فيما يترقب الأمريكيون، ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بدأ يتردد اسم "مشروع 2025"، فما الذي يحمله هذا المشروع متعدد الجوانب؟، وما هي ملامح هذا المخطط التفصيلي للرئيس الجمهوري القادم لبدء إصلاح شامل للسلطة التنفيذية في الولايات ال
ما هو مشروع 2025؟
"مشروع
2025" هو مشروع انتقالي رئاسي مقترح، ترعاه مؤسسة فكرية محافظة تُعرَف باسم مؤسسة
التراث، ويضم مجلسًا استشاريًا يتكون من أكثر من 100 مجموعة، على رأس هذه المجموعات
اثنان من المسؤولين السابقين في إدارة ترامب؛ هما: بول دانس، الذي كان رئيسًا
للموظفين في مكتب إدارة شؤون الموظفين ويشغل منصب مدير المشروع، وسبنسر كريتيان،
المساعد الخاص السابق لترامب والآن المدير المساعد للمشروع، ويتكون المشروع من 4
ركائز رئيسية؛ هي:
1- دليل سياسات الإدارة الرئاسية المقبلة.
2- قاعدة بيانات على غرار موقع "LinkedIn"
للموظفين الذين يمكن أن يخدموا في الإدارة المقبلة.
3- التدريب لمجموعة المرشحين التي يطلق عليها اسم "أكاديمية الإدارة الرئاسية".
4- دليل الإجراءات التي يجب اتخاذها خلال أول 180 يومًا من تولي الرئيس لمنصبه.
التوصيات الواردة في هذا المشروع المترامي الأطراف تصل إلى كل ركن من أركان السلطة
التنفيذية، من المكتب التنفيذي للرئيس الأمريكي إلى وزارة الأمن الداخلي إلى بنك
التصدير والاستيراد غير المعروف، ومن الملاحظ أن مؤلفي العديد من فصول هذه المشروع
هم أسماء مألوفة من إدارة ترامب، مثل: روس فوت، الذي قاد مكتب الإدارة والميزانية،
كما أنه مدير السياسات في لجنة البرنامج التابعة للجنة الوطنية للحزب الجمهوري لعام
2024؛ ومعه القائم بأعمال وزير الدفاع السابق كريس ميلر؛ وأيضا روجر سيفيرينو، الذي
كان مديرًا لمكتب الحقوق المدنية في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية؛ وجون ماكنتي،
المدير السابق لمكتب الموظفين الرئاسيين بالبيت الأبيض في عهد ترامب، وأحد كبار
مستشاري مؤسسة التراث، ظهرت المتحدثة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، في أحد مقاطع
فيديو "مشروع 2025"، وقد دفعت مساهمات مسؤولي إدارة ترامب السابقين إلى ربط المشروع
بحملة إعادة انتخابه، على الرغم من أن الرئيس السابق حاول أن ينأى بنفسه عن هذا
المشروع مرارًا وتكرارًا.
|
أصبح
"مشروع 2025" موضوعًا شائعًا في الأسابيع الأخيرة حيث يحاول الحزب
الديمقراطي ومعه اليسار تحذير الناخبين مما يمكن أن يفعله ترامب بفترة
ولاية ثانية |
تفويض القيادة
يُعدّ المشروع محاولة للتوصل إلى إجماع محافظ حول كيفية تثبيت السياسات في حالة فوز
رئيس يميني، ويقوم المشروع أيضًا بجمع أسماء للتعيينات السياسية المحتملة ويهدف إلى
مساعدة الفريق الانتقالي للرئيس الجديد، ومن الملاحظ أن الكثير من النقاشات حول
"مشروع 2025" والانتقادات الموجهة إليه، تعود إلى ركيزته الأولى، وهي دليل سياسات
الإدارة الرئاسية المقبلة، ويتكون من 922 صفحة، ويضع إصلاحًا شاملاً للحكومة
الفيدرالية، ويبني الدليل الذي يحمل عنوان "تفويض القيادة 2025: وعد المحافظين" على
مُؤلَف سابق يحمل اسم "تفويض القيادة" الذي نُشر لأول مرة في يناير 1981م، والذي
سعى إلى أن يكون بمثابة خريطة طريق لإدارة رونالد ريغان القادمة آنذاك.
