• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصفقة المنتظرة!

لقد زلزل هجوم السابع من أكتوبر الكيان الصهيوني، وأودى بكثير من نظريات الردع والقدرة العسكرية والمخابراتية لهذا الكيان الغاصب، وفي الحال هذه فإن الصفقة المنتظرة ستحمل على الكيان الصهيوني كثيرا مما حمله الهجوم.

"لا يمكننا التنبؤ بنتائج مفاوضات التهدئة"

هذا تصريح للمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، معلقا على تكثيف المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية بزعامة حماس وبين الكيان الصهيوني.

ويعرب سوليفان عن عدم وجود أي مؤشرات حول إمكانية التنبؤ لما ستسفر عنه مفاوضات القاهرة، وحول إمكانية أن تفضي لوقف لإطلاق النار بغزة، أم لا.

والوضع في غزة منذ عدة شهور لا يزال منذ انتهاء الهدنة الأولى كما هو: حملة إبادة صهيونية ضد البشر والحجر في غزة، ومقاومة مستبسلة تلحق خسائر مهمة في معدات وأفراد جيش الكيان، وظهير شعبي من أهل غزة صابر ومحتسب، مع تهديد للجيش النازي بدخول رفح واستكمال حملة الإبادة التي يقدر عليها فقط.

ومع تلك الحرب وفي موازاتها، تجري مفاوضات غير مباشرة بين الطرف الصهيوني والطرف المقاوم بواسطة مصرية، وأخرى قطرية تبدو متراجعة مترددة، وضغط أمريكي أكثره موجه تجاه الجانب الفلسطيني والوسطاء لوقف الحرب.

والسؤال الأهم الذي على ألسنة كل الناس متى تنتهي هذه الحرب؟ ... متى يتوقف قتل الفلسطينيين؟

ما الذي يعوق دون إتمام الصفقة المنتظرة بين الكيان الصهيوني والمقاومة في غزة؟

هل الاختلاف يتعلق حول المدى الزمني للصفقة، وكونها دائمة أو مؤقتة؟  أم هو حول التناقض بين الطرفين حول هدف الصفقة؟

هل هناك أطراف خارجية وبالذات الولايات المتحدة لها أهداف خاصة بها في تهدئة عاجلة، ثم بعد ذلك لكل حادث حديث؟ أم كل ما سبق ذكره؟

هناك ثلاثة أطراف رئيسة يتداخلون مباشرة في الصراع الدائر في غزة، وعلى أساس مواقفهم ومن ثم قراراتهم سيتوقف مآل المفاوضات في غزة، وهم المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، ودولة الكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية.

وسوف نتناول في هذا المقال تحليل كل من موقف الكيان الصهيوني، وموقف الإدارة الأمريكية من الصفقة المنتظرة.

 

نتانياهو يمارس نوًعا من اللعب على حبال هذه التيارات، لأنه متيقن من أن توقف للقتال ولو على مراحل، فإنه سيكون الضحية الأول لها، حيث سيتم التحقيق معه في هزيمة طوفان الأقصى ومن ثم إقصاؤه وربما سجنه في ملفات فساد كانت قد جرى إغلاقها مؤقتًا.

الكيان الصهيوني ونتانياهو

تتعدد مستويات اتخاذ القرار الصهيوني فيما يتعلق بالمفاوضات حول الحرب في غزة.

في بداية الحرب، حاول رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو تجميع هذه عدة تيارات في إطار ما يُطلق عليه كابينت الحرب.

فهناك التيار الأمني ممثلا في قادة أجهزة المخابرات والجيش الصهيوني، وهم رئيس الموساد ورئيس الشاباك ورئيس المخابرات العسكرية، ثم رئيس أركان الجيش الصهيوني، وهؤلاء يريدون إتمام صفقة مع المقاومة، تكون متوازنة ومحاولة تصفية المقاومة بخيارات أخرى.

تقول صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية، أن وزير الأمن ورؤساء الأركان والموساد والشاباك توافقوا قبل أيام على ضرورة تقديم تنازلات في المفاوضات، وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأمنيين والعسكريين توصلوا إلى استنتاج بأن إسرائيل وصلت إلى طريق مسدودة في غزة.

وتشمل التنازلات التي اتفق عليها المسؤولون الأمنيون والعسكريون الانسحاب من نتساريم وعودة النازحين.

أما تيار أحزاب الصهيونية الدينية، فهو يرفض أي صفقة مع الفلسطينيين، ويدعو إلى الحل الصفري حتى لو أدى ذلك إلى تدمير غزة بالكامل، أو تهجير أهلها منها وتوطين اليهود مكانهم.

وهذه الأحزاب مع هذا الحل، حتى ولو أدى ذلك إلى الخروج من الائتلاف الحكومي، بل يهددون نتانياهو بذلك صراحة.

