12 ديسمبر/كانون الأول 2013 بالسجن المركزي بالعاصمة دكا.

علي إحسان محمد مجاهد ترأس علي إحسان منصب الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية التي التحق بها قبل إنهاء دراسته الجامعية في دكا. كما شغل منصب وزير في الحكومة الائتلافية بين حزبي الجماعة الإسلامية وحزب بنغلاديش القومي بين 2001 و2007.  أعدم الأمين لحزب الجماعة الإسلامية علي إحسان مجاهد يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

محمد قمر الزمان: قيادي بحزب الجماعة الإسلامية ولد في 4 يوليو/تموز 1952 بإحدى قرى مدينة شيربور ببنغلاديش. أعدم قمر الزمان يوم 11 أبريل/نيسان 2015 بالسجن المركزي بالعاصمة دكا.

مطيع الرحمن نظامي: قيادي إسلامي بنغالي يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة دكا. نفذت السلطات في بنغلاديش حكم الإعدام في مطيع الرحمن نظامي يوم الثلاثاء 10 مايو/أيار 2016 رغم مناشدات محلية ودولية بالعدول عن ذلك، بتهم بارتكاب أعمال إبادة جماعية والتعاون مع الجيش الباكستاني خلال حرب الانفصال عام 1971، وسط ترحيب أميركي بما قيل إنه "تنفيذ العدالة" ضد من ارتكبوا "الفظائع" ضد الشعب البنغالي.

مير قاسم علي: شغل عضوية اللجنة التنفيذية المركزية لحزب الجماعة الإسلامية، وهو رجل أعمال بارز في البلاد ويدير شركات في مجالات متعددة. ونفذ حكم الإعدام شناق بحق مير قاسم علي في 3 سبتمبر/أيلول 2016 في سجن مشدد الحراسة على مشارف العاصمة دكا.

غلام أعظم: شغل منصب أمير الجماعة الإسلامية. حكم عليه بالإعدام ولقي غلام أعظم ربه داخل المعتقل يوم 23 أكتوبر 2014.

أبو الكلام محمد يوسف: شغل أبو الكلام منصب الأمين العام للجماعة الإسلامية لأربع فترات، ثم عين لاحقا نائبا لأمير الجماعة الإسلامية. وبعد نحو أربعين عاما من أحداث 1971، أصرت السلطة الحاكمة في بنغلاديش على اعتقال القيادات البارزة في الجماعة الإسلامية ومحاكمتهم بتهم المشاركة في ارتكاب جرائم حرب إبان حرب الانفصال "رازاكار"،  توفي الشيخ أبو الكلام محمد يوسف فجر الأحد 9 فبراير/شباط 2014 داخل مستشفى نقل إليه من السجن بعد تدهور حالته الصحية.

هذه هي قصة دولة بنغلاديش المسلمة، والتي يحاول شبابها كتابة مشهد جديد في قصتها الأليمة فهل ينجح الطلاب في وضع خاتمة ينهون بها هذه المأساة الحزينة أم يكونون هم أحد فصول المأساة.

 

 

[1] قيادات إسلامية بنغالية أعدمتها حسينة واجد، الجزيرة نت، 17/5/2016

أعلى