وكانت مؤسسة التراث ذاتها قد أنشأت أيضًا "تفويضًا للقيادة" في عام 2015م قبل ولاية
ترامب الأولى، وبعد مرور عامين على رئاسته، أشارت إلى أن ترامب قد نفذ 64% من
توصياتها السياسية، بدءًا من الانسحاب من اتفاقيات باريس للمناخ، وزيادة الإنفاق
العسكري، وصولًا إلى زيادة الحفر البحري وتطوير الأراضي الفيدرالية، وفي يوليو
2020م قدمت مؤسسة التراث نسختها المحدثة من الدليل إلى كبير موظفي البيت الأبيض
آنذاك، مارك ميدوز.
خطط وسياسات
ناقش الجمهوريون بعض السياسات الواردة في أجندة "مشروع 2025" لسنوات، وقد قام ترامب
بنفسه بالإشارة إلى بعضها؛ ومنها ـ على سبيل المثال ـ تدخل فيدرالي أقل في التعليم،
وزيادة الدعم لمتطلبات العمل للبالغين، وحدود آمنة مع زيادة إنفاذ قوانين الهجرة
والترحيل الجماعي وبناء جدار حدودي، ويمكننا هنا إلقاء نظرة فاحصة على أبرز خطط
وسياسات ذلك المشروع:
●
الإجهاض والقضايا الاجتماعية:
في التوصيات المقدمة إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، يدعو "مشروع 2025" إدارة
الغذاء والدواء إلى إلغاء موافقتها التي دامت 24 عامًا على حبوب الإجهاض
"الميفيبريستون" المستخدمة على نطاق واسع، مع وضع قواعد أكثر صرامة لاستخدام ذلك
العقار، مع توصية وزارة العدل بإنفاذ قانون كومستوك ضد مقدمي وموزعي حبوب الإجهاض،
حيث يحظر القانون الموضوع في 1873م إرسال الأدوية أو الأدوات المستخدمة في عمليات
الإجهاض عبر البريد، وعلاوة على ذلك يجب على أي برنامج داخل إدارات الصحة والخدمات
الإنسانية أن يحافظ على تعريف الزواج والأسرة المعزز بالعلم الاجتماعي، وهذا
التعريف يتفق مع المنع الذي أصدره ترامب ضد المتحولين جنسيًا من الخدمة في الجيش
الأمريكي، وقد رفع بايدن هذا المنع، لكن دليل "مشروع 2025" يدعو إلى إعادة الحظر،
مع غرس سياسات مناهضة للشواذ وإعادة قيم الفطرة السليمة للمجتمع الأمريكي.
●
استهداف الوكالات الفيدرالية:
يستهدف المشروع بعض الوكالات الفيدرالية القائمة، مثل الإدارة الوطنية للمحيطات
والغلاف الجوي (NOAA)،
والتي تعد إحدى مكونات وزارة التجارة ويدعو دليل السياسة إلى تقليص حجمها، حيث ينص
الدليل على أن المكاتب الستة لهذه الإدارة، بما في ذلك خدمة الطقس والخدمة الوطنية
لمصايد الأسماك البحرية، تشكل مصروفات هائلة وأصبحت واحدة من المحركات الرئيسية
لصناعة إنذار تغير المناخ، وبالتالي فهي تضر بالرخاء المستقبلي للولايات المتحدة،
ويقترح "مشروع 2025" التخلي عن استراتيجيات التخفيف من الغازات الدفيئة، وتخفيف
القواعد التنظيمية المتعلقة باستخدام الوقود الأحفوري، وبناء مخزونات النفط والغاز
والفحم بقوة من خلال توسيع التعدين في القطب الشمالي.