فقد كتب أحد قادة هذا التيار وهو بن غفير على منصة إكس محذرًا: إذا قرر رئيس الوزراء (نتنياهو) إنهاء الحرب دون شن هجوم واسع النطاق على رفح من أجل هزيمة حماس، فلن يكون لديه تفويض لمواصلة العمل كرئيس للوزراء.

وهناك تيار ثالث داخل الحكومة الصهيونية يتمثل في أحزاب يمين الوسط، وعلى رأسهم بيني غانتس، والذي كرر موقفه في أعقاب تهديدات وزراء الصهيونية الدينية بتفكيك الحكومة الإسرائيلية، فقال إنه في حال منعت هذه الأحزاب التوصل الى صفقة غير مرتبطة بوقف إطلاق نار يتم المصادقة عليها من جانب الجهاز الأمني الإسرائيلي فلن يكون هناك حق للحكومة بالوجود، وقال مهددًا: الدخول إلى رفح هام في الصراع الطويل ضد حماس. واستعادة مختطفينا الذين أهملوا من جانب حكومة السابع من أكتوبر، أمر ملح ولها أهمية أعلى بكثير.

فغانتس الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه الأكثر شعبية في كل زعماء الكيان، يحدد مواقفه وتتمثل في صراع طويل مع حماس، وتحرير الأسرى الصهاينة، ولكن يضع أولوية لتحرير الأسرى.

ولكن أين موقف نتانياهو في خضم هذه التيارات؟

نتانياهو يمارس نوًعا من اللعب على حبال هذه التيارات، لأنه متيقن من أن توقف للقتال ولو على مراحل، فإنه سيكون الضحية الأول لها، حيث سيتم التحقيق معه في هزيمة طوفان الأقصى ومن ثم إقصاؤه وربما سجنه في ملفات فساد كانت قد جرى إغلاقها مؤقتًا.

ذلك عندما تقترب الأمور من عقد صفقة أو حتى إتمام مرحلة أولى منها، يسارع نتانياهو لتفجيرها.

وهذا ما حدث في بداية هذا الأسبوع، حينما كانت الأجواء تسير في اتجاه التوقيع على صفقة ذات مراحل، سارع نتانياهو ليعلن أنه سيتم اجتياح رفح سواء تم عقد صفقة أم لا، الأمر الذي أعاد المفاوضات إلى المربع الأول.

أمريكا والخيارات الصعبة

نظرت الولايات المتحدة إلى هجوم طوفان الأقصى منذ البداية على أنه تخريب لاستراتيجية الغرب تجاه المنطقة العربية والتي تم وضعها منذ بدايات القرن العشرين، والتي كان من أركانها زرع كيان صهيوني في قلب المنطقة يكون نقطة ارتكاز غربي لضبط أوضاع المنطقة وبقاءها دائرة في الفلك الغربي.

 

 بدأت إدارة بايدن بممارسة ضغوط على حكومة نتانياهو للجم الهمجية الصهيونية، وإجبارها على العمل بنصيحة خبراء العسكرية الأمريكية، بالاستغناء عن الهجوم البري والدخول بما يطلقون عليه عمليات دقيقة ومركزة

لذلك كان هجوم الطوفان بمثابة زلزلة لركن هام في تلك الاستراتيجية الغربية، ألا وهو الكيان الصهيوني، وهذا ما يفسر التداعي الغربي بزعامة أمريكا لنصرة الكيان.

وقبل الاجتياح البري لجيش الكيان أوفدت أمريكا إلى الكيان كبار جنرالات الحرب الأمريكيين والذين خاضوا حروبها في العراق وأفغانستان، وبعد تفحصهم للوضع، جاءت نصيحتهم لحكومة الكيان بالابتعاد عن التدخل البري، والاكتفاء بتوجيه ضربات مركزة وموجعة على المقاومة بأقل خسائر ممكنة، لإيجاد بديل يمكنه أن يحل محل حماس في إدارة القطاع، ويتحول القتال بين المقاومة والكيان إلى صراع بين حماس والبديل الجديد سواء كان عربيًا أو فلسطينيًا.

ولكن لم يمتثل نتانياهو لتلك النصيحة مدعومًا بالمتطرفين من أقطاب الصهيونية الدينية، ونتيجة لذلك وقع الجيش الصهيوني في شراك حرب العصابات، والذي نصبته المقاومة له بإتقان في غزة.

أما إدارة بايدن فقد تركت الصهاينة ينفذون أجندتهم الفاشلة، على أمل أن يصل نتانياهو إلى قناعة أنه لا يستطيع أن ينتصر فيخضع مرغما للخطة الأمريكية.

