ليتعلم الشباب والناشئة ثقافتهم وتاريخهم وتاريخ أمتهم العظيم، ففلسطين جزء أصيل من التاريخ والثقافة العربية والإسلامية، وهي امتداد ديني وثقافي واجتماعي لأمتنا لا يندثر مهما طال عليه زمن الاحتلال
لم يعد من رفاهية الفعل أو القول عدم التعاطي والتفاعل الإيجابي مع القضية الفلسطينية حاليًا، فإن كان الوضع في فلسطين -وغزة خصوصًا- خطيرًا في الأعوام الماضية؛ فقد صار حيث صار أخطر وأعقد بكثير، وتحولت المسألة إلى حرب استئصالية لا هوادة فيها ولا مهادنة، وبسرعة لا تمنح أحدًا حتى حق التقاط الأنفاس لاتخاذ قرارات المرحلة المقبلة بتؤدة وروية.
وهذا يضعنا جميعًا -نخبًا وقادة ومربين ومفكرين - في وضعية الاستنفار القصوى، وأن تتفاعل الأمة مع هذا الحدث الجلل بما يليق به، فإن سقوط هذه البقعة كفيل بالقضاء على حالة الأمل الرمزية الكبيرة التي صنعها أحرارها بإمكاناتهم المتواضعة أمام الآلة الإسرائيلية العسكرية المتوحشة.
لذا فإن المسلمين مطالبون بالاهتمام بهذه المعركة الحاسمة؛ فالرابطة الايمانية والأخوية الإسلامية تحتم علينا أن نكون في خندق واحد مع إخواننا ولو كنا في أقصى الأرض، فمهما بعدت المسافات فالرابطة التي بيننا وبينهم أقوى من أي رابطة في الحياة، لاسيما في وقت محنة وشدة كما الآن.
أما إخواننا في غزة فلهم علينا واجب مضاعف، فهم يخوضون أشرف معركة مع عدو لا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة، وإن الاهتمام بأمرهم ونصرتهم ليس تفضلاً عليهم ولكنه واجب أصيل، ورغم ذلك يتعرضون لأبشع عمليات الإبادة والقتل وهدم المنازل، ولم يُستثن منهم لا طفل ولا امرأة ولا شيخ، الجميع مستهدفون، وهناك عوائل وأحياء بالكامل قد انمحت من الوجود. فزال ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
إن لفلسطين بالذات خصوصية تميزها عن بقية بلدان العالم الإسلامي؛ ففيها المسجد الأقصى الذي هو من صلب عقيدة المسلمين، فهو قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسولها الخاتم، وأحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها، ومحضن الطائفة المنصورة التي تتمركز في آخر الزمان ببيت المقدس وأكنافه، والعديد من الفضائل والخصائص التي اختصت بها فلسطين المباركة، فهذا أمر عقدي لدينا نحن المسلمين. لذا فاهتمامنا بهذه القضية وتخصيصنا لجانب كبير من حياتنا لها نابع من عقيدتنا.
بالإضافة إلى الرسالة التي ينبغي أن تصل لأهلنا المحاصرين هناك بأن لهم ظهيرًا وسندًا قويًا في كافة أرجاء العالم، الإسلامي منه والغربي، وليدركوا أنهم ليسوا وحدهم، فمهما بلغ ضعفهم إلا أنهم أقوياء بعد الله تعالى بملياري مسلم حول العالم، فيثبتوا ويعلم عدوهم كذلك أنه لا يمكنه أن ينفرد بهم، وأن لهم قوة كبيرة لن تمكّن عدوهم منهم، فيكون ذلك بمثابة درع حامٍ لهم من مزيد من الاعتداءات والظلم.
ما أثر ذلك على الطفل والمراهق؟!
ينبغي أن يصل كل ما سبق للناشئ المسلم، فثمة العديد من الأسباب التي تجعل كل محضن تربوي وكل أسرة تهتم بغرس مبدأ الاهتمام بأمر المسلمين في شبابها وأبنائها، وبخاصة القضية الفلسطينية التي لا تزال جرحًا مفتوحًا للأمة منذ أكثر من 75 عامًا:
أولاً: لكي نعلّم أطفالنا وشبابنا حقهم في الحرية والاستقلال، فما يقع في فلسطين ظلم واضح واحتلال بيّن، وهي قضية من الوضوح بحيث لا يجادل فيها إلا أحد، فيجب أن يفهم أطفالنا أن لكل شعب الحق في اختيار مصيره والعيش بحرية في وطنه. وهذا مبدأ تربوي أصيل، ألا يرضى الطفل والشاب بأن يعيش ذليلاً مهينًا أبدًا تحت الاستعمار، لا هو ولا أحد من عائلته ولا أهل دينه في أي مكان بالعالم.