كما ينص دليل السياسات الخاص بالمشروع على ضرورة تفكيك وزارة الأمن الداخلي، التي
تأسست عام 2002م، ودمج وكالاتها مع وكالات أخرى، أو نقلها تحت إشراف وزارات أخرى
تمامًا، وكذلك تخفيف أعداد الموظفين بوزارة العدل، تلك التي كثيرًا ما انتقدها
ترامب وشكك في شرعية التحقيق الذي تجريه الوزارة في محاولات إلغاء انتخابات 2020،
ومن أبرز التغييرات المرتقبة ـ على سبيل المثال ـ يجب على الكيانات المتعلقة
بالهجرة من وزارات الأمن الداخلي والعدل والصحة والخدمات الإنسانية أن تشكل وكالة
مستقلة للحدود والهجرة، يعمل بها أكثر من 100 ألف موظف، ومن الملاحظ أنه إذا تم
تنفيذ توصيات هذا المشروع، فإن كل وكالة فيدرالية أخرى يمكن أن تتعرض للتهديد من
قبل الإدارة القادمة.
●
الهجرة:
جعل ترامب من ملف الهجرة إلى الولايات المتحدة حجر الزاوية في آخر جولتين رئاسيتين
له، واستمر في إثارة هذه القضية خلال حملته الانتخابية الحالية، ولا توصي أجندة
مشروع 2025 بإنهاء بناء الجدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك فحسب،
بل تحث الإدارة المقبلة على اتخاذ نهج عدواني في الرد على المهاجرين على الحدود،
ويتضمن هذا النهج استخدام عسكريين في الخدمة الفعلية والحرس الوطني للمساعدة في
عمليات الاعتقال على طول الحدود الجنوبية.
●
الاقتصاد:
يدعو المشروع إلى إلغاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) وإدخال
نظام مصرفي جديد، وجعل المعروض من النقود خارج سيطرة البنك المركزي، ورغم أن مؤلفي
المشروع يدركون مدى جذرية إلغاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلا أنهم ذكروا عددًا من
التوصيات السياسية للرئيس المحافظ المرتقب، ويشمل ذلك إعادة الأموال المدعومة
بالسلع الأساسية عن طريق ربط الدولار الأمريكي بسعر الذهب، وتبسيط نظام ضريبة الدخل
وخفض الضرائب على الشركات والضرائب على أرباح رأس المال بشكل كبير.
●
السياسة الخارجية:
فيما يتعلق بالسياسة الدولي؛ يؤكد كل من ترامب ومشروع 2025 على النظرة الحمائية
للولايات المتحدة، والتي غالبا ما يطلق عليها سياسات "أمريكا أولا" من قبل حملة
ترامب، وتميل الإجراءات إلى زيادة الرسوم الجمركية على المنافسين، وزيادة الضغوط
على الصين. علاوة على ذلك، يدعو "مشروع 2025" أمريكا إلى زيادة مخزونها من الرؤوس
الحربية النووية وتمويل تصميم وتطوير ونشر أسلحة نووية جديدة لحماية مصالحها
الاستراتيجية، ومنح الرئيس سيطرة واسعة لتوجيه المساعدات الدولية الأمريكية.
موقف ترامب
في منشور له على منصته للتواصل الاجتماعي، كتب دونالد ترامب: "لا أعرف شيئًا عن
مشروع 2025، ليس لدي أي فكرة عمن يقف وراءه، أنا لا أتفق مع بعض الأشياء التي
يقولونها، إنهم سيئون للغاية، ورغم ذلك أتمنى لهم التوفيق، لكن لا علاقة لي بهم"،
فيما أكدت حملته أن الإعلانات السياسية لملف الترشح لانتخابات العام 2024 سيصدرها
ترامب أو فريق حملته حصرًا، وأن أي قوائم موظفين أو أجندات سياسية أو خطط حكومية
يتم نشرها في أي مكان هي مجرد اقتراحات، جاءت هذه التعليقات للرد على ما قاله رئيس
مؤسسة التراث، كيفن روبرتس، في مقابلة إذاعية، حيث قال إن "أمريكا الآن في طور
الثورة الثانية، والتي ستظل غير دموية إذا سمح اليسار بذلك".
