• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السيستاني وتسمية ما يجري في العراق

السيستاني وتسمية ما يجري في العراق

 

في تصريح نُسِب للسيستاني بالواسطة، وهو ما جرت عليه العادة بأن يتعامل العالم و العراقيون على وجه التحديد مع ما يُسمى بالمرجعية العليا، عبْر وسطاء ووكلاء يحملون للشارع العراقي والرأي العام ما يُعتبر فتاوى وتصريحات ومواقف سياسية، وعلى الرغم من الوضع العراقي المتفاقم خطورةً ومأساة؛ فقد دأبت المرجعية على أن لا تكلِّف نفسَها وتخاطب الشعب العراقي الجريح مباشرة وعبر الأثير ليسمع الناس أحاسيس ومشاعر هذه المرجعية التي يقال عنها: إنها محطُّ أنظار جميع العراقيين وتحظى باحترام وتقدير كبيرين.

ويبدو أن المرجعية لم تبادل الناس هذا الشعور، لدرجة أنها لا ترى أيَّ ضرورة أو استحقاقاً لهذا الشعب بأن تواسيَ جراحَه الغائرة ولو بظهورٍ علنيٍّ مرةً واحدة، وتوجيه رسائل مباشرة للناس من غير وسيط مُسيَّس، ليُوقِن الناس أنّ مرجعيتهم لا زالت حيةً تُرزق، ناهيك عن أنها تتكلَّم وغير مصابة بالصمم، ولا سيما بعد أن كثُر الحديث عن ظاهرة الصمت المطْبِق للمرجعية على الرغم مما يمرُّ به العراق من مِحَنٍ وويلات ينطق على أثرها حتى الحجر.

نقلتْ لنا وسائل الإعلام دعوةَ المرجعية العليا في النجف (آية الله علي السيستاني) الداعيةَ إلى الوقوف صفّاً واحداً ضد الفضائيات التي تحاول تصوير ما يجري في العراق حرباً طائفية. ونَقَلَ بيان وزّعه المكتب الإعلامي للمجلس الإسلامي الأعلى الذي يتزعّمه عبد العزيز الحكيم عن السيستاني قولَه، بعد لقاء وفد من العشائر: إن بلدكم بلدٌ غنيٌّ ومعطاء بخيراته، فأدعوكم إلى نبْذِ الفُرقة فيما بينكم وبين إخوانكم من أهل السُّنَّة، والوقوف كالجبل الشامخ ضد محاولات بعض القنوات الفضائية لتفتيت هذه الوحدة؛ عندما يضخِّمون أخبار القتلى والتفجيرات ويصوِّرونها بأنها حرب طائفية.

ويبدو فعلاً من خلال هذا التصريح المنسوب إليه، أنّ المرجعية بعيدة كلَّ البعد عمَّا يجري في العراق، لدرجة أنها تعدُّ ما يحدث مِنْ قتْلٍ وتهجيرٍ واعتقال طائفيٍّ « منظَّم » نالَ العراقيين على مدار السنوات الأربع الماضية التي أعقبت الاحتلال الأمريكي الغاشم ليس مهماً. وهنا أودُّ أن أذكِّر المرجعية ببعض الإحصائيات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن جهات معنيَّة خلال المدة الماضية، وهي متواضعة جداً لما يحدث.

تفيد الإحصائيات المعلَنُ عنها بأن عدد القتلى بسبب العنف الطائفي، فقط خلال هذه المدة، قد بلغ مائتي ألف عراقي (سُنَّة وشِيعة)، بينهم أكثر من 300 إمام وخطيب وعالم دين، حتى وصل القتلُ على الهويَّة « الاسم، اللقب، والعشيرة » أمراً معروفاً في أوساط العراقيين؛ وهو الأمر الذي جعلهم يبدِّلون أسماءهم التي تُسبِّب لهم القتلَ؛ كعمر وعلي وعثمان وحسين، ويحمِلون أكثر من بطاقة شخصية للنجاة من الموت. ويكفي أن نذكِّر المرجعيَّة بما قاله مؤخراً أحد المسؤولين في حكومة المالكي الحالية وفي تصريح رسميٍّ، مِنْ أنَّ مقبرة دار السلام في النجف استقبلت 40 ألف جثة مجهولة الهويَّة لعراقيين. وعدد المهجّرين داخل العراق بسبب الطائفية تجاوز المليون ونصف المليون عراقي، لدرجة أن مناطق بغداد المختلطة (سُنَّة وشيعة) أصبحت اليومَ تعيش حالة التخندق الطائفي الخالص؛ فمثلاً لا يمكن للشّيعي أن يدخل منطقة سُنيَّة ولا العكس. ناهيك عن المحافظات ذات الأغلبية الشيعية وكذلك ذات الأغلبية السُّنِّية؛ فالأمر أصبح متبادلاً.

أما عن المسَاس بالمقدَّسات لدى الطائفتين، فالأمر أكثر من بيِّن؛ فهناك عشرات المساجد للسُّنَّة تم تدميرها وحرقها وعشرات المساجد المغتصبة من قِبَلِ الشيعة، يقابله في ذلك تدميرٌ لعشرات الحسينيَّات الشيعية تم استهدافها وتدميرها، مع كل ما يقال عن وجود (أصابع خفيَّة لأطراف خارجية).