ثانيًا: ليتعلم الشباب والناشئة ثقافتهم وتاريخهم وتاريخ أمتهم العظيم، ففلسطين جزء أصيل من التاريخ والثقافة العربية والإسلامية، وهي امتداد ديني وثقافي واجتماعي لأمتنا لا يندثر مهما طال عليه زمن الاحتلال، وإنَّ تمكُّن الاحتلال من هذا البلد لا يمنحه الشرعية ولا يمحو هذا التاريخ مهما دار الزمان، وما دمنا قد زرعنا ذلك في أبنائنا وشبابنا فلن يتمكن الاحتلال أبدًا من انتزاع فلسطين من أحضان الأمة مهما كانت بشاعته ووحشيته.
ثالثًا: ليتعلم الناشئ أيضًا أهمية التضامن مع المظلومين أيًا كان جنسهم ولونهم وعقيدتهم، وهذا بُعد أخلاقي على درجة كبيرة من الأهمية، ليكون الشباب المسلم إيجابيًا لا يقف متفرجًا أمام مشاهد الاعتداء والانتهاكات، بل تكون له بصمة ودور فاعل في الحماية ودفع الظلم عن المظلومين ونصرتهم. فإذا رأى ظلمًا واقعًا بامرئ أيًا كان لونه أو دينه فعليه أن ينتفض بكل طاقته ليدفع عنه.
رابعًا: تعزيز الوعي لدى الأبناء والشباب، فهذا نوع من أنواع التربية، التي ترسخ لدى الناشئة والشباب مبادئ من أهمها فهم الواقع في العالم وأسباب تحركات الدول وأصول اتخاذ القرارات، فهذا مما يعمّق تفكير الشاب والطفل ويجعل له وجهة نظر مبنية على أساسات منهجية وليست مجرد انطباعات وآمال عاطفية.
وسائل عملية:
إذًا والحالة هذه؛ كيف يمكننا زرع هذا الاهتمام في نفوس الشباب والناشئة بالقضية الفلسطينية؟ وكيف نجعلهم مرتبطين بنصرتها؟!
أول وأهم ما يمكن أن يرسّخ هذا الاهتمام لدى الشباب والأبناء هو رؤية القدوات وقد تقدمت الصفوف، فبداية من القيادات الاجتماعية مرورًا بالنخب المثقفة والواعية في المجتمع، ينبغي على الجميع أن يقدم كل ما يستطيع لأجل نصرة القضية، وهذا ما يحرك الماء الراكد في المجتمع، ويخلق زخمًا بين الناس، ويعيد القضية إلى الحياة لدى من تجاهلوها أو نسوها لسنين. فنمذجة السلوك التضامني في هذه المرحلة الحرجة من أهم ما يمكن لصبغ المجتمع كله بصبغة داعمة ومحفِّزة ومستنفِرة، لاسيما للشباب والناشئة.
ثانيًا: صناعة القدوات على المستوى الأضيق كالآباء والمعلمين والمربين، فهذه الفئات عليها -مع واجب التضامن الشخصي مع القضية والترويج لها وتبني نصرتها- عليهم واجب إضافي وهو أن يكونوا نماذج تُقتدى لأبنائهم ومربيهم ودفعهم للمشاركة حتى ولو بدفع الأبناء جزء من مصروفهم الشهري لإخوانهم، فهذا مما يرسخ القضية لديهم ويجعلهم يشعرون كأنهم جسد واحد، إذا اشتكى المسلم هناك شعر به أخوه هنا.
ثالثًا: رفع وعي الشباب والناشئة بالقضية وأبعادها العقدية والتاريخية، وأسباب احتلال اليهود لهذه الأرض، وعلى شبكة الإنترنت الكثير من الأفلام الوثائقية والمواد الثقافية التي تتحدث عن ذلك، وكثير من الأبحاث والدراسات والكتب، وحتى القصص المناسبة لصغار السن موجودة في المكتبات وعلى الشبكة العنكبوتية.. وهذا من أهم ما يمكن فعله في هذه المرحلة، لأن التضليل الذي يمارسه الإعلام الغربي بخصوص هذه القضية ضخم إلى أقصى درجة، ويحتاج إلى مواجهة قوية، لاسيما لمواجهة ما يبث على وسائل التواصل الاجتماعي من تشويه للقضية وحظر لها.
رابعًا: تطوع الأبناء والشباب في الأعمال الإغاثية المتعلقة بأهلنا في غزة، والجمعيات الرسمية التي تقدم هذه الخدمات كثيرة في كل بلاد المسلمين، وما أجمل أن نرى شبابنا الصغار والأطفال وهم يتطوعون لأداء دور ولو بسيط في هذا.
خامسا وأخيرًا: الدعاء لإخواننا في فلسطين؛ فهم في أمسّ الحاجة الآن إليه، واجتماع الأسرة والعائلات للدعاء حتى يدفع الله سبحانه هذا البلاء عن الأمة ويكتب لها النصر والتمكين. وربط الناشئة بهذا البعد الإلهي للقضية من الأهمية بمكان، بحيث لا يعتمد على الأسباب الأرضية وحدها، بل يجمع ما بين الأخذ بالسبب الدنيوي والتوكل على الله تعالى الناصر لعباده المؤمنين.