لكن من الناحية العملية؛ فإن "مشروع 2025" بالنسبة لترامب شخصيًا، يتوافق بشكل جيد
مع برنامج حملته الانتخابية، اتسمت مسيرة ترامب العامة بقناعته الشديدة بأنه وقع
ضحية عنصر من عناصر الدولة العميقة منذ بداية رئاسته؛ إذ لم تتبع وزارة الدفاع
أوامره في بعض الأحيان، وحاول مكتب التحقيقات الفيدرالي تقويضه في بعض المناسبات.
انتقادات الديمقراطيين
أصبح "مشروع 2025" موضوعًا شائعًا في الأسابيع الأخيرة حيث يحاول الحزب الديمقراطي
ومعه اليسار تحذير الناخبين مما يمكن أن يفعله ترامب بفترة ولاية ثانية، وعلى الرغم
من محاولات ترامب والحزب الجمهوري للابتعاد عن "مشروع 2025"، إلا أن الديمقراطيين
يواصلون ربط ترامب بالأفكار المطروحة في تلك المبادرة، وتنشر حملة بايدن-هاريس بشكل
متكرر حول المشروع على منصات التواصل الاجتماعي وتربطه بولاية ترامب الثانية، لدرجة
أن بايدن نفسه اتهم منافسه الجمهوري بالكذب بشأن علاقته بأجندة مشروع 2025، قائلاً
في بيان له إن "الأجندة مكتوبة من أجل ترامب ويجب أن تخيف كل أمريكي، لأن مشروع
2025 سيدمر أمريكا". ويرى الديمقراطيون أيضا أن "مشروع 2025" عبارة عن خريطة طريق
شاملة لإدارة جديدة للحزب الجمهوري تتضمن خططًا لتفكيك جوانب الحكومة الفيدرالية
وإقالة الآلاف من موظفي الخدمة المدنية لصالح الموالين لترامب الذين سينفذون أجندة
يمينية متشددة دون تردد.
رؤية الجمهوريين
على مستوى أعضاء الكونغرس؛ لا ينفي أو يقبل الجمهوريون ببنود "مشروع 2025" بشكل
واضح، وقد سعى اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، إلى وضع مسافة بين
ترامب ومشروع 2025، واصفين إياه بأنه مجرد نتاج لمركز أبحاث يطرح أفكارًا.
إن الخطوط العريضة لأجندة المشروع - والتي تعتمد على الجهود التي بدأت قرب نهاية
ولاية ترامب الأولى - كانت معروفة منذ بعض الوقت، ولكن لم تظهر الكثير من التفاصيل
إلا مؤخرًا، إنهم يريدون منح الرئيس سلطة كاملة على الوكالات شبه المستقلة مثل لجنة
الاتصالات الفيدرالية، التي تضع وتفرض القواعد على شركات التلفزيون والإنترنت،
والتي كانت بمثابة آفة الوجود السياسي لترامب في السنوات القليلة الماضية، كما تهدف
هذه الجهود إلى ضمان عدم تكرار الفوضى والانشقاقات رفيعة المستوى التي شهدتها فترة
ولاية ترامب الأولى مرة أخرى، إلى جانب الملاحقات القضائية كتلك التي يواجهها الآن.
لتبرير الأهداف السياسية الجذرية الموجود في "مشروع 2025"، يقول القائمون على
المشروع أن السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة منوطة بالرئيس فقط، ويربطون فلسفة
هذه النظرية التنفيذية الوحدوية إلى قراءة دقيقة للمادة الثانية في دستور الولايات
المتحدة، مؤكدين على أن السلطة التنفيذية الهائلة يجب أن تناط برئيس الولايات
المتحدة ولا تناط بإدارات أو وكالات الهيئات الحكومية أو الإدارية، أو في المنظمات
غير الحكومية أو غيرها من المنظمات والمصالح القريبة من الحكومة، المثير أنه من شأن
تنفيذ سياسات وبنود "مشروع 2025" أن يحصل الرئيس على سلطات واسعة على الحكومة
الأمريكية، ومن ثمَّ على العالم، والأكثر إثارة حين يكون هذا الرئيس هو "دونالد
ترامب".