ولكن بمرور الوقت ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أمريكا، ازدادت الضغوط الآتية من الجاليات الإسلامية والعربية وبعض الأجناس الأخرى من الداعمين التقليديين للحزب الديموقراطي الأمريكي أو من الشباب البيض الأمريكي والساخطين مما يجري غزة، وهي شريحة مع ضآلتها لكنها صارت في السنين الأخيرة لها أهميتها الحاسمة والمرجحة، خاصة مع اقتراب نسب التصويت لكل من الحزب الجمهوري والديمقراطي.

وكان هناك رافد آخر معارض للسياسات الأمريكية يتمثل في ضغوط الحكومات الغربية الحليفة، والتي بدأت شعوبها تضغط عليها لإيقاف مجازر غزة.

ولكن في نفس الوقت فإن اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة له تأثيره التقليدي على نتائج الانتخابات، بما يملكه من سيطرة على الإعلام والمال المؤثريْن على مسار تلك الانتخابات.

لذلك بدأت إدارة بايدن بممارسة ضغوط على حكومة نتانياهو للجم الهمجية الصهيونية، وإجبارها على العمل بنصيحة خبراء العسكرية الأمريكية، بالاستغناء عن الهجوم البري والدخول بما يطلقون عليه عمليات دقيقة ومركزة بحيث تعمل بالتوازي مع نزع سلطة حماس على القطاع بإدخال سلطة جديدة، وذلك في إطار خطة أشمل وأعم عبر عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في حديثه لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، حين ذكر أن الرئيس بايدن يعتزم في الأشهر المقبلة تقديم تفاصيل علنية عن خطة طريق لمنطقة أكثر سلام، هذه الخطة ترى أنه يمكن الوصول إلى إسرائيل أكثر أمناً ومنطقة أكثر سلماً.

وأضاف سوليفان أن كل ما يمكننا فعله هو التوصل إلى ما نعتقد أنه منطقي ومحاولة إقناع أكبر عدد من دول المنطقة بالموافقة عليه.

ولكن نتانياهو ووفقا لحساباته الداخلية، ولإدراكه ضعف الإدارة الأمريكية في ذلك التوقيت فإنه لم يأبه لنصائحها.

وبالفعل بدا عجز الإدارة واضحا ورهانها على اللوبي الصهيوني، واعتقادها أنه بمرور الوقت فإن ضغط الجمهور الأمريكي المعارض لحملة الإبادة الصهيونية في غزة سيتلاشى.

 ولكن حدث تطور جديد جعل الإدارة تبدأ في إعادة النظر مرة أخرى في دورها السلبي في حرب غزة، ويتمثل هذا التطور في اندلاع انتفاضة الجامعات الأمريكية وتنظيمها لاعتصامات واضرابات وهي من الشريحة التي تميل تقليديا أيضا إلى الحزب الديموقراطي.

وازداد ضغط الطلاب زخمًا واتسع نطاقه ليمتد أفقيا ورأسيا، خاصة مع اشتداد إجراءات القمع ضد تلك الاعتصامات من قبل إدارة الجامعات والشرطة الأمريكية.

ومن هنا عادت إدارة بايدن إلى ممارسة ضغوطها المزدوجة على نتانياهو من جهة، ومن جهة أخرى على الوسطاء لإرغام حماس على القبول بشروط الصفقة.

وبالنسبة للضغوط على حكومة نتانياهو، فقد ذكر موقع أكسيوس الأمريكي أن إدارة بايدن قد أوقفت الأسبوع الماضي شحنة ذخيرة أمريكية إلى الكيان الصهيوني.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى منذ هجوم طوفان الأقصى التي توقف فيها الولايات المتحدة شحنة أسلحة كانت متجهة إلى الجيش الصهيوني.

الموقف الحالي

أصبحت الصفقة تعتمد على مدى استعداد بايدن لممارسة أقصى الضغوط على نتانياهو.

وهناك احتمالان: إما قبول الكيان بالصفقة ووقف إطلاق النار، حتى ولو تدريجيا لحفظ ماء الوجه بحيث تؤدي في النهاية لوقف دائم إلى إطلاق النار.

أو الهروب إلى الأمام، والدخول إلى رفح وتكرار سيناريو اجتياح شمال غزة واجتياح خان يونس، أي وارتكابه مذبحة في حق المدنيين، ولكنه لن يستطيع أيضا هزيمة المقاومة.

وفي الحالتين، فإن الخسارة الاستراتيجية ستلحق بالكيان وبزعيمه.

فتعريف الخسارة في حروب العصابات، هي العجز عن هزيمة العصابة المقاتلة والقضاء عليها، وفي حالة الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على غزة، فإن الأهداف التي وضعها منذ بداية الحرب لم تتحقق سواء الهدف الدعائي وهو استعادة أسراه، أو الهدف الحقيقي وهو إزالة أي تهديد موجود في غزة عبر أي سيناريو، وعلى رأس هذه السيناريوهات إزالة حماس والمقاومة من الوجود، الأمر الذي لم يتحقق.

أعلى