أما عن السجناء، فالسجون العراقية الأمريكية مليئة بأكثر من مائة ألف سجين؛ بسبب مناهضتهم للاحتلال وسياساته، أغلبهم ينتمي للطائفة السُّنيَّة؛ وبدوافع طائفية أصبحت مكشوفة حتى عبر وسائل الإعلام، حتى أصبح دارجاً عند العوائل التي لها سجين لدى الأجهزة العراقية أنْ تقيم له عزاءً باعتباره ميتاً لانقطاع الأمل في عودته، بعكس الذي يتم احتجازه من قِبَلِ الأمريكيين على اعتبار أن عودته فيها أمل كبير.

ويكفي وجود مئات الأحداث من الصبية في السجون العراقية تم اعتقالهم بسبب المنطقة والعشيرة والاسم، وهو ما كشف عنه نائب رئيس الجمهورية العراقي الدكتور طارق الهاشمي أثناء زيارته لأحد السجون في بغداد، ولك أن تتصور يا سماحة المرجعية العليا ما تتصور، أطال الله ظلك!

نقول: إذا كانت المرجعية لا ترى ضخامةً في مثل هذه الإحصائيات « المتواضعة إعلامياً » وتعدها تضخيماً متعمَّداً لعدد ضحايا العنف والسلوك الطائفي البغيض المنظَّم؛ الذي وفد إلى العراق من جارة السوء إيران بواسطة الأحزاب الموالية لها، التي اعتلت سُدَّة الحكم بمنحة أمريكية نظيرَ تآمرها مع المحتلِّ لغزو العراق وتدميره، والذي قوبل بردود أفعال مشابهة من قِبَلِ بعض التجمُّعات السُّنية كمحاولة للوقوف بوجه الهجمة الطائفية الشرسة لهذه الأحزاب المدعومة من إيران، التي تريد استئصالهم من العراق وكما يقال: « البادي أظلم ». إذن هنا نُطَمْئن المرجعية العليا إلى أنَّ ما تنقله القنوات المطلوب الوقوف بوجهها بحسب دعوتكم المشار إليها، إنما هو غيْض من فيض، وما خفي كان أعظم.

والميليشيات المسلحة للأحزاب الشيعية وفرق الموت الطائفيّة، ومعها أجهزة الدولة الأمنية (الطائفية) ورئاسة الوزراء، هي أعرف بحجم الجرائم البشعة ومسلسل القتل والتهجير والسجن التي ترتكبها بحق العراقيين المناهضين للاحتلالين (الأمريكي والإيراني) وأذنابهما.

إن ما أريد أن أقوله، تعليقاً على دعوة المرجعية بالوقوف أمام القنوات التي تعد ما يجري في العراق حرباً طائفية: نعم! إن ما نُسِب للمرجعية بهذا الخصوص كان غاية في الحصافة والتكتيك ومحاولة تصوير أنّ ما يجري ليس حرباً طائفية؛ وذلك بدوافع رئيسية، منها:

1 - عدم استثارة واستفزاز الأغلبية السُّنية في العالم؛ لأنها تعلم جيداً أن إعلان حربٍ تحت شعارها الطائفي ليس من صالحها، لما هو معلوم من الأكثريَّة الساحقة لأهل السُّنَّة مقابل أقلية شيعية معروفة في عموم البلاد الإسلامية، وهو الأمر الذي يعني أنَّ من الحماقة إعلان الحرب الواقعة حالياً تحت هذا الشعار الطائفي، على الرغم من ممارسة التطهير الطائفي الواضح للعراقيين قتلاً وتهجيراً وسجناً، من قِبَلِ ميليشيات الأحزاب الشيعية وأجهزة الدولة الطائفية، مع ردود أفعال من الطرف المقابل. لذلك تم تغيير شعار هذه الحرب الطائفية المحْضة إلى شعار محاربة « الإرهاب » لتحقيق أهداف طائفية لا يجادل فيها أحد.

2 - ولأن كِفَّة الأحزاب الشيعية وميليشياتها المسلّحة وفرق الموت الطائفية فيها هي الراجحة حالياً؛ بسبب النفوذ في السُّلطة والدعم غير المحدود من جارة السوء (الشرقية)، وهم من بدأ بمشروع التطهير الطائفي واستخدام العنف في القتل والتهجير، لا سيما في محافظات الجنوب العراقي، وصولاً إلى بغداد، مستغلِّين إمكانيّاتهم المالية والعسكرية (وهو ما يعتبرونه مكاسب تم تحقيقها؛ لأنها تمهِّد لتحقيق أطماع توسُّعية عنصرية صفوية مشبوهة)، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي الذي يلتقي معهم في استهداف أهل السُّنَّة؛ لكونهم يشكِّلون أغلب المقاومة ضد الاحتلال.

ما نريد أن نخلُص إليه من القول حول الموضوع، أن هذه الدعوة دعوة تضليلية للرأي العام عموماً والرأي السُّنِّي تحديداً، لغضِّ الطرف عمَّا يجري لإتمام مسلسل التطهير الطائفي؛ لإنجاح المخطط التوسُّعي العنصري الصفوي الإيراني في العراق والمنطقة، وهو ما ينبغي النظر إليه بجديَّة وحزم بالغَيْن من قِبَلِ العالميْن العربي والإسلامي، والتدخل السريع لإيقاف السرطان الصفوي العنصري في العراق والمنطقة قبل فوات الأوان.

ونكرر مرة بعد أخرى، أنَّ الحرب الحالية ليست طائفية بالمعنى التقليدي المعروف، بل إنها حربٌ سياسية أراد أصحابها من الأحزاب الموالية لإيران أن يُلبِسوها ثوباً طائفيّاً لتحقيق مآربهم السياسية والعنصرية الصفوية التوسُّعية في العراق.

نسأل الله أن يحفظ العراق وشعبه من كل سوء ومكر.

:: البيان تنشر - مـلـف خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)

